الروبوتات البشرية

في يوم الثلاثاء، تم افتتاح أول مركز رسمي في الصين لتجربة الروبوتات البشرية في مدينة ووشي، الواقعة في مقاطعة جيانغسو شرق البلاد. ويُعد هذا المركز من المراكز الرائدة في مجال التكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي، إذ يقدم للزوار تجربة فريدة من نوعها من خلال التفاعل المباشر مع الروبوتات التي تحاكي السلوك البشري في مختلف البيئات والمهام.

ويضم المركز ثماