تقنية

الذكاء الاصطناعي

تعاني مراكز الطوارئ في الولايات المتحدة، والمعروفة برقم الاستجابة 911، من أزمة حادة في نقص الكوادر البشرية، وهي أزمة تتفاقم يومًا بعد يوم بسبب زيادة الضغط الناتج عن المكالمات الواردة، سواء كانت طارئة أو غير طارئة. هذا الواقع دفع العديد من المراكز إلى اللجوء إلى حلول تكنولوجية متقدمة، وعلى رأسها تقنيات الذكاء الاصطناعي، لتخفيف العبء عن الموظفين العاملين في الخطوط الأمامية، وضمان استمرارية تقديم الخدمات الحيوية بسرعة وكفاءة.

الذكاء الاصطناعي
الذكاء الاصطناعي

وفي هذا السياق، برزت شركة ناشئة تُدعى “أوريليان” كمثال لافت على كيفية توظيف التكنولوجيا في قطاع الطوارئ. هذه الشركة، التي بدأت عملها في مجال بعيد تمامًا عن الطوارئ، حيث تخصصت في أتمتة مواعيد صالونات التجميل، سرعان ما وجدت لنفسها دورًا مهمًا في واحدة من أكثر القضايا الحساسة في البنية التحتية المدنية، وهي إدارة مكالمات الطوارئ.

المؤسس، ماكس كينان، أدرك خلال إحدى مراحل تطوير منتجه أن هناك إمكانية لتوسيع نطاق استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي لتشمل مجال الاستجابة الطارئة، خاصة بعد أن اطلع على طبيعة المكالمات التي يتعامل معها مشغلو خطوط 911. فالكثير من هذه المكالمات لا تُعدّ طارئة، وتشمل بلاغات عن الضوضاء، مخالفات مرور بسيطة، أو حتى استفسارات عامة، وهي أمور تستهلك وقتًا وجهدًا كان يمكن توجيههما لحالات أكثر خطورة، مثل الحوادث أو الأزمات الصحية.

بفضل هذه الرؤية، بدأت “أوريليان” في تطوير نظام ذكاء اصطناعي قادر على التعامل تلقائيًا مع المكالمات غير الطارئة، وتوجيه المتصلين إلى القنوات المناسبة للحصول على المساعدة، دون الحاجة لتدخل بشري مباشر. هذه الخطوة قللت بشكل كبير من الضغط على الموظفين، وساعدت في تحسين استجابتهم للحالات الحرجة التي تحتاج إلى تدخل فوري.

تُظهر تجربة “أوريليان” كيف يمكن للشركات الناشئة أن تلعب دورًا مهمًا في مواجهة تحديات القطاع العام، من خلال حلول مبتكرة وفعالة. كما تعكس هذه التجربة تحولًا أكبر في الطريقة التي تتفاعل بها الجهات الحكومية مع التكنولوجيا، إذ باتت ترى فيها شريكًا حيويًا لا غنى عنه.

وفي ظل استمرار أزمة نقص الموظفين في مراكز الطوارئ، من المتوقع أن تزداد الحاجة إلى أنظمة ذكاء اصطناعي أكثر تطورًا، قادرة على تحليل طبيعة المكالمة بدقة، وتحديد مستوى خطورتها، وحتى تقديم الدعم الأولي قبل وصول فرق الإنقاذ. ومع مرور الوقت، قد تصبح هذه الأنظمة جزءًا أساسيًا من بنية الاستجابة الطارئة، تمامًا كما أصبحت الهواتف الذكية والتطبيقات الرقمية جزءًا من حياتنا اليومية.

في ظل التحديات المتزايدة التي تواجه قطاع خدمات الطوارئ في الولايات المتحدة، اتجهت شركة “أوريليان” إلى تبنّي تقنيات الذكاء الاصطناعي لتطوير مساعد صوتي ذكي قادر على التعامل مع المكالمات الواردة إلى مراكز الطوارئ. ويعتمد هذا النظام المتطور على الذكاء الاصطناعي لفرز المكالمات وتصنيفها وفقًا لدرجة خطورتها، حيث يتولى الردّ على البلاغات البسيطة ومعالجتها مباشرةً، بينما يتم تحويل الحالات الطارئة أو الخطيرة على الفور إلى المرسلين البشريين. ويُعد هذا النظام، بحسب تقرير نشره موقع “تك كرانش” بمثابة نقلة نوعية في عالم الاتصالات الطارئة، إذ يسهم في تخفيف العبء عن موظفي الطوارئ الذين يرزحون تحت ضغط العمل المتواصل.

وفي خطوة تعكس ثقة المستثمرين في هذا التوجّه، أعلنت “أوريليان” مؤخرًا عن جمع 14 مليون دولار في جولة تمويل من الفئة “أ”، بقيادة الوكالة الوطنية للبيئة (NEA). ويهدف هذا التمويل إلى دعم انتشار النظام الجديد في عدد أكبر من الولايات الأميركية، مما سيساعد في توسيع نطاق الاستفادة من هذه التقنية وتطويرها بشكل أكبر.

منذ إطلاق النظام في مايو 2024، تم اعتماده في أكثر من 12 مركز إرسال 911، منها مركز مقاطعة سنوهوميش في ولاية واشنطن ومركز تشاتانوغا في ولاية تينيسي. ويأتي هذا التوسع في ظل أزمة حقيقية تواجه مراكز الطوارئ، حيث يعاني العديد منها من نقص حاد في الموظفين، ما يدفع العاملين إلى العمل لساعات طويلة قد تصل إلى 16 ساعة يوميًا، وهو ما يؤدي إلى الإرهاق وتراجع الأداء.

وفي هذا السياق، يشير كينان، أحد المسؤولين عن المشروع، إلى أن الهدف الرئيسي من النظام هو منح موظفي الإرسال فرصة لالتقاط أنفاسهم وتخفيف الضغط النفسي والجسدي عنهم. ويرى المستثمرون في هذا النظام حلاً عمليًا لا يهدف إلى الاستغناء عن الموظفين الحاليين، بل يسد فجوة كبيرة في الوظائف التي لم تتمكن مراكز الطوارئ من شغلها بسبب النقص المزمن في الكوادر البشرية.

وعلى الرغم من وجود شركات أخرى مثل “هايبر” و”بريبيرد” تعمل على تطوير حلول مشابهة، إلا أن “أوريليان” ترى أن نظامها يتميز عن غيره بكونه أول منتج يتعامل فعليًا مع المكالمات اليومية بشكل مباشر، ما يمنحها ميزة تنافسية واضحة في سوق بات في أمسّ الحاجة إلى حلول ذكية وفعّالة. ويرى مراقبون أن هذا الابتكار قد يُحدث تحولًا جذريًا في كيفية تعامل مراكز الطوارئ مع المكالمات، ويسهم في تحسين جودة الخدمات المقدّمة للمواطنين، ويضع الأساس لمزيد من التقدم في استخدام الذكاء الاصطناعي في القطاع العام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى