تقنية

الصين

كشفت شركة “Lookout” المتخصصة في الأمن السيبراني عن برنامج تجسس متقدم يُعرف باسم “Massistant”، طورته شركة التكنولوجيا الصينية Xiamen Meiya Pico. يهدف هذا البرنامج إلى اختراق الهواتف المحمولة التي تتم مصادرتها من قبل السلطات، ويُعتقد أنه يُستخدم على نطاق واسع من قبل وكالات الأمن الصينية.

برنامجًا خبيثًا لاختراق الهواتف المصادرة
برنامجًا خبيثًا لاختراق الهواتف المصادرة

وفقًا للتقرير الصادر عن “Lookout”، يعمل “Massistant” على أجهزة أندرويد ويتطلب الوصول الفعلي والمباشر إلى الهاتف، مما يعني أن تشغيله مشروط بعدم وجود قفل على الجهاز أو بقدرة الجهة الأمنية على تجاوزه. هذا النوع من البرمجيات يُستخدم غالبًا في الحالات التي يتم فيها الاستيلاء على الهاتف أثناء التفتيش أو التحقيقات، حيث يكون الجهاز بحوزة السلطات لفترة كافية تسمح بتثبيت البرنامج والوصول إلى محتواه.

واحدة من أبرز سمات “Massistant” هي قدرته على استخراج كميات ضخمة من البيانات الشخصية الحساسة. يتضمن ذلك الرسائل النصية القصيرة، وسجلات المواقع الجغرافية، والملفات الصوتية، وحتى محتوى التطبيقات المشفرة مثل “سيغنال” (Signal)، الذي يُعرف بأنه أحد أكثر تطبيقات المراسلة أمانًا من حيث التشفير والخصوصية. يشير هذا إلى أن البرنامج لا يكتفي بجمع البيانات التقليدية، بل يتعدى ذلك ليصل إلى التطبيقات التي صممت خصيصًا لحماية المستخدمين من المراقبة.

ورغم عدم الإعلان رسميًا عن الجهات التي تستخدم “Massistant”، فإن التقرير يؤكد أن البرنامج منتشر بين عدد من الوكالات الأمنية الصينية. ومن المعروف أن شركة “Xiamen Meiya Pico” لها تاريخ في التعاون مع الحكومة الصينية، إذ تُعد واحدة من أبرز الشركات التي تطور أدوات للمراقبة الرقمية وتحليل البيانات الجنائية.

هذا الاكتشاف يسلط الضوء على جانب آخر من تنامي قدرات المراقبة الرقمية التي تمارسها الحكومات، لا سيما في الدول ذات الأنظمة الرقابية المشددة. ففي الصين، حيث الرقابة على الإنترنت والمراقبة الأمنية متقدمة للغاية، يمثل استخدام مثل هذه البرمجيات جزءًا من استراتيجية أوسع تهدف إلى تعزيز السيطرة على المعلومات وتتبع الأفراد، خصوصًا أولئك الذين يُشتبه في انخراطهم في أنشطة معارضة أو تتعارض مع توجهات الدولة.

من جهة أخرى، يثير تقرير “Lookout” مخاوف متزايدة بشأن الخصوصية الرقمية، ليس فقط في الصين، بل على مستوى عالمي، حيث إن الأدوات نفسها قد تُستخدم لاحقًا خارج الصين، سواء من خلال البيع أو القرصنة أو حتى التقليد. كما أن اكتشاف وجود مثل هذه البرامج يعزز الدعوات الموجهة إلى الشركات المصنعة للهواتف الذكية ومطوري أنظمة التشغيل لتعزيز الحماية الأمنية، خاصة فيما يتعلق بالتطبيقات المشفرة والبيانات الحساسة.

في النهاية، فإن كشف النقاب عن “Massistant” يمثل إنذارًا جديدًا بضرورة توخي الحذر من التهديدات الرقمية، ويعيد إلى الواجهة النقاش حول حدود الأمن والرقابة، وضرورة التوازن بين الحفاظ على الأمن القومي واحترام خصوصية الأفراد.

وأكدت كريستينا بالام، الباحثة في “Lookout”، أن أي شخص يسافر إلى الصين يجب أن يضع في حسبانه احتمال مصادرة جهازه المحمول، مما قد يؤدي إلى تعريض بياناته الشخصية للخطر.

المواطنون يسلمون هواتفهم طوعًا

المثير في الأمر أن السلطات الصينية لا تعتمد على تقنيات معقدة أو ثغرات متقدمة لاختراق الهواتف، إذ تكفيها ببساطة موافقة المستخدم.

فبحسب ما كشفته بالام بعد مراجعة منتديات صينية متخصصة، كثير من الأشخاص يسلمون أجهزتهم طوعًا عند نقاط التفتيش أو خلال جلسات التحقيق، ما يمنح السلطات وصولًا كاملاً إلى محتوى الهواتف وبياناتها.

منذ عام 2024، حصلت شرطة أمن الدولة الصينية على صلاحيات واسعة تتيح لها تفتيش الأجهزة الإلكترونية دون الحاجة لأوامر قضائية، حتى في حال عدم وجود تحقيق جنائي نشط.

تطبيق “Massistant” يترك آثارًا على الجهاز

وفقًا للتقرير، قد يتمكن المستخدم من ملاحظة وجود “Massistant” على جهازه، حيث يظهر أحيانًا كتطبيق مرئي، أو يمكن اكتشافه عبر أدوات تقنية مثل Android Debug Bridge (ADB).

لكن “Lookout” توضح أن الضرر يكون قد وقع بمجرد تثبيت التطبيق، إذ تكون البيانات الحساسة قد نُقلت بالفعل إلى الجهات المختصة.

إصدار لهواتف آيفون قد يكون قيد التطوير

رغم أن “Massistant” يعمل حاليًا فقط على أجهزة أندرويد، إلا أن صورًا ومعلومات نُشرت على موقع الشركة المُصنّعة تُشير إلى وجود نسخة قيد التطوير مخصصة لهواتف آيفون، ما يُنذر بتوسيع نطاق المراقبة ليشمل جميع أنظمة التشغيل الرئيسية للهواتف الذكية.

شركة تقود صناعة الأدلة الجنائية الرقمية

تُعتبر شركة Xiamen Meiya Pico من أبرز مزودي أدوات التحليل الجنائي الرقمي في الصين، وتمتلك نحو 40% من السوق المحلي. وكانت الشركة قد وُضعت تحت طائلة العقوبات الأميركية عام 2021 بسبب دورها في دعم عمليات المراقبة الحكومية.

وتشير الباحثة إلى أن “Massistant” ليس سوى جزء من منظومة تجسس رقمية متكاملة، إذ ترصد “Lookout” أكثر من 15 نوعًا من البرمجيات الخبيثة المنتشرة في السوق الصينية، ما يعكس وجود صناعة متطورة وممنهجة للتجسس الرقمي داخل البلاد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى