أبل

في خطوة تهدف إلى تعزيز المنافسة في سوق التكنولوجيا الرقمية بالمملكة المتحدة، استهدفت هيئة تنظيم المنافسة البريطانية يوم الأربعاء نظامي الهواتف المحمولة لشركتي “أبل” و”غوغل”، ما دفع الشركتين إلى إجراء تغييرات جوهرية في عدة مجالات، أبرزها متاجر التطبيقات الخاصة بهما. تأتي هذه الخطوة ضمن جهود الهيئة لضبط ممارسات الشركتين العملاقتين، اللتين تهيمنان على قطاع الهواتف المحمولة وأنظمة تشغيلها، وضمان بيئة أكثر تنافسية وعدالة للمطورين والمستهلكين على حد سواء.

بدأت هيئة المنافسة والأسواق البريطانية تحقيقًا في مسألة هيمنة “أبل” و”غوغل” على سوق الهواتف المحمولة في يناير الماضي، بهدف تقييم مدى تأثيرهما على المنافسة في السوق الرقمي المحلي. وبعد الدراسة المتأنية، اقترحت الهيئة تصنيف الشركتين ضمن ما يعرف بـ “الوضع السوقي الاستراتيجي” أو “Strategic Market Status” (SMS)، وهو تصنيف يمنح لشركات تمتلك “قوة سوقية كبيرة وراسخة” و”أهمية استراتيجية” في القطاع الرقمي داخل المملكة المتحدة.
يحمل تصنيف “الوضع السوقي الاستراتيجي” تبعات مهمة للشركات التي تُمنح هذا التصنيف، إذ يفرض عليها التزامًا أكبر بشروط المنافسة ويُلزمها بالامتثال لقواعد أكثر صرامة تهدف إلى الحد من ممارساتها الاحتكارية، وتشجيع الابتكار والتنوع في السوق. ويعني ذلك أن “أبل” و”غوغل” قد تضطران إلى تعديل سياساتهما الخاصة بمتاجر التطبيقات، مثل تقليل الرسوم التي تفرضانها على المطورين، أو السماح بخيارات تثبيت تطبيقات بديلة خارج متاجر التطبيقات الرسمية.
تعتبر متاجر التطبيقات أحد أبرز نقاط الخلاف بين الهيئات التنظيمية والشركات التكنولوجية العملاقة، إذ يُتهم الطرفان بالتحكم المفرط في شروط بيع التطبيقات، مما يحد من حرية المنافسة ويؤثر على أسعار وجودة المنتجات التي تصل للمستهلكين. ولهذا السبب، فإن التحركات الأخيرة لهيئة المنافسة البريطانية تمثل خطوة مهمة نحو فتح المجال أمام مزيد من الخيارات والتنافسية في السوق.
تؤكد تقارير مثل تلك التي نشرها موقع “تك كرانش” على أن تصنيف “الوضع السوقي الاستراتيجي” يعكس الاعتراف الرسمي بقوة نفوذ “أبل” و”غوغل” في السوق الرقمية البريطانية، وكذلك بأهمية تنظيم سلوكهما للحفاظ على صحة المنافسة. ومن شأن هذا التصنيف أن يمنح الهيئة أدوات رقابية أكبر للضغط على الشركتين لاتباع ممارسات أكثر شفافية وعدالة، مما قد يؤدي إلى تغييرات ملموسة في الطريقة التي تقدم بها خدماتها في المملكة المتحدة.
وفي ظل النمو المستمر للتكنولوجيا الرقمية واعتماد المستهلكين المتزايد على الهواتف المحمولة، أصبح تنظيم هذا القطاع ضرورة ملحة لضمان ألا تتحول قوة الشركات الكبرى إلى احتكار يمنع دخول منافسين جدد أو يحد من الخيارات المتاحة للمستخدمين. وبهذا الصدد، تسعى الهيئة البريطانية لتوفير بيئة تضمن المنافسة الشريفة، التي تفضي إلى تحسين جودة الخدمات والتقليل من التكاليف على المستخدمين.
إن تصنيف “أبل” و”غوغل” بوضع سوقي استراتيجي يعكس إدراك الهيئة للحجم الهائل والتأثير الذي تتمتع به الشركتان، ويوضح أن التدخل التنظيمي ليس خيارًا بل ضرورة لضبط قواعد اللعبة الرقمية. ومن المتوقع أن تتابع الهيئة عن كثب التزام الشركتين بأي تغييرات يتم الإعلان عنها، بالإضافة إلى إمكانية فرض عقوبات في حال ثبوت ممارسات منافية لمبادئ المنافسة.
في الختام، تأتي هذه الخطوة كجزء من سلسلة إجراءات دولية تشهدها شركات التكنولوجيا العملاقة، حيث تتزايد الضغوط التنظيمية حول العالم للحد من نفوذها وتحسين ظروف المنافسة في الأسواق الرقمية، بما يضمن تحقيق توازن بين الابتكار، حماية حقوق المستهلكين، وفتح المجال أمام مطورين ومنافسين جدد للنجاح في هذا القطاع الحيوي.
تتمتع هيئة المنافسة والأسواق في المملكة المتحدة بصلاحية إجبار الشركات التي تُصنف على أنها ذات “وضع سوقي استراتيجي” على تعديل أو إيقاف بعض السلوكيات والممارسات التي قد تثير مخاوف تتعلق بالمنافسة في السوق. وفي هذا السياق، ركزت الهيئة بشكل خاص على التحقيق في أنظمة تشغيل الهواتف المحمولة، ومتاجر التطبيقات، ومتصفحات الإنترنت التي تديرها شركتا التكنولوجيا العملاقتان “أبل” و”غوغل”.
اشتمل التحقيق على دراسة عدة جوانب، أولها فحص وجود أي عوائق قد تحول دون قدرة المنافسين الآخرين على تقديم منتجات وخدمات منافسة على منصات الهواتف المحمولة الخاصة بهاتين الشركتين الأمريكيتين. فبسبب الحصة السوقية الكبيرة التي تسيطر عليها “أبل” و”غوغل”، قد تواجه الشركات الأخرى صعوبات في دخول السوق أو توسيع نطاق عملياتها.
أما الجانب الثاني من التحقيق، فتمحور حول ما إذا كانت “أبل” و”غوغل” تستغلان مراكزهما القوية في أنظمة التشغيل أو في توزيع التطبيقات أو متصفحات الإنترنت، بهدف تفضيل تطبيقاتهما وخدماتهما الخاصة على حساب المنافسين، مما يقلل من فرص المنافسة العادلة.
واشتمل التحقيق أيضاً على دراسة ما إذا كانت الشركتان تفرضان على المطورين شروطاً وأحكاماً تُعتبر غير عادلة عند توزيع تطبيقاتهم عبر متاجر التطبيقات التابعة لكل منهما، وهو الأمر الذي قد يُحد من حرية المنافسة ويقيد الابتكار.
تحتل شركة “غوغل” مكانة بارزة في السوق البريطاني عبر نظام تشغيل أندرويد الذي يمتلك حصة سوقية تزيد قليلاً عن 61%، بينما يحتكر نظام iOS من “أبل” حوالي 38% من السوق. بالإضافة إلى ذلك، تدير “غوغل” متجر التطبيقات “غوغل بلاي” ومتصفح الإنترنت “كروم”، في حين تملك “أبل” متجر التطبيقات الخاص بها ومتصفح “سفاري”.
تتصاعد التحديات التنظيمية التي تواجهها هاتان الشركتان على مستوى القارة الأوروبية، حيث فرضت الجهات التنظيمية في الاتحاد الأوروبي في أبريل الماضي غرامة مالية كبيرة بلغت 500 مليون يورو (ما يعادل 587 مليون دولار) على شركة “أبل” بسبب مخالفتها لقانون الأسواق الرقمية (DMA)، الذي يعد قانوناً تاريخياً يهدف إلى معالجة مشكلات المنافسة في قطاع التكنولوجيا.
نتيجة لهذه الضغوط التنظيمية، أجبرت “أبل” على إجراء تغييرات عدة في طريقة عملها داخل الاتحاد الأوروبي خلال هذا العام، ومنها السماح للمطورين بإبلاغ المستخدمين عن وجود بدائل بأسعار أقل، وإتاحة خيار تجاوز نظام الدفع الداخلي داخل التطبيقات الخاصة بها. ومع ذلك، لم ترقِ هذه التعديلات إلى مستوى رضا الجهات التنظيمية الأوروبية بشكل كامل.
في محاولة للامتثال لقانون الأسواق الرقمية وتفادي غرامة إضافية قدرها 500 مليون يورو، كشفت “أبل” في يونيو عن نظام معقد لرسوم متجر التطبيقات، لكن الشركة تخطط للاستئناف على الغرامة الموقعة عليها. وتؤكد “أبل” دوماً أن التغييرات التي تفرضها الجهات التنظيمية على عملياتها قد تؤدي إلى تحديات متعلقة بالخصوصية والأمان، إضافة إلى خلق مصطلحات عمل معقدة قد تربك المطورين.
على الجانب الآخر، تواجه شركة ألفابت، الشركة الأم لـ”غوغل”، اتهامات من الاتحاد الأوروبي بعدم الامتثال لاتفاقية سوق البيانات، حيث اتهمتها المفوضية الأوروبية بمعاملة خدمات البحث التابعة لها بشكل مفضل مقارنة بخدمات المنافسين. وأشارت المفوضية أيضاً إلى أن متجر تطبيقات “غوغل” يمنع المطورين من توجيه المستخدمين إلى قنوات أخرى توفر عروضاً أفضل.
كما تسعى “غوغل” لمواجهة غرامة ضخمة أخرى تبلغ 4.1 مليار يورو، ناتجة عن قضية احتكار تعود إلى عام 2018، مما يضيف أعباءً إضافية على الشركة في ظل التدقيق التنظيمي المتزايد داخل أوروبا.
بذلك، تعكس هذه التحقيقات والإجراءات التنظيمية اتجاهًا واضحًا نحو تعزيز المنافسة العادلة في قطاع التكنولوجيا، والحد من الممارسات التي قد تضر بالمستهلكين أو تحصر السوق في أيدي عدد محدود من اللاعبين الكبار.