مايكروسوفت

في الوقت الذي تواصل فيه شركة مايكروسوفت سعيها الحثيث لتحقيق أهدافها الطموحة في مجال الاستدامة البيئية، تكشف أحدث بياناتها عن تحديات متزايدة تواجهها في هذا المسار، خصوصاً فيما يتعلق بالحد من انبعاثات الكربون. فعلى الرغم من تعهد الشركة سابقاً بخفض هذه الانبعاثات، إلا أن الواقع يعكس صورة مختلفة؛ إذ أظهرت الأرقام الحديثة زيادة ملحوظة في مستويات الكربون، ما يعكس مدى صعوبة الموازنة بين الابتكار التكنولوجي السريع والالتزام البيئي.
فوفقاً لتقرير الاستدامة الصادر عن مايكروسوفت في نهاية الأسبوع الماضي، ارتفعت انبعاثات الكربون التي تنتجها الشركة بنسبة 23.4% منذ عام 2020، وهي نسبة مقلقة بالنظر إلى التزامات الشركة السابقة بالوصول إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2030. ويُعزى السبب الرئيسي وراء هذه الزيادة إلى النمو المتسارع في البنية التحتية لمراكز البيانات التي تعتمد عليها مايكروسوفت بشكل أساسي في تقديم خدمات الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي، وهما مجالان يشهدان نمواً هائلاً في الطلب على مستوى العالم.
بحسب تقرير نشره موقع “تك كرانش”، فإن هذا التوسع الكبير في مراكز البيانات يتطلب استهلاكاً عالياً للطاقة، مما يؤدي بدوره إلى زيادة البصمة الكربونية. وعلى الرغم من الجهود المبذولة لاستخدام مصادر طاقة متجددة وتشغيل مراكز البيانات بكفاءة أكبر، فإن النمو الهائل في حجم الأعمال قد تجاوز هذه الجهود، ما ساهم في ارتفاع الانبعاثات الإجمالية.
وتجدر الإشارة إلى أن مايكروسوفت كانت من أوائل الشركات التقنية التي أعلنت التزامها الصريح بتحقيق الحياد الكربوني، بل وتخطط لتعويض كل الانبعاثات التي تسببت بها منذ تأسيسها في عام 1975. إلا أن البيانات الجديدة تثير تساؤلات حول مدى واقعية هذه الأهداف في ظل التوسع المستمر في مجال الذكاء الاصطناعي، الذي يعتمد بشكل كبير على قدرات معالجة ضخمة تتطلب طاقة كبيرة.
وفي تعليقها على التقرير، أكدت مايكروسوفت أنها ما زالت ملتزمة بتحقيق أهدافها البيئية، لكنها أوضحت أيضاً أن المرحلة الحالية تشهد تحديات غير مسبوقة نتيجة للنمو السريع في الطلب على تقنيات الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية. وأشارت الشركة إلى أنها تعمل على تطوير تقنيات أكثر كفاءة في استهلاك الطاقة، وتوسيع استثماراتها في الطاقة النظيفة، بما في ذلك الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، كجزء من جهودها المستمرة للتقليل من الأثر البيئي.
وفي المجمل، يعكس هذا الواقع المزدوج التحديات التي تواجهها كبرى شركات التكنولوجيا في محاولة التوفيق بين طموحاتها البيئية ونموها التكنولوجي المتسارع. وفيما تبقى نوايا مايكروسوفت واضحة ومعلنة، فإن الطريق نحو تحقيق أهداف الاستدامة يبدو أطول وأكثر تعقيداً مما كان متوقعاً، خاصة في عصر يشهد طفرة في استخدام الذكاء الاصطناعي والتقنيات الرقمية.

مواد البناء وشرائح الكمبيوتر
رغم أن شراء الكهرباء النظيفة لا يُعتبر التحدي الأكبر، فإن العقبة الحقيقية تكمن في المواد المستخدمة في بناء مراكز البيانات، مثل الفولاذ، والخرسانة، ورقائق الحواسيب، والتي تساهم بشكل كبير في انبعاثات الكربون.
وأوضح متحدث باسم “مايكروسوفت”: “نحن نمثّل التحديات التي يواجهها العالم بأسره في التحول نحو مواد ووقود صديقة للبيئة، وهو جوهر ما نواجهه في انبعاثات النطاق 3”.
تشير انبعاثات النطاق 3 إلى تلك الناتجة عن مصادر خارج السيطرة المباشرة للشركة، مثل المواد الخام، والخدمات اللوجستية، والسلع المُشتراة. وقد شكلت هذه الانبعاثات أكثر من 97% من إجمالي الانبعاثات الكربونية لمايكروسوفت خلال السنة المالية 2024.
التوسع يُقابله تأخير في إزالة الكربون
أظهرت البيانات أن الجزء الأكبر من انبعاثات مايكروسوفت يأتي من السلع الرأسمالية والمواد المُشتراة، ما يعكس اعتماد عمليات البناء على سلاسل توريد قائمة على الوقود الأحفوري.
حتى رقائق الحواسيب، التي تُعدّ جوهرية في البنية التحتية الرقمية، لها بصمة بيئية ثقيلة، إذ تُستخدم في تصنيعها غازات دفيئة شديدة التأثير، مثل سداسي فلورو الإيثان، الذي يعادل طن واحد منه نحو 9200 طن من ثاني أكسيد الكربون من حيث التأثير الحراري.
وفيما يتعلق بالكهرباء النظيفة، فقد واجهت مايكروسوفت صعوبة في تأمين مصادر منخفضة الانبعاثات بالقرب من مواقع مراكز البيانات، مما اضطرها إلى شراء الكهرباء من مصادر بعيدة، مما يقلل من فعالية الجهود البيئية.
خطوات نحو التحسّن
ورغم أن التقرير أشار إلى انخفاض بسيط في الانبعاثات بين عامي 2023 و2024، فإن الطريق لا يزال طويلاً أمام مايكروسوفت لتحقيق هدفها البيئي المتمثل في “إزالة كربون أكثر مما تنتجه” بحلول عام 2030.
مع ذلك، هناك بوادر إيجابية، إذ باتت الشركة من أكبر المستثمرين في مشاريع الطاقة الشمسية، وارتفعت محفظتها من الطاقة النظيفة إلى 34 غيغاواط. كما وقعت عقودًا ضخمة لإزالة ملايين الأطنان من الكربون في السنوات المقبلة.
ذكاء اصطناعي مربح لكنه ملوّث
التحدي الأبرز أمام الشركة يبقى في التوفيق بين التوسع السريع في قطاعي الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية من جهة، والتزاماتها البيئية من جهة أخرى.
فرغم أن هذا التوسع يحقق أرباحًا كبيرة، إلا أنه يُضيف عبئًا بيئيًا متزايدًا، لا سيما مع اقتراب عام 2030، وهو الموعد المحوري لمراجعة التزامات الشركات العالمية تجاه المناخ.