تقنية

تيك توك

في ظل تصاعد التوترات التجارية والسياسية بين الولايات المتحدة والصين، تعود قضية بيع عمليات تطبيق “تيك توك” في السوق الأميركية إلى الواجهة مجددًا. فقد كشف مصدر مطلع أن المشتري المحتمل الذي أشار إليه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، في مقابلة إعلامية بُثت مؤخرًا، هو نفس التحالف الاستثماري الذي سبق وأن قدم عرضًا لشراء التطبيق في وقت سابق، لكنه تعثر بسبب رفض الحكومة الصينية. هذا التحالف يضم كبرى الشركات الأميركية في مجالات التكنولوجيا والاستثمار، وعلى رأسها شركة “أوراكل”، وشركة “بلاكستون” العملاقة في مجال إدارة الأصول، بالإضافة إلى شركة رأس المال المغامر الشهيرة “أندريسن هورويتز”.

تيك توك
تيك توك

وكان الرئيس ترامب قد صرّح خلال المقابلة أنه تم تحديد طرف مرشح لشراء عمليات “تيك توك” في الولايات المتحدة من الشركة الأم الصينية “بايت دانس”، دون أن يفصح عن اسم هذا الطرف بشكل مباشر. إلا أنه أوضح أن إتمام أي صفقة محتملة سيكون مرهونًا بموافقة الحكومة الصينية وتخليها عن معارضتها السابقة لبيع “تيك توك” لكيان أميركي. كما أشار ترامب إلى أن الرئيس الصيني شي جين بينغ، يجب أن يتوقف عن اعتراضه على هذا النوع من الصفقات إذا ما أرادت بكين تفادي المزيد من الضغوط الأميركية.

ويُذكر أن التحالف الاستثماري المكون من “أوراكل” و”بلاكستون” و”أندريسن هورويتز” قد تقدم في وقت سابق بعرض لشراء عمليات “تيك توك” داخل الولايات المتحدة، وذلك استجابة لمخاوف الحكومة الأميركية آنذاك بشأن أمن البيانات وخصوصية المستخدمين. وادعت الإدارة الأميركية أن التطبيق المملوك لشركة “بايت دانس” يشكل تهديدًا أمنيًا محتملاً، بسبب إمكانية مشاركة البيانات الشخصية للمستخدمين الأميركيين مع الحكومة الصينية، وهو ما نفته الشركة الأم مرارًا.

ورغم أن التحالف الاستثماري كان يُعد من أقوى المرشحين للاستحواذ على “تيك توك” خلال فترة ولاية ترامب، إلا أن المفاوضات السابقة انهارت بسبب تدخلات سياسية من الطرفين، وعلى رأسها موقف الصين الرافض لبيع الأصول التكنولوجية الاستراتيجية لشركات أجنبية. كما فرضت الحكومة الصينية في ذلك الحين قواعد جديدة تقيد تصدير تقنيات الذكاء الاصطناعي، مما شكل عائقًا قانونيًا أمام إتمام الصفقة.

ويعيد تصريح ترامب الأخير هذه القضية إلى طاولة النقاش من جديد، وسط تغيرات في المناخ السياسي العالمي، خاصة بعد تزايد الدعوات في الولايات المتحدة لفرض رقابة أشد على تطبيقات التواصل الاجتماعي المملوكة لشركات صينية. وقد يؤدي ذلك إلى دفع الإدارة الأميركية الحالية إلى إعادة النظر في موقفها من ملف “تيك توك”، وفتح المجال أمام استئناف المفاوضات بشأن بيعه لشركة أميركية، شريطة توافر الظروف السياسية والتجارية الملائمة، وتعاون الحكومة الصينية.

في الوقت الراهن، يبقى مستقبل “تيك توك” في الولايات المتحدة غير واضح، ويتوقف بشكل كبير على إرادة الطرفين المعنيين—واشنطن وبكين—وعلى مدى إمكانية التوصل إلى تسوية ترضي كافة الأطراف، سواء من حيث المصالح الاقتصادية أو المخاوف الأمنية.

في مقابلة تلفزيونية مسجلة مع برنامج “Sunday Morning Futures with Maria Bartiromo” على شبكة فوكس نيوز، صرّح الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بأن هناك “مشترٍ” محتملاً لتطبيق تيك توك، مشيرًا إلى أن الصفقة قد تتطلب موافقة من الحكومة الصينية. وقال ترامب: “بالمناسبة، لدينا مشترٍ لتيك توك. أعتقد أنني سأحتاج على الأرجح إلى موافقة الصين، وأظن أن الرئيس شي جين بينغ سيوافق على الأرجح”، مشيرًا إلى أن المجموعة تضم “أشخاصًا شديدي الثراء”.

وكشفت مصادر مطلعة لوكالة “بلومبرغ” أن الجهة المعنية بهذه الصفقة هي ذاتها التي تضم شركتي “أوراكل” و”بلاكستون”، وهي المجموعة التي كانت على وشك التوصل إلى اتفاق مع شركة “بايت دانس”، المالكة لتطبيق تيك توك، في وقت سابق من أبريل. غير أن المحادثات توقفت بعدما امتنعت الصين عن منح الموافقة على الصفقة، في أعقاب قرار أميركي بفرض رسوم جمركية شاملة على الواردات الصينية.

كان من المفترض أن تمنح تلك الصفقة المحتملة المستثمرين الأميركيين حصة تصل إلى 50% من أعمال “تيك توك” في الولايات المتحدة، ضمن كيان منفصل عن الشركة الأم “بايت دانس”. وبموجب بنود الاتفاق، كانت ملكية المستثمرين الأميركيين الحاليين في “بايت دانس” ستبلغ حوالي 30%، مما كان سيقلص حصة الشركة الصينية إلى أقل من 20%، وهو ما يتماشى مع متطلبات قانون الأمن القومي الأميركي. كما كان من المقرر أن تحصل “أوراكل” على حصة أقلية في المشروع الجديد، مع توليها مسؤولية توفير ضمانات أمنية لحماية بيانات المستخدمين الأميركيين.

من جانبها، أكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، أن المحادثات مع الصين لا تزال مستمرة على “أعلى المستويات”. وأضافت خلال تصريحات صحفية: “لدينا تمديد إضافي لمدة 90 يومًا لمواصلة العمل على هذه الصفقة، ولضمان استمرار توفر تيك توك للمستخدمين الأميركيين”.

وتأتي هذه التطورات بعد أيام من توقيع اتفاقية بين الولايات المتحدة والصين تهدف إلى تخفيف التوترات التجارية المتصاعدة، حيث خفّضت واشنطن الرسوم الجمركية على الواردات الصينية من 145% إلى 30%، مقابل تعهد الصين بإزالة بعض العقبات أمام صادرات المعادن النادرة واستئناف استيراد مواد استراتيجية مثل الإيثان والمحركات النفاثة.

رغم هذه الخطوة، فإن موقف الصين بشأن بيع “تيك توك” لم يتغير بعد. فقد أكدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، خلال مؤتمر صحفي في بكين، أن بكين “كرّرت موقفها المبدئي” تجاه القضايا المرتبطة بتيك توك، دون تقديم تفاصيل إضافية.

بموجب قانون أقره الرئيس الأميركي السابق جو بايدن عام 2024، تُجبر شركة “بايت دانس” على بيع أعمال “تيك توك” في الولايات المتحدة قبل 19 يناير 2025، وإلا فسيتم حظر التطبيق لدواعٍ تتعلق بالأمن القومي. وقد رفضت الشركة حتى الآن شروط البيع المقترحة، خاصة مع تقدير قيمة التطبيق الأميركي بين 20 و150 مليار دولار، حسب طبيعة الصفقة والتكنولوجيا المشمولة.

في ظل هذه التعقيدات، مدّد ترامب الموعد النهائي ثلاث مرات لإتاحة مزيد من الوقت للتفاوض. وأكد في مقابلته الأخيرة أنه سيعلن عن هوية المشترين “خلال أسبوعين تقريبًا”، مما يشير إلى إمكانية حدوث تطورات حاسمة قريبًا بشأن مستقبل تيك توك في الولايات المتحدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى