تقنية

شات جي بي تي

أظهرت بيانات جديدة أن استخدام شات جي بي تي بدأ يلعب دوراً متزايد الأهمية في توجيه المستخدمين نحو منصات التسوق المختلفة، على الرغم من أن حصته من سوق الإحالات ما زالت تعتبر صغيرة نسبياً مقارنة بالقوى الكبرى في قطاع التجارة الإلكترونية. وأكدت التحليلات الأخيرة التي أجرتها شركة Apptopia المتخصصة في تتبع نشاط التطبيقات أن تأثير هذا النموذج من الذكاء الاصطناعي على سلوك المستهلكين بدأ يظهر بوضوح، خصوصاً خلال فترات العروض الكبيرة مثل عطلة “الجمعة السوداء”.

شات جي بي تي
شات جي بي تي

وقد أظهرت النتائج ارتفاع عدد الإحالات التي يولدها شات جي بي تي إلى تطبيقات التجزئة بنسبة تصل إلى ثمانية وعشرين بالمئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وذلك خلال عطلة الجمعة السوداء التي تمتد من يوم عيد الشكر وحتى يوم الأحد التالي. هذا النمو في الإحالات يعكس قدرة التكنولوجيا على التأثير في قرارات الشراء بشكل أسرع وأكثر دقة من الطرق التقليدية، حيث أصبح المستخدمون يعتمدون على شات جي بي تي كمصدر موثوق للتوصيات والمعلومات حول المنتجات والعروض المختلفة.

ومع ذلك، لم تكن هذه الزيادة متساوية بين جميع المتاجر. فقد أشار التقرير الذي نشره موقع “تك كرانش” إلى أن الفائدة الأكبر ذهبت إلى عمالقة التجارة الإلكترونية، الذين تمكنوا من تعزيز حصتهم من النشاط الذي يولده شات جي بي تي بشكل ملحوظ. في المقابل، لم تشهد متاجر التجزئة الصغيرة نفس مستوى الارتفاع، ما يعكس الفجوة المتزايدة بين الشركات الكبرى والصغرى في القطاع، ويشير إلى أن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في التسويق والإحالات يمكن أن يعزز مواقع القوى القائمة أكثر من المبتدئين أو الشركات المحلية.

ويطرح هذا الواقع أسئلة مهمة حول كيفية استفادة جميع الأطراف من التطورات التكنولوجية الحديثة. فبينما يمثل شات جي بي تي أداة قوية لتعزيز المبيعات وزيادة التفاعل مع العملاء، فإن توزيع هذه الفوائد يبدو غير متساوٍ، ما قد يؤدي إلى زيادة التفاوت بين الشركات الكبرى والصغيرة. ويدعو ذلك إلى التفكير في استراتيجيات جديدة يمكن أن تساعد المتاجر الأصغر على الاستفادة من هذه التقنية دون أن تتعرض لمنافسة غير عادلة من الشركات الكبرى التي تمتلك موارد أكبر للترويج والإعلانات.

وتشير البيانات أيضاً إلى أن هذا الاتجاه ليس محصوراً في عطلة الجمعة السوداء فقط، بل يمكن أن يمتد إلى باقي فترات العام إذا استمرت شركات التجزئة في تحسين تجربة المستخدم عبر الذكاء الاصطناعي. فالقدرة على تحليل احتياجات المستهلكين بدقة وتقديم توصيات مخصصة تجعل من شات جي بي تي أداة فعالة لتعزيز المبيعات وتحفيز العملاء على اتخاذ قرارات شراء سريعة. ومن المتوقع أن يؤدي ذلك إلى زيادة الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في استراتيجيات التسويق الرقمي بشكل أكبر خلال السنوات القادمة.

وبينما يركز معظم الاهتمام على التأثير المباشر لشات جي بي تي على المبيعات، فإن دوره يمتد أيضاً إلى التأثير على سلوك المستهلكين بشكل أوسع، من خلال تقديم معلومات مفصلة حول المنتجات والأسعار والخيارات المتاحة، مما يزيد من وعي المستخدم ويعزز ثقته في عملية الشراء. هذا التحول يعكس كيف يمكن للتقنيات الحديثة أن تغير المشهد التقليدي للتجزئة، وتعيد تشكيل العلاقة بين المستهلكين والشركات على حد سواء، ما يفتح آفاقاً جديدة للابتكار في التسويق وخدمة العملاء.

