الذكاء الاصطناعي

في عصر باتت فيه تقنيات الذكاء الاصطناعي تتطور بوتيرة متسارعة، أصبحت هذه الأدوات قادرة على تحقيق نتائج مذهلة في مجالات متعددة، من بينها الرعاية الصحية وتشخيص الأمراض. فقد أظهرت دراسات حديثة أن الذكاء الاصطناعي يمكنه التفوق على الأطباء في تشخيص بعض الحالات المرضية، لما يمتلكه من قدرة على تحليل كميات ضخمة من البيانات الطبية واستخلاص نتائج دقيقة خلال وقت قياسي. لكن، وعلى الرغم من هذا التقدم التقني المبهر، فإن المشكلة لا تكمن في ضعف الخوارزميات أو نقص الإمكانات البرمجية، بل في الكيفية التي يُستخدم بها هذا الذكاء الاصطناعي من قبل البشر.

ولفهم هذه الإشكالية بشكل أعمق، يمكننا الرجوع إلى سيناريو شائع يختبره كثير من الناس بشكل يومي: الاستيقاظ مع شعور بسيط بالخدش في الحلق. بدلاً من الانتظار أو استشارة طبيب مختص، يتجه البعض مباشرة إلى محركات البحث، حيث يقوم بإدخال الأعراض في محاولة لتحديد السبب. وما هي إلا دقائق معدودة حتى يجد الشخص نفسه غارقًا في مقالات مرعبة عن أمراض خطيرة ونادرة، قد لا يكون لها أي علاقة بالحالة الفعلية.
هذا النمط من “التشخيص الذاتي الرقمي”، رغم أنه يبدو سهلًا وسريعًا، إلا أنه قد يؤدي إلى نتائج مضللة ومقلقة. وهنا يأتي دور الذكاء الاصطناعي الحديث، الذي يمكنه تقديم تشخيص أكثر هدوءًا وموضوعية بناءً على البيانات الدقيقة والتحليل العميق، دون الانجرار وراء المبالغة أو السيناريوهات الأسوأ. فوفقًا لتقرير نُشر على موقع “androidheadlines”، تبرز الحاجة الملحّة إلى دمج أدوات الذكاء الاصطناعي في العمليات التشخيصية بطريقة منظمة ومدروسة، بحيث تكون في متناول المستخدمين ولكن ضمن إطار طبي يضمن الفهم السليم والقرارات الصحيحة.
الذكاء الاصطناعي، كما توضح الدراسة، لا يجب أن يُنظر إليه كبديل كامل عن الأطباء، بل كأداة مساعدة ترفع من كفاءة التشخيص وتُخفف العبء عن الكوادر الطبية. ولكن لتحقيق ذلك، من الضروري أن تُصمم هذه الأنظمة لتكون سهلة الاستخدام، مع تدريب كافٍ للمستخدمين على كيفية التعامل معها، سواء كانوا أطباء أم مرضى.
ومن المهم أيضًا التوعية بالمخاطر المرتبطة بالاعتماد الكامل على محركات البحث العامة في تشخيص الأمراض، وضرورة اللجوء إلى أدوات مدعومة بالذكاء الاصطناعي تكون مصممة خصيصًا لهذا الغرض، وتستند إلى قواعد بيانات طبية موثوقة ومحدثة.
في نهاية المطاف، يمكن القول إن الذكاء الاصطناعي يحمل في طياته فرصة ذهبية لإعادة تشكيل مفهوم التشخيص الطبي، لكن هذه الفرصة لن تؤتي ثمارها إلا إذا استُخدمت هذه الأدوات بحكمة، وتحت إشراف مهني، لتصبح بذلك ركيزة أساسية في الطب الحديث وليست مجرد تقنية متطورة.
أدوات الذكاء الاصطناعي تُشخص بدقة مذهلة… لكن بشرط!
كشفت دراسة أجرتها جامعة أكسفورد أن أدوات الذكاء الاصطناعي مثل “شات جي بي تي” قادرة على تشخيص الحالات الطبية بدقة تصل إلى 94.9%، بشرط أن تُستخدم من قبل الخوارزميات نفسها بشكل مباشر.
لكن المفاجأة كانت في انخفاض الدقة إلى 34.5% فقط عندما تدخل البشر في استخدامها.
البشر يعطلون الذكاء الاصطناعي
قاد الدراسة الدكتور “آدم مهدي” وشارك فيها أكثر من 1300 شخص، طُلب منهم التفاعل مع حالات طبية متعددة وكأنهم المرضى أنفسهم.
تفاعل كل مشارك مع ثلاثة نماذج مختلفة من الذكاء الاصطناعي، حيث قدموا الأعراض وطرحوا الأسئلة.
ورغم قدرة النماذج على تقديم تشخيص دقيق، إلا أن الأخطاء جاءت من المستخدمين أنفسهم، الذين غالبًا ما طرحوا أسئلة ناقصة أو نسوا أعراضًا مهمة أو فشلوا في تحديد توقيت الأعراض بدقة، مما أدى إلى تشخيصات خاطئة سببها إدخال غير دقيق، لا خلل في الذكاء الاصطناعي.
الذكاء الاصطناعي لا يقرأ ما بين السطور
أحد أكثر المفاهيم الخاطئة شيوعًا هو افتراض أن الذكاء الاصطناعي “يفهمك” دون توضيح.
الحقيقة أن هذه النماذج لا تفسر التلميحات أو المشاعر ما لم تُعرض عليها بوضوح. فهي بحاجة إلى أوامر وتعليمات دقيقة، وليست مهيأة لقراءة ما لا يُقال.
شبه الباحثون الذكاء الاصطناعي بموظف خارق في شركة، لكن أداءه يتدهور إن كانت الإدارة البشرية ضعيفة وغير منظمة.
البشر في مواجهة المعلومة
حتى عندما قدم الذكاء الاصطناعي تشخيصًا دقيقًا، تجاهله بعض المستخدمين أو لم يتخذوا الخطوات اللازمة بعده.
يشبه هذا ما يحدث أحيانًا مع توصيات الأطباء التي لا تُتبع بجدية.
الفرق يظهر عند استخدام أدوات مثل OpenEvidence من قبل الأطباء المختصين، حيث تُوظف هذه النماذج لمراجعة الأدلة الطبية، وليس لتشخيص ذاتي من قبل أشخاص غير مدربين.
الذكاء الاصطناعي وحده لا يكفي
تشير الدراسة بوضوح إلى أن الخلل ليس في قدرة الذكاء الاصطناعي، بل في طريقة استخدامه.
ففي بيئات طبية حقيقية، من الصعب على الأنظمة تقديم نتائج دقيقة إذا كانت مدخلات البشر غامضة أو مضللة.
مثال على الاستخدام الناجح جاء من جامعة “جونز هوبكنز”، حيث استخدمت أداة ذكاء اصطناعي لرصد تعفن الدم، وتفوقت على الأطباء في سرعة التشخيص، مما ساهم في تقليل معدل الوفيات بنسبة **20%**.
السبب؟ الأداة كانت جزءًا من النظام الطبي، تعتمد على بيانات فورية من الأجهزة وليس على أوصاف غير دقيقة من المرضى.
خلاصة: قوة الذكاء الاصطناعي في حسن استخدامه
تُبرز الدراسة حقيقة مهمة: الذكاء الاصطناعي ليس حلًا سحريًا، بل أداة متقدمة تعتمد كفاءتها على طريقة استخدامها.
رغم دقته العالية في بيئات اختبارية، تظل هناك فجوة بين إمكانياته النظرية ونتائجه الواقعية، ما لم يُحسن الإنسان التعامل معه وتوجيهه بدقة.