OpenAI
تتقدم شركة OpenAI بخطى متسارعة نحو الدخول الفعلي إلى عالم الأجهزة الاستهلاكية، في خطوة تُعد تحولاً استراتيجياً في مسار الشركة التي اشتهرت بتطوير نماذج الذكاء الاصطناعي. هذا التوجه الجديد يأتي من خلال مشروع مشترك يجمع بين الرئيس التنفيذي للشركة سام ألتمان والمصمم الشهير جوني آيف ، أحد أبرز الأسماء التي تركت بصمتها على تصميم منتجات التكنولوجيا الحديثة، خصوصاً خلال فترة عمله الطويلة في شركة آبل. ويمثل هذا التعاون مزيجاً استثنائياً بين خبرة آيف التصميمية ورؤية ألتمان المستقبلية للذكاء الاصطناعي، ما يجعل المشروع محط اهتمام كبير في وادي السيليكون.

ورغم أن المشروع بقي لفترة طويلة محاطاً بهالة من السرية والغموض، إلا أن معالمه بدأت تتضح تدريجياً مع الإعلان عن الانتهاء من النماذج الأولية الأولى للجهاز الجديد. هذا الجهاز يُنظر إليه باعتباره أحد أكثر الابتكارات إثارة للتساؤلات في مشهد التكنولوجيا الحديثة، إذ يأتي في وقت تتسابق فيه الشركات لتطوير أجهزة تعتمد على الذكاء الاصطناعي وتدمجه بشكل عميق في تجربة المستخدم اليومية.
1. إعادة تصور لمفهوم الأجهزة الشخصية
ما يميز هذا الجهاز الجديد أنه لا يسعى إلى الدخول في منافسة مباشرة مع الهواتف الذكية أو أجهزة الحاسوب المحمولة، ولا يهدف ليكون بديلاً لأي منهما. بل يطرح نفسه باعتباره “جهازاً ثالثاً” مكملاً لهما، يتخذ مكانه بين الأدوات الرقمية الأساسية التي نعتمد عليها كل يوم. فبدلاً من تكرار وظائف الأجهزة الموجودة، يقدم رؤية مختلفة لطريقة تفاعلنا مع التكنولوجيا، مستفيداً من قدرات الذكاء الاصطناعي لتقديم تجربة أكثر تركيزاً وهدوءاً.
سام ألتمان أوضح هذا المفهوم بصورة مجازية مؤثرة حين شبّه الاستخدام الحالي للهواتف الذكية بالسير في ساحة تايمز سكوير المزدحمة، حيث تتنافس الإشعارات والتنبيهات والرسائل على جذب انتباه المستخدم في كل لحظة. هذا الانغماس المستمر في الضوضاء الرقمية يؤدي إلى استنزاف الانتباه وإرهاق المستخدمين، وهو ما يسعى الجهاز الجديد لمعالجته بطرح نموذج تفاعلي يخفف الضجيج بدلاً من زيادته.
وفي المقابل، يشبّه ألتمان تجربة الجهاز الجديد بالجلوس في كوخ هادئ مطل على بحيرة ، حيث تكون التكنولوجيا موجودة ولكنها غير متطفلة، تعمل في الخلفية وتساعد المستخدم دون أن تقطع عليه تدفق يومه. ووفقاً لتقرير نشره موقع “gizmochina”، فإن الجهاز يعتمد على واجهات تفاعلية بسيطة وهادئة، ويفترض أن يعتمد بشكل أكبر على الصوت والسياق والذكاء الاصطناعي التنبؤي بدلاً من الشاشات المضيئة أو الإشعارات المتواصلة. وهذا ما يجعله أقرب إلى مساعد ذكي دائم الوجود، لكنه غير مرئي أو مزعج.
الفكرة الأساسية التي يقوم عليها المشروع هي إعادة تعريف علاقتنا بالأجهزة الرقمية، والابتعاد عن النمط التقليدي القائم على التحديق المستمر في الشاشات. وبدلاً من أن يطلب الجهاز من المستخدم انتباهاً دائماً، فهو يقدم تفاعلاً طبيعياً، يتيح للمستخدم التركيز على حياته اليومية بينما يتكفل الذكاء الاصطناعي بالمهام التي يمكن أتمتتها أو تبسيطها.
وإذا نجح هذا المشروع في تحقيق رؤيته، فقد يكون بداية لجيل جديد من أجهزة الذكاء الاصطناعي الشخصية، يُعيد تشكيل مفهوم التكنولوجيا اليومية، ويقدم بديلاً أكثر هدوءاً وإنسانية للضجيج الرقمي الذي أصبح جزءاً لا يتجزأ من حياتنا الحديثة.
يستند التصور الجديد إلى فكرة تطوير مساعد ذكي يعمل في الخلفية بهدوء تام ولا يتدخل إلا عند الضرورة الحقيقية. يمتاز هذا المساعد بقدرته على تقديم المعلومات المفيدة فقط عندما يشعر بأن المستخدم يحتاج إليها فعلاً، مما يخلق تجربة طبيعية خالية من الإزعاج ويعزز علاقة ثقة متنامية بين الإنسان والتقنية. فبدلاً من الإشعارات المتكررة والمقاطع التي تفرض نفسها على حياة المستخدم، يسعى هذا المساعد إلى أن يكون جزءاً مكملاً للتجربة اليومية، بحيث يندمج مع الروتين اليومي دون أن يضيف أي ضوضاء رقمية إضافية.
وتعتمد الفكرة الجوهرية على جهاز صغير بلا شاشة يشبه في روحه بساطة أجهزة الموسيقى القديمة من حيث الحجم والملمس، ويمكن تثبيته على الملابس أو وضعه على سطح المكتب بسهولة. هذا الجهاز يعتمد بالكامل على الميكروفونات وربما بعض المستشعرات الحديثة التي تمنحه فهماً للسياق المحيط، كما يستفيد من أحدث نماذج الذكاء المتقدمة التي تطورها الشركة من أجل معالجة الأوامر الصوتية وتحليل البيئة بدقة. أحد الوعود التي تحدث عنها القائمون على المشروع هو قدرة الجهاز على تذكر تفاصيل صغيرة من حياة المستخدم اليومية مثل المكان الذي وضع فيه مفاتيحه أو الكتاب الذي تصفحه في متجر ما قبل فترة، وهو ما يجعل التجربة تبدو طبيعية وتلقائية مع مرور الوقت، وكأن الجهاز رفيق يتابع تفاصيل الحياة دون تدخل مباشر.
وقد اتخذ المشروع منعطفاً حاسماً بعد استحواذ الشركة على مؤسسة تصميم ناشئة كان لها دور مهم في تشكيل الرؤية الأولية لهذا الجهاز. ورغم أن الاسم الذي ظهر في البداية لم يستمر طويلاً بسبب نزاع قانوني حول التشابه اللفظي مع شركة أخرى، فإن ذلك لم يعرقل الطموح الأساسي. فقد اضطرت الشركة إلى التخلي عن الاسم وإزالته من مواقعها الرسمية، لكنها واصلت العمل على تطوير الجهاز دون توقف، معتبرة أن الاسم ليس سوى تفصيل ثانوي أمام الرؤية الكبرى.
وتسعى الشركة من خلال دخولها عالم الأجهزة إلى تحقيق مجموعة من الأهداف الاستراتيجية. أحد هذه الأهداف هو جمع بيانات من الحياة الواقعية عبر الميكروفونات والمستشعرات، وهي بيانات يصعب الحصول عليها من الإنترنت. كما ترغب الشركة في أن تمتلك قناة اتصال مباشرة بين نماذجها والمستخدم، دون الحاجة إلى الاعتماد على منصات شركات أخرى تضع قيوداً على طريقة عمل التطبيقات. إضافة إلى ذلك، هناك رغبة واضحة في بناء مساعد شخصي قريب من الصورة المستقبلية التي تقدمها الأفلام، مساعد يفهم مشاعر الإنسان ويواكبه في يومه ويقدم له ما يحتاجه قبل أن يطلبه.
أما موعد وصول الجهاز إلى المستخدمين فليس بعيداً كما يبدو. فوفقاً للتصريحات المتداولة هناك نسخة أولية جاهزة بالفعل بعد سلسلة من التجارب التي لم تحقق المستوى المطلوب. وقد أشار بعض المسؤولين إلى أن الجهاز قد يرى النور خلال أقل من عامين، بينما تشير تقديرات داخلية إلى فترة زمنية تمتد بين نهاية عام ألفين وستة وعشرين وبداية عام ألفين وسبعة وعشرين. ومع أن بعض التحديات مثل حماية الخصوصية أو استكمال التصميم قد تؤخر الإطلاق قليلاً، فإن الشركة تطمح إلى جعله واحداً من أسرع الأجهزة انتشاراً عبر السعي للوصول إلى مئة مليون مستخدم في وقت قياسي.



