تقنية

طائرة مقاتلة

في خطوة يمكن أن تُحدث تحولًا جذريًا في مجال صناعة الطيران العسكري، كشفت شركة ساب السويدية، وهي إحدى الشركات الرائدة في قطاع الطيران والدفاع، عن تطويرها لأول هيكل طائرة في العالم يتم تعريفه بالبرمجيات، وذلك بالتعاون مع شركة Divergent المتخصصة في تقنيات التصنيع الإضافي. هذا الإعلان يمثل نقطة تحول حقيقية في طريقة تصميم وإنتاج الطائرات العسكرية، حيث يفتح المجال أمام إمكانيات لم تكن متاحة من قبل، ويضع أسسًا جديدة لإعادة التفكير في كل مرحلة من مراحل صناعة الطائرة، بدءًا من التصميم وحتى الإنتاج والتشغيل.

 طائرة مقاتلة ذكي بالبرمجيات
طائرة مقاتلة ذكي بالبرمجيات

الابتكار الذي أعلنت عنه ساب يعتمد على دمج تقنيات متقدمة بشكل غير مسبوق، حيث يتم الجمع بين الطباعة المعدنية ثلاثية الأبعاد واسعة النطاق وعمليات إنتاج تعتمد بالكامل على البرمجيات الحديثة. هذا الدمج يتيح تصميم هياكل طائرات أكثر مرونة، بحيث يمكن تعديلها أو تحسينها بسرعة وبدقة أعلى مقارنة بالطرق التقليدية التي كانت تستغرق شهورًا، إن لم يكن سنوات، لتطوير نموذج واحد. ما يجعل هذا الابتكار فريدًا هو القدرة على التحكم في كل جانب من جوانب الهيكل بدءًا من المواد المستخدمة وصولاً إلى الشكل النهائي للطائرة، بما يتيح تصميمات أكثر كفاءة وأخف وزنًا وأكثر متانة في الوقت نفسه.

تقنيات التصنيع الإضافي المستخدمة هنا تعني أيضًا إمكانية إنتاج قطع معقدة بأشكال هندسية لا يمكن تصنيعها باستخدام الطرق التقليدية. الطباعة ثلاثية الأبعاد تسمح ببناء هياكل دقيقة للغاية، مع تقليل الحاجة إلى التجميع الميكانيكي المعقد، مما ينعكس على تقليل أعداد القطع المستخدمة وتقليل المخاطر المحتملة للأخطاء البشرية. هذا التطور لا يوفر فقط الوقت والجهد في عملية التصنيع، بل يساهم أيضًا في تحسين أداء الطائرات وكفاءتها، ويعزز القدرة على تلبية متطلبات العمليات العسكرية المختلفة بطريقة أكثر مرونة وسرعة.

من الناحية الاستراتيجية، يمثل هذا الإعلان خطوة مهمة لشركة ساب في تعزيز مكانتها العالمية في مجال الطيران العسكري، حيث يعكس التزامها بالابتكار واستخدام أحدث التقنيات لتعزيز قوة وكفاءة الأسطول العسكري. التعاون مع شركة Divergent المتخصصة في التصنيع الإضافي يعكس أهمية الشراكات التكنولوجية في دفع حدود الممكن في مجال الطيران، ويظهر كيف يمكن للتكنولوجيا الحديثة أن تحدث تحولًا حقيقيًا في صناعة كانت تعتمد لفترات طويلة على أساليب تقليدية في التصميم والإنتاج.

إلى جانب التأثير المباشر على تصميم الطائرات، فإن هذه التكنولوجيا الجديدة تحمل إمكانيات كبيرة لتغيير طريقة صيانة وتشغيل الطائرات، حيث يمكن تعديل وتحسين الهياكل بسرعة استجابة لمتطلبات جديدة أو تحسينات تقنية، دون الحاجة إلى إعادة بناء الطائرة بالكامل. هذا يعني أن الطائرات المستقبلية قد تصبح أكثر قدرة على التكيف مع التطورات التكنولوجية أو المتطلبات العملياتية، ما يعزز من مرونتها وكفاءتها في ميادين العمل المختلفة.

في النهاية، يُنظر إلى هذه الخطوة على أنها بداية حقبة جديدة في صناعة الطيران العسكري، حيث توفر إمكانيات لم يكن بالإمكان تخيلها سابقًا، وتفتح الباب أمام تصميمات طائرات أكثر ذكاءً، وأكثر كفاءة، وأكثر قدرة على التكيف مع متغيرات الزمن واحتياجات العمليات العسكرية المستقبلية. الابتكار الذي قدمته شركة ساب بالتعاون مع Divergent يمثل نموذجًا حيًا لكيفية دمج التكنولوجيا الحديثة مع التصنيع العسكري التقليدي لتحقيق نتائج غير مسبوقة، ويعطي مؤشرًا واضحًا على اتجاه صناعة الطيران في المستقبل القريب.

يقترب أول هيكل تجريبي مطبوع بتقنيات متقدمة من خوض اختباراته الجوية عام ستة وعشرين بعد ألفين إذ تم إنجاز هيكل معدني يفوق طوله خمسة أمتار ويتكون من ستة وعشرين جزءا معدنيا جرى تصنيعها بتقنية الدمج بالليزر ثم جرى تجميعها اعتمادا على أنظمة روبوتية متطورة تمنح دقة عالية وسرعة في التنفيذ وتصف شركة ساب هذا الهيكل بأنه أحد أكبر الهياكل المعدنية المطبوعة التي تصبح جاهزة للطيران من دون الحاجة إلى قوالب إنتاج تقليدية وقد اجتاز الهيكل بنجاح اختبارات التحمل الأولى بما يمهد الطريق لإجراء رحلته التجريبية الأولى في الموعد المحدد

يأتي هذا التطور ضمن توجه شركة ساب نحو اعتماد هندسة قائمة على النماذج الرقمية وهي منهجية تعرف باسم الهندسة المعتمدة على النماذج وتقوم على استخدام التوأم الرقمي الذي يستبدل الرسومات التقليدية ثنائية الأبعاد بنماذج رقمية ثلاثية الأبعاد تحدد أدق تفاصيل التصنيع وتمكن هذه الطريقة من محاكاة مبكرة للأنظمة قبل تنفيذها الفعلي مما يختصر دورة التصميم ويرفع جودة المخرجات وقد استفادت الشركة من هذه المنهجية في تطوير مقاتلة غريبن إي حيث وفرت بنية برمجية مرنة تفصل بين البرمجيات الحرجة الخاصة بالطيران وبرمجيات المهام من دون الارتباط بعناصر عتادية ثابتة وهو ما جعل الشعار الداخلي للشركة ابدأ البرمجة صباحا وحلق مساء يعكس واقعا فعليا بفضل سرعة التطوير

وتشير الشركة إلى أنها اختبرت الطائرة أيضا باستخدام نظام ذكاء اصطناعي يعمل على الحواسيب القياسية للطائرة مما يمثل خطوة إضافية في دمج البرمجيات المتقدمة داخل أنظمة الطيران وهذا التوجه شجع فريق الابتكار الداخلي في الشركة والمعروف باسم رينفورست على محاولة نقل مرونة البرمجيات إلى عالم التصنيع عبر مفهوم التصنيع المعرف بالبرمجيات وهو أسلوب يهدف إلى تمكين المصانع من التكيف السريع مع أي تغيير يطرأ على التصميم الرقمي بحيث تكون خطوط الإنتاج قادرة على تعديل بنيتها لحظيا بمجرد صدور تحديث من التوأم الرقمي

ويرى رئيس الفريق أن التحدي الأكبر يكمن في أن التصنيع التقليدي يعتمد على أدوات ثابتة وقوالب معقدة مما يجعل أي تعديل في التصميم عملية مكلفة وبطيئة بينما يَعِد التصنيع المعرف بالبرمجيات بتجاوز هذه العقبات عبر نظم قابلة لإعادة الضبط فوريا بما يسمح بإنتاج تصاميم جديدة من دون الحاجة إلى إنشاء تجهيزات جديدة في كل مرة

ويمثل التعاون بين ساب وشركة دايفرجنت خطوة محورية لتحقيق هذا الهدف إذ تمكن الطباعة المعدنية ثلاثية الأبعاد من ابتكار أشكال منحنية وعضوية تعتمد على خوارزميات الذكاء الاصطناعي والتحسين الهندسي وهي أشكال لا يمكن للمهندسين رسمها يدويا وتؤكد الشركة أن هذا الأسلوب قادر على تقليص عدد أجزاء الهيكل إلى حد كبير قد يصل إلى مئة مرة مقارنة بالتصاميم التقليدية كما يسمح بدمج أنظمة مثل الأسلاك والتبريد والهيدروليك داخل القطعة نفسها مما يخفض الوزن ويسهل عمليات الإنتاج

وتصف ساب رؤيتها المستقبلية بأنها مصنع قادر على إعادة تشكيل نفسه بناء على ما ينتجه التوأم الرقمي بحيث يصبح الشعار كاد في الصباح وطيران بعد الظهر واقعا ممكنا وترى في الهيكل المطبوع حاليا دليلا عمليا على قدرة هذا النهج على إحداث تحول في تصميم الطائرات وصناعتها

ومع الاستعداد لبدء الاختبارات الجوية في عام ستة وعشرين بعد ألفين تعتبر ساب أن هذا المشروع يمهد الطريق لطائرات أكثر مرونة وأسرع تحديثا وأكثر قدرة على التكيف مع متطلبات القتال المتغير في المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى