ديب سيك

في ظل تزايد القيود الغربية على تصدير الرقائق والتقنيات المتقدمة، برزت شركة “ديب سيك” الصينية كمحور رئيسي في تطور مشهد الذكاء الاصطناعي داخل البلاد، حيث قادت موجة من الابتكارات التي تحركها الطموحات الوطنية والاستثمارات الحكومية الضخمة.
تمكنت “ديب سيك” من تجاوز هذه القيود بنجاح، من خلال تطوير نماذج ذكاء اصطناعي متطورة باستخدام رقاقات أقل تقدماً من تلك التي تنتجها “إنفيديا”، وبكلفة لا تتجاوز 6 ملايين دولار، مقارنةً بتكلفة تدريب نموذج GPT-4 الذي يصل إلى حوالي 100 مليون دولار، وفقاً لتقرير نشره موقع “Rest of World”.
سباق شرس بين الكبار والناشئين
لم يمر نجاح “ديب سيك” دون أن يلفت الأنظار؛ فقد أشعل هذا الإنجاز منافسة حامية بين الشركات الناشئة في الصين لتطوير خدمات وتطبيقات معتمدة على الذكاء الاصطناعي، مستفيدة من التقنيات المفتوحة المصدر.
في المقابل، دخلت الشركات العملاقة مثل “علي بابا”، “بايدو”، “تينسنت”، و”بايت دانس” في المنافسة من خلال إطلاق نماذج ذكاء اصطناعي خاصة بها، فضلاً عن استثمارات ضخمة تجاوزت عشرات المليارات.
استراتيجية شركات عملاقة
أطلقت “علي بابا” نسخة مفتوحة المصدر من سلسلة “Qwen”، في وقت متزامن مع إعلانها عن استثمار 53 مليار دولار في البنية التحتية السحابية والذكاء الاصطناعي على مدى ثلاث سنوات. كما تعهدت بتخصيص مليارات اليوانات لتطوير نموذجها “لونغ كات”.
تحول استراتيجي في السوق
تحت ضغط المنافسة وتراجع التمويل، بدأت الشركات الناشئة في إعادة تقييم استراتيجياتها.
فبينما تخلت بعض الشركات عن تطوير النماذج من الصفر، اختار البعض الآخر توظيف النماذج المفتوحة لتطوير حلول مخصصة لقطاعات معينة مثل الطب، القانون، وألعاب الفيديو.
على سبيل المثال، نموذج “مانوس” من شركة “Butterfly Effect” يهدف إلى تقديم أول عميل ذكاء اصطناعي يعمل بشكل مستقل تمامًا.
وأشارت سيليا تشين، المستثمرة في القطاع، إلى أن هذه الخطوة تعكس وعيًا جديدًا في السوق، حيث بات تركيز الشركات منصبًا على تقديم حلول فعالة ومباشرة بدلًا من التنافس على البنية التحتية.
الربح للمجتهدين.. لا للأغنياء فقط
رغم الدعم الحكومي والضجة الإعلامية حول الذكاء الاصطناعي، لا يزال التمويل الاستثماري في السوق الصينية يعاني من قيود.
في الربع الأول من هذا العام، تم ضخ 1.2 مليار دولار فقط في 144 صفقة متعلقة بالذكاء الاصطناعي، مما يمثل انخفاضًا بنسبة 30% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
لكن البعض يرى في هذا التراجع فرصة لتحفيز الابتكار، حيث ترى كايلا بلومكويست من مختبر أكسفورد لسياسات الصين أن هذا الوضع يدفع الشركات إلى التركيز على تطوير منتجات قابلة للتسويق، مؤكدة: “الابتكار الحقيقي يأتي من الحاجة، لا من وفرة التمويل.”
نهاية حقبة وبداية أخرى
بين الحظر الأمريكي وتكتيكات البقاء الصينية، يبدو أن الذكاء الاصطناعي في الصين يمر بمرحلة تحوّل كبيرة.
لم تعد المنافسة محصورة في من يمتلك أقوى نموذج، بل امتدت إلى تقديم حلول أكثر ارتباطًا بالحياة اليومية.
الفائز الحقيقي، بحسب الخبراء، سيكون من يستطيع دمج قوة الذكاء الاصطناعي مع فهم عميق لاحتياجات السوق، وهو ما بدأت الصين في تحقيقه بالفعل على أرض الواقع.