شهدت نسبة الإحالات التي يوجهها شات جي بي تي إلى تطبيقات التسوق ارتفاعاً ملحوظاً خلال الفترة الأخيرة، حيث ارتفعت حصة شركة “أمازون” من هذه الإحالات لتصل إلى 54% مقارنة بنسبة 40.5% في العام الماضي، في حين شهدت “وول مارت” قفزة كبيرة أيضاً، إذ ارتفعت حصتها من 2.7% إلى 14.9%. وتعكس هذه الأرقام الاهتمام المتزايد بتأثير الذكاء الاصطناعي على سلوك المستهلكين، خصوصاً فيما يتعلق بالتسوق الإلكتروني خلال المناسبات الكبرى.

تعتمد البيانات الواردة في هذا التقرير على لوحات متابعة المستخدمين في الولايات المتحدة، والتي تقوم برصد حركة المستخدم على الأجهزة المحمولة. ومن المهم التأكيد على أن هذه البيانات ليست مباشرة بل تمثل تقديرات تقريبية، حيث يُعرف مفهوم “الإحالة” على أنه أي جلسة داخل تطبيق تجاري تحدث خلال 30 ثانية من استخدام شات جي بي تي. هذا التعريف يسمح بفهم الدور الذي يلعبه الذكاء الاصطناعي في توجيه المستخدمين نحو تطبيقات التسوق بطريقة غير مباشرة لكنها واضحة.

على الرغم من النمو الملحوظ في الحصة السوقية لشات جي بي تي من الإحالات، إلا أن إجمالي تأثيره على حركة التطبيقات التجارية لا يزال محدوداً. فقد شكلت الإحالات نحو تطبيقات التسوق 0.64% فقط من جلسات شات جي بي تي في يوم “الجمعة السوداء” لعام 2023، بينما شهد العام الحالي ارتفاعاً طفيفاً لتصل النسبة إلى 0.82%. هذه الأرقام توضح أن الذكاء الاصطناعي، رغم قدرته على التأثير، لا يزال يمثل جزءاً صغيراً من إجمالي سلوك التسوق، لكنه يملك إمكانات نمو كبيرة خاصة مع زيادة اعتماد المستخدمين على اقتراحات الذكاء الاصطناعي أثناء اتخاذ قرارات الشراء.

تشمل الإحالات الحالات التي يقدم فيها شات جي بي تي اقتراحات شراء للمستخدم، أو عندما يضغط المستخدم على رابط مباشر يؤدي إلى تطبيق التسوق. هذه الطريقة في ربط المحادثات الذكية بسلوك التسوق تعكس تغييرات كبيرة في كيفية تفاعل المستهلكين مع التطبيقات التجارية، وتوضح كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون جسراً بين البحث عن المنتجات واتخاذ قرار الشراء الفعلي.

وليس “Apptopia” الجهة الوحيدة التي تتابع التأثير المتزايد للذكاء الاصطناعي على التجارة الإلكترونية، فهناك أيضاً بيانات من شركة “أدوبي” تشير إلى أن الزيارات القادمة من روبوتات الذكاء الاصطناعي إلى مواقع البيع الأميركية ارتفعت بنسبة 805% خلال يوم “الجمعة السوداء”. كما كشفت البيانات أن المستخدمين الذين يصلون إلى المواقع من خلال هذه الروبوتات أكثر ميلاً لإتمام عمليات الشراء بنسبة 38% مقارنة بالمستخدمين التقليديين.

وعلاوة على ذلك، فإن هذا النوع من الزيارات شهد ارتفاعاً بنسبة 670% خلال يوم “Cyber Monday”، كما بلغ معدل الزيادة 760% في موسم التسوق الممتد من 1 نوفمبر إلى 1 ديسمبر. تعكس هذه الأرقام تحولاً واضحاً في سلوك المستهلكين، حيث أصبح الاعتماد على الذكاء الاصطناعي جزءاً من عملية البحث عن الصفقات واتخاذ قرارات الشراء. وتشير التوجهات الحالية إلى أن تأثير الذكاء الاصطناعي على التجارة الإلكترونية سيستمر في التوسع، ما يجعل من الضروري للشركات متابعة هذه التحولات بعناية وتكييف استراتيجياتها لتلبية احتياجات المستهلكين الذين يتجهون نحو استخدام أدوات ذكية لتسهيل تجربة التسوق.

بذلك، يظهر جلياً أن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد تقنية مساعدة، بل أصبح عاملاً مؤثراً في رسم اتجاهات المستهلكين وتغيير ديناميكيات السوق، مع إمكانيات كبيرة للنمو خلال المواسم المقبلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى