تقنية

أبل

أبل وتوجهها نحو تنويع التصنيع: الموردون يتحملون تكلفة الأتمتة

في ظل التحديات الجيوسياسية المتزايدة، لا سيما التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، بدأت شركة أبل في إعادة النظر في استراتيجياتها التصنيعية. فبعد عقود من الاعتماد المكثف على الصين كمركز رئيسي لتجميع منتجاتها، تتجه أبل اليوم نحو تنويع سلاسل التوريد وتقليل الاعتماد على موقع واحد. ويأتي هذا التوجه كجزء من خطة طويلة الأمد تهدف إلى تعزيز المرونة وتقليل المخاطر المرتبطة بالاضطرابات السياسية وسلاسل الإمداد العالمية.

أبل
أبل

لكن هذا التحول لا يتم بمعزل عن تحديات اقتصادية كبيرة، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بأتمتة عمليات التصنيع، التي تتطلب استثمارات ضخمة في المعدات والتقنيات والموارد البشرية. ومن اللافت أن أبل، في إطار سعيها لإعادة هيكلة عملياتها التصنيعية خارج الصين، قد بدأت بالاعتماد بشكل أكبر على مورديها وشركائها في التصنيع لتحمل الجزء الأكبر من هذه التكاليف المرتبطة بأتمتة خطوط الإنتاج.

فقد ضاعفت أبل من جهودها في مجال الأتمتة الصناعية خلال السنوات الأخيرة، وهي ترى في هذه الخطوة وسيلة لتحسين الكفاءة، تقليل الاعتماد على العمالة البشرية، والتقليل من مخاطر توقف الإنتاج نتيجة الأزمات الصحية أو الاضطرابات الاجتماعية. إلا أن الشركة تتجنب ضخ استثمارات مباشرة ضخمة في هذه المرحلة، وتفضل أن يقوم الموردون بتطوير البنية التحتية اللازمة، مما يعكس نهجها في نقل العبء المالي والتقني إلى الشركاء الخارجيين.

ويشير محللون إلى أن أبل تستخدم قوتها التفاوضية العالية لإلزام مورديها بتحديث منشآتهم وتطوير تقنياتهم بما يتماشى مع متطلبات الشركة في مجالات الجودة، السرعة، والمرونة. فعلى سبيل المثال، فإن بعض المصانع في الهند وفيتنام بدأت بالفعل بتنفيذ مشاريع أتمتة متقدمة، مدفوعة بالرغبة في الفوز بعقود تجميع أجهزة مثل آيفون وآيباد.

هذا التوجه يحمل أبعادًا استراتيجية عميقة، حيث تسعى أبل ليس فقط إلى تنويع الجغرافيا التصنيعية، بل إلى تحديث أسلوب الإنتاج بما يتناسب مع التوجهات العالمية نحو الصناعة 4.0، والتي تركز على الذكاء الاصطناعي، الروبوتات، وتحليل البيانات الضخمة لتحسين الكفاءة وتقليل التكاليف على المدى الطويل.

رغم هذه الفوائد، فإن الاعتماد على الموردين لتحمل تكاليف الأتمتة قد يفرض تحديات مستقبلية، خصوصًا إذا واجه هؤلاء صعوبات في التمويل أو التنفيذ. كما قد يؤدي ذلك إلى تفاوت في مستوى التكنولوجيا بين شركاء أبل، مما قد يؤثر على تناسق الجودة عبر المنتجات.

بالمجمل، يمكن القول إن أبل تتحرك بخطى محسوبة نحو مستقبل صناعي أكثر تنوعًا وكفاءة، لكنها تفعل ذلك بطريقة تحفظ لها السيطرة والمرونة، من خلال تحميل الموردين جزءًا كبيرًا من التكلفة والمخاطر المرتبطة بالتحول التصنيعي.

في خطوة تشير إلى تحول استراتيجي بارز، تعتزم شركة “أبل” تكثيف اعتمادها على الأتمتة في عمليات التصنيع ابتداءً من عام 2025، بحسب ما كشف تقرير نشرته صحيفة “DigiTimes Asia”، واطلعت عليه “العربية Business”. ووفقًا للتقرير، فإن “أبل” لم تعد تكتفي بتحفيز مورديها على الاستثمار في الأتمتة، بل أصبحت تفرضها كشرط أساسي للحصول على عقود التوريد.

مصادر في سلسلة التوريد أفادت بأن “أبل” تطالب شركاءها بالاستثمار في معدات الأتمتة بشكل مستقل، دون الاعتماد على تمويل مباشر من الشركة. هذا التوجه الجديد يشمل كافة خطوط الإنتاج الرئيسية، بما فيها أجهزة آيفون، وآيباد، وأبل ووتش، وأجهزة ماك.

ويُنظر إلى هذا التحول على أنه امتداد لاستراتيجية “أبل” طويلة الأمد لتقليل الاعتماد على العمالة البشرية، خاصة في ظل جهودها المستمرة لتنويع سلسلة التوريد بعيدًا عن الصين، نتيجة التوترات التجارية المتصاعدة، لاسيما خلال فترة حكم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.

ومع أن الشركات الموردة قد تضطر لتحمل تكاليف أولية مرتفعة لتحديث خطوط الإنتاج، إلا أن الأتمتة من المفترض أن تؤدي إلى خفض التكاليف التشغيلية وزيادة العائدات على المدى البعيد، نظرًا لما توفره من كفاءة عالية وتقليل للهدر وزيادة في سرعة الإنتاج.

لكن من جهة أخرى، فإن هذا النهج يطرح تحديات اجتماعية واقتصادية، خصوصًا في الدول التي تتطلع إلى جذب استثمارات “أبل” لتوفير فرص عمل جديدة. فبينما كان من المتوقع أن يؤدي نقل جزء من عمليات التصنيع خارج الصين إلى استفادة العمالة المحلية في دول أخرى مثل الهند وفيتنام والمكسيك، تشير استراتيجية الأتمتة إلى أن “أبل” تسعى إلى تقليل الاعتماد على القوى العاملة إلى أدنى حد ممكن.

هذا التوجه يضعف حجة الإدارة الأميركية التي دعت “أبل” إلى إعادة بعض عمليات الإنتاج إلى الولايات المتحدة، مدفوعة بأمل توفير فرص عمل لملايين الأميركيين. ففي تصريح لافت أدلى به وزير التجارة الأميركي، هوارد لوتنيك، في أبريل الماضي، قال: “جيش من ملايين البشر يُثبتون مسامير صغيرة لصنع آيفون. هذا النوع من الأشياء سيأتي إلى أميركا”. إلا أن توجه “أبل” نحو الأتمتة يفرغ هذا التصور من مضمونه، إذ أن التصنيع المؤتمت لا يتطلب “جيشًا من العمال”، بل عددًا محدودًا من الفنيين والمهندسين لإدارة الروبوتات والأنظمة الذكية.

في المجمل، يعكس هذا التحول عزم “أبل” على تعزيز كفاءتها التشغيلية والتحكم بشكل أكبر في عملياتها الإنتاجية، ولو جاء ذلك على حساب تقليص فرص العمل البشرية. كما يعكس الواقع الجديد لصناعة التكنولوجيا، حيث تزداد الأتمتة والتقنيات الذكية حضورًا في كل مرحلة من مراحل الإنتاج، ما يدفع بالسوق نحو نموذج صناعي أكثر اعتمادًا على الآلات، وأقل اعتمادًا على اليد العاملة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى