أبل

في تحول لافت قد يمثل نقطة مفصلية في استراتيجية شركة “أبل“، يبدو أن العملاق التقني الأمريكي قد قرر أخيرًا التراجع عن موقفه الرافض لفكرة أجهزة “ماك بوك” بشاشات لمس، حيث تشير التقارير الأخيرة إلى أن الشركة تعمل بجدّ على تطوير أول حاسوب محمول من نوع “ماك بوك” مزود بتقنية اللمس. هذه الخطوة المنتظرة منذ سنوات طويلة تُعد تطورًا كبيرًا في مسار تطور أجهزة “ماك”، خاصة بعد أكثر من عقد من التلميحات الساخرة التي كانت “أبل” تطلقها تجاه هذه الفكرة.

لسنوات، حافظت “أبل” على موقف متشدد تجاه فصل تجربة الاستخدام بين الحواسيب المحمولة والأجهزة اللوحية، مؤكدة مرارًا أن إدخال خاصية اللمس إلى “الماك” أمر غير عملي ولا يتماشى مع فلسفتها في التصميم والتجربة. بل إن بعض كبار مسؤولي الشركة قد سخروا في مناسبات عديدة من الشركات المنافسة التي دمجت شاشات اللمس في حواسيبها المحمولة، معتبرين ذلك نوعًا من التنازل عن البساطة والفاعلية التي يفترض أن تتمتع بها هذه الأجهزة.
لكن يبدو أن الزمن قد تغير، وأن الطلب المتزايد من المستخدمين، والتطور السريع في تقنيات اللمس، قد دفع “أبل” إلى إعادة النظر في استراتيجيتها. فقد كشف الصحفي والخبير التقني المعروف “مارك غورمان” أن مشروع “MacBook Touch” لم يعد مجرد فكرة قيد الدراسة داخل أروقة الشركة، بل أصبح الآن جزءًا من خطة إنتاج فعلية يجري تطويرها بجدية، استعدادًا لطرحها في الأسواق خلال السنوات القليلة المقبلة.
هذا التطور يفتح الباب أمام تساؤلات كثيرة حول ما إذا كانت “أبل” قد بدأت بالفعل في تعديل رؤيتها تجاه دمج التجارب المختلفة ضمن أجهزتها، خاصة بعد أن أصبحت معظم الشركات الكبرى تقدم حواسيب هجينة تدعم اللمس والقلم الإلكتروني، وتوفر للمستخدمين مرونة في العمل والترفيه لا توفرها الحواسيب التقليدية.
من جهة أخرى، فإن توجه “أبل” الجديد هذا يعيد إلى الأذهان تاريخ الشركة الطويل في السخرية من بعض الابتكارات، ثم تبنيها لاحقًا بطريقة تعكس رؤيتها الخاصة. فقد سبق أن سخرت من الهواتف الكبيرة، قبل أن تقدم “آيفون بلس”، كما رفضت لسنوات إدخال القلم الإلكتروني، قبل أن تطلق “Apple Pencil” مع أجهزة “iPad Pro”.
إذاً، فإن إدخال خاصية اللمس إلى “ماك بوك” لا يمثل فقط تحوّلًا تقنيًا، بل يُعد أيضًا تحوّلًا في العقلية والثقافة الداخلية للشركة. وبينما لم تعلن “أبل” رسميًا بعد عن أي منتج محدد، إلا أن المؤشرات تؤكد أننا على أعتاب جيل جديد من أجهزة “ماك”، قد يكون أكثر تنوعًا وتطورًا مما اعتدنا عليه.
وبين الترقب والحذر، يبقى جمهور “أبل” في انتظار التفاصيل الرسمية، متسائلين: هل ستنجح “أبل” في تقديم تجربة لمس فريدة على “ماك بوك” كما فعلت سابقًا مع أجهزتها الأخرى؟ أم أن هذه الخطوة قد تفتح الباب لنقاش أوسع حول جدوى هذا التحول بعد كل هذا التأخير؟
من السخرية إلى التقليد
لطالما سخرت “أبل” من أفكار منافسيها، لتعود لاحقاً وتتبناها واحدة تلو الأخرى. من الهواتف ذات الشاشات الكبيرة، مروراً بالأقلام الذكية، ووصولاً إلى الذكاء الاصطناعي الذي وصفته في بدايته بأنه مجرد “موضة عابرة”. لكنها عادت مؤخراً لتدخل السباق بإطلاق منظومتها الخاصة Apple Intelligence، والتي لا تزال بحسب تقرير نشره موقع PhoneArena تعاني من تحديات على صعيد الأداء والتكامل
السبب الحقيقي وراء التراجع
يُرجع الصحفي التقني مارك غورمان سبب تمسك “أبل” الطويل برفض فكرة إدخال شاشات اللمس إلى أجهزة ماك، إلى خشيتها من التأثير السلبي على مبيعات أجهزة آيباد، حيث كانت ترى أن تقديم تجربة لمسية على الماك قد يجعل المستخدمين يعزفون عن اقتناء الآيباد.
لكن في ظل التراجع المستمر في مبيعات الآيباد خلال السنوات الأخيرة، ومع توحيد معالجات أجهزة أبل ضمن منظومة Apple Silicon، أصبحت الحدود الفاصلة بين أجهزة ماك وآيباد أقل وضوحاً من أي وقت مضى.
ومع التحديث الجديد لنظام iPadOS 26، باتت تجربة الآيباد أقرب كثيراً إلى macOS، ما جعل الدمج بين المنصتين أمراً أكثر منطقية.
خطوة متأخرة لكنها ضرورية
يرى محللون أن توجه “أبل” نحو إدخال شاشات اللمس إلى أجهزة ماك، رغم تأخره، أصبح خطوة لا مفر منها. فشاشات اللمس تحوّلت إلى معيار أساسي في الحواسيب المحمولة الحديثة، خصوصاً في أجهزة ويندوز التي تقدّم هذه الميزة منذ سنوات.
ومن المتوقع أن تلقى أجهزة MacBook Touch ترحيباً كبيراً من المستخدمين الذين لطالما طالبوا بهذه الميزة. ومع ذلك، قد يؤدي هذا الحماس إلى تراجع مبيعات الجيل الحالي من أجهزة MacBook M5، حيث قد يفضّل كثيرون الانتظار حتى طرح الطراز الجديد.
في نهاية المطاف، لم يكن تغيير موقف “أبل” نتيجة قناعة مفاجئة، بل استجابة ضرورية لتحولات السوق التي لم تعد تقبل بفصل صارم بين اللمس ولوحة المفاتيح. لقد أدركت الشركة أخيراً أن “اللمس لم يعد ميزة إضافية، بل بات ضرورة أساسية”.