شات جي بي تي

في واقعة لافتة أثارت اهتمام عشاق الشطرنج و التكنولوجيا على حد سواء، تمكن بطل العالم النرويجي ماغنوس كارلسن من تحقيق فوز ساحق على نموذج الذكاء الاصطناعي “شات جي بي تي” في مباراة شطرنج عبر الإنترنت. وقد جرت المباراة في يوليو الجاري، حيث قام كارلسن بنشر لقطات من اللقاء على منصة “إكس” (تويتر سابقًا)، موثقًا لحظة انتصاره البارز على خصم غير تقليدي.

المواجهة التي استمرت لـ 53 حركة فقط، أظهرت تفوقًا واضحًا للنجم النرويجي، الذي لم يخسر خلالها أي قطعة من قطعه الأساسية، محافظًا على تشكيله كاملًا حتى نهاية المباراة. في المقابل، خسر “شات جي بي تي” جميع بيادقه، مما دفعه في النهاية إلى الانسحاب، في إشارة إلى استسلامه أمام تفوق كارلسن الاستراتيجي والتكتيكي.
ويعد كارلسن، المولود عام 1990، من أبرز لاعبي الشطرنج في التاريخ الحديث، إذ تُوج ببطولة العالم عدة مرات، ويُعرف بقدرته الاستثنائية على تحليل الوضعيات المعقدة والتخطيط الدقيق للحركات. ومما زاد من أهمية هذا اللقاء كونه جرى أمام نموذج متطور من الذكاء الاصطناعي الذي أثبت في السنوات الأخيرة قدرات ملحوظة في مجالات متعددة، من بينها لعب الشطرنج.
لكن بالرغم من تقدم تقنيات الذكاء الاصطناعي وقدرتها على لعب الشطرنج بمستوى عالٍ جدًا، فإن هذه المباراة أظهرت أن التفوق البشري لا يزال ممكنًا في بعض السياقات، خاصة عندما يتعلق الأمر بالإبداع والحدس والقدرة على التنبؤ بنوايا الخصم. وقد علق البعض على اللقاء بأنه يُعيد التأكيد على الفروقات الجوهرية بين الذكاء البشري والاصطناعي، خصوصًا في لعبة معقدة تتطلب توازنًا بين الحسابات الدقيقة والبصيرة الاستراتيجية.
من جهة أخرى، اعتبر البعض أن هذه المباراة لم تكن اختبارًا متكافئًا تمامًا، إذ إن “شات جي بي تي” لم يُصمم أساسًا ليكون لاعب شطرنج متخصصًا مثل النماذج الأخرى مثل “ستوكفيش” أو “ألفا زيرو”، التي طورتها شركات وفرق بحثية متخصصة في الذكاء الاصطناعي للألعاب. ومع ذلك، فإن المبادرة لخوض مباراة كهذه تعكس طبيعة العلاقة المتزايدة بين البشر والآلات، ومحاولة استكشاف حدود قدرات كل منهما.
الجدير بالذكر أن كارلسن اعتاد على مواجهة منافسين من مستويات مختلفة، سواء كانوا بشرًا أو برامج حاسوبية، وهو ما يؤكد مرونته واستعداده الدائم لاختبار قدراته أمام خصوم غير تقليديين. كما يعكس هذا التحدي مع “شات جي بي تي” روح الدعابة والفضول التي يتمتع بها كارلسن، والتي جعلت منه شخصية محبوبة خارج رقعة الشطرنج أيضًا.
في النهاية، أظهرت هذه المباراة أن الذكاء الاصطناعي، على الرغم من تطوره الهائل، لا يزال يواجه تحديات عندما يتعلق الأمر ببعض المهارات البشرية الفريدة، وأن الشطرنج سيبقى ميدانًا يجمع بين العقل البشري والآلي في منافسة لا تتوقف عن إثارة الإعجاب.
في تقرير نشرته مجلة “تايمز” جرى تسليط الضوء على تفاعل مثير جمع بين بطل الشطرنج النرويجي ماغنوس كارلسن وروبوت الدردشة المطوّر من قبل شركة “OpenAI” الأميركية. وخلال هذا التفاعل، عبّر كارلسن عن رأيه في أدائه بإحدى مباريات الشطرنج، قائلاً إنه يعتقد أنه “لعب بشكل جيد جدًا في الافتتاحية”، إلا أنه أقر بأنه “فشل في المتابعة بشكل صحيح” لاحقًا في المباراة.
طلب كارلسن من روبوت “شات جي بي تي” تقييم أدائه في تلك المباراة، فجاء رد روبوت الذكاء الاصطناعي إيجابيًا نسبيًا، إذ قال إن لعبه “أظهر العديد من السمات القوية”، مشيرًا إلى عدد من الجوانب الإيجابية التي ظهرت في أدائه، مثل قوة الافتتاحية التي قدمها، بالإضافة إلى صبره، ووعيه التكتيكي، وكذلك طريقته في التعامل مع نهاية اللعبة. وقد تميز التقييم بالتركيز على السمات الفنية والمعنوية التي تظهر عادة في أداء اللاعبين ذوي الخبرة العالية في الشطرنج.
وفيما يتعلق بتقدير مستوى كارلسن وفق تصنيفات الشطرنج المعترف بها، قال “شات جي بي تي” إن أداءه يشير إلى تصنيف يتراوح بين 1800 إلى 2000 نقطة بحسب نظام التصنيف الدولي للاتحاد الدولي للشطرنج (FIDE) أو الاتحاد الأميركي للشطرنج (USCF). رغم ذلك، أضاف روبوت الذكاء الاصطناعي ملاحظة مهمة، حيث أقرّ بأن المستوى الفعلي للاعب قد يكون أعلى بكثير من هذا التقدير، ملمّحًا إلى أن التقييم ربما لم يعكس بدقة حقيقة قدرات اللاعب بناءً على لعبة واحدة فقط.
الجدير بالذكر أن ماغنوس كارلسن يُعدّ من أعظم لاعبي الشطرنج في التاريخ، إن لم يكن الأعظم على الإطلاق بحسب آراء واسعة في الوسط الرياضي. وُلد كارلسن في عام 1990، ويبلغ من العمر الآن 34 عامًا، وقد تُوّج ببطولة العالم للشطرنج خمس مرات، كان آخرها في عام 2021. ومنذ ذلك العام، قرر عدم المشاركة مجددًا في بطولة العالم لأسباب شخصية واستراتيجية، رغم استمراره في اللعب والمشاركة في بطولات أخرى.
إن هذا الحوار بين كارلسن وروبوت “شات جي بي تي” يعكس مدى التقدم في قدرات الذكاء الاصطناعي، خصوصًا في تحليل الألعاب المعقدة مثل الشطرنج. كما يعكس جانبًا من اهتمام الأبطال الكبار بالاستفادة من هذه الأدوات التقنية ليس فقط في التحليل، وإنما أيضًا في التفاعل المعرفي والفكري مع أنظمة قد تقدم رؤى جديدة ومختلفة حول أدائهم. ويُبرز هذا الحدث كيف يمكن للتكنولوجيا أن تلعب دورًا متزايدًا في دعم الأداء الرياضي، حتى في رياضات تتطلب تركيزًا ذهنيًا عاليًا مثل الشطرنج.