الذكاء الاصطناعي

نشرت شركة “إنتل” مؤخرًا نتائج استطلاع واسع النطاق أجرته بهدف استكشاف مدى تبني الشركات لأجهزة الكمبيوتر المدعومة بالذكاء الاصطناعي، إضافة إلى العوائق المحتملة التي قد تحول دون استخدامها. شمل الاستطلاع أكثر من 5000 مشارك من موظفي وشركات قطاع تكنولوجيا المعلومات حول العالم، مما يعكس تنوعًا واسعًا في وجهات النظر والاحتياجات التقنية.

أحد أبرز النتائج التي كشف عنها هذا الاستطلاع هو أن 87% من الشركات العالمية باتت إما تخطط للانتقال إلى استخدام أجهزة كمبيوتر تعمل بالذكاء الاصطناعي، أو أنها بدأت بالفعل في تنفيذ هذا الانتقال ضمن استراتيجياتها الرقمية. وهذا يشير بوضوح إلى وجود توجه عالمي قوي نحو تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي على مستوى البنية التحتية الحاسوبية، سواء لتحسين الكفاءة أو لتعزيز قدرات الابتكار والإنتاجية داخل المؤسسات.
ومع ذلك، وعلى الرغم من هذا الزخم الكبير في التحول نحو الحوسبة المدعومة بالذكاء الاصطناعي، فإن الاستطلاع أظهر أيضًا وجود بعض التحديات والتفضيلات التقنية التي قد تؤثر في مسار هذا التحول. فعلى سبيل المثال، أبدى العديد من العاملين في مجال تكنولوجيا المعلومات رغبتهم في الاعتماد على إمكانيات الذكاء الاصطناعي المحلية، أي تلك التي تعمل مباشرة من خلال الأجهزة نفسها دون الحاجة إلى الاتصال المستمر بخدمات الحوسبة السحابية.
ويرى الخبراء أن هذا التوجه نحو الذكاء الاصطناعي المحلي يعود إلى عدة عوامل، أبرزها الحاجة إلى استجابة أسرع في معالجة البيانات، وتحقيق مستويات أعلى من الخصوصية والأمان، وتقليل الاعتماد على الاتصال الدائم بالإنترنت. إلا أن الواقع الحالي لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي يشير إلى أن كثيرًا من الأدوات والتطبيقات ما تزال تعتمد بشكل رئيسي على البنية التحتية السحابية، سواء في التدريب أو التشغيل أو المعالجة.
بحسب تقرير نشره موقع “PhoneArena”، فإن هذه الفجوة بين تطلعات المختصين في مجال التقنية وبين الإمكانيات المتاحة حاليًا في السوق يمكن أن تمثل تحديًا أمام سرعة التحول إلى هذه النوعية من الأجهزة. كما قد تدفع الشركات المصنعة مثل “إنتل” إلى تسريع جهودها في تطوير معالجات ووحدات معالجة عصبية تدعم تشغيل تطبيقات الذكاء الاصطناعي بشكل محلي وفعّال.
في ضوء هذه المعطيات، من المتوقع أن يشهد قطاع الحوسبة تطورات متسارعة خلال السنوات القليلة المقبلة، حيث تسعى الشركات إلى تلبية احتياجات المستخدمين المتزايدة فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي، سواء عبر تطوير تقنيات هجينة تجمع بين المحلي والسحابي، أو عبر تحسين قدرات الأجهزة لتقديم أداء متقدم دون التضحية بالخصوصية أو السرعة.
إن نتائج استطلاع إنتل تشكل مؤشرًا واضحًا على أن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد خيار مستقبلي، بل أصبح مسارًا حتميًا تسلكه المؤسسات الطموحة، وسط بيئة تتطور باستمرار وتفرض تحديات وفرصًا جديدة في آن واحد.
تشير نتائج تقرير أعدّته شركة “إنتل” إلى أن هناك فجوة كبيرة في فهم قيمة الذكاء الاصطناعي داخل بيئات العمل، إذ إن 35% فقط من الموظفين يمتلكون فهماً ملموساً للفوائد التي يمكن أن يضيفها الذكاء الاصطناعي إلى أداء الأعمال. في المقابل، تبدو الصورة أوضح لدى أصحاب القرار، حيث عبّر 51% من أعضاء القيادة عن إدراكهم لإمكانات أجهزة الكمبيوتر الشخصية المدعومة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، مما يعكس تفاؤلاً أكبر في صفوف القادة مقارنةً بباقي الموظفين.
ومن ضمن أبرز العوائق التي تعرقل تبني هذه الأجهزة، أشار 33% من الأفراد الذين لم يستخدموا بعد أجهزة الكمبيوتر المزودة بالذكاء الاصطناعي إلى أن الأمن يُعد التحدي الأكبر أمامهم. هذه النسبة تُظهر أن المخاوف الأمنية لا تزال عاملاً حاسماً في قرارات الشراء والتبني، خاصة في بيئة تتزايد فيها التهديدات الرقمية. المثير للاهتمام أن مستخدمي هذه الأجهزة أنفسهم لديهم وجهة نظر مختلفة، إذ إن 23% فقط منهم يعتبرون أن الأمن يُشكل تحدياً حقيقياً، ما يشير إلى وجود فجوة في الفهم أو ربما سوء تصور بين مستخدمي التقنية ومن لم يجربوها بعد.
وفيما يتعلق بأنواع الأجهزة المتوفرة في السوق، تُعد أجهزة مثل Asus ZenBook S 16 مثالاً على الحواسيب المحمولة التي تم تصميمها بتقنيات ذكاء اصطناعي مدمجة. وقد شهدت سوق أجهزة الكمبيوتر الشخصية نمواً بطيئاً لكنه ملحوظ بنسبة 8.4% على أساس سنوي في الربع الثاني من عام 2025، وذلك بحسب شركة “كاونتر بوينت”. وقد ساهمت عوامل عدة في هذا النمو، منها انتهاء دعم نظام التشغيل ويندوز 10، وعودة الاهتمام بأجهزة الكمبيوتر الجديدة التي توفر تجربة محسّنة بالذكاء الاصطناعي، إضافة إلى تأثير التعريفات الجمركية العالمية.
ومن اللافت أيضاً أن العديد من ترقيات أجهزة الكمبيوتر التي تحدث اليوم تُعتبر بشكل غير مباشر انتقالاً نحو استخدام أجهزة مزودة بتقنيات الذكاء الاصطناعي. ففي كثير من الأحيان، قد يشتري المستخدم كمبيوتراً جديداً بسبب حاجته للتحديث دون أن يدرك أن الجهاز الجديد يحتوي على معالجات ذكية وتقنيات متقدمة في الذكاء الاصطناعي.
وبفضل معالجات مثل Snapdragon X Plus ثماني النوى و Ryzen AI 5 330، أصبح بإمكان الشركات والمستهلكين الحصول على أجهزة كمبيوتر محمولة بتقنيات الذكاء الاصطناعي بأسعار معقولة، ما يسهم في توسيع قاعدة المستخدمين وتسهيل التبني الجماعي لهذه الأجهزة.
تجدر الإشارة إلى أن “إنتل” اختارت في تقريرها استخدام مصطلح “الكمبيوتر الشخصي المدعوم بالذكاء الاصطناعي” (AI PC) بدلاً من الإشارة المباشرة إلى أجهزة Copilot+ ، التي ارتبطت حتى وقت قريب بمعالجات “Snapdragon” فقط. ولم تبدأ شركتا “إنتل” و”AMD” في تقديم شرائح متوافقة مع Copilot+ إلا في أغسطس 2024، ما يعني أن المنافسة في هذا القطاع لا تزال في بداياتها، مع توقعات بتوسّع أكبر في الأشهر القادمة.
في النهاية، تعكس هذه النتائج الحاجة إلى المزيد من التوعية داخل الشركات حول إمكانيات الذكاء الاصطناعي، وإلى معالجة المخاوف الأمنية بطرق عملية، لضمان الاستفادة القصوى من هذه التقنيات المتقدمة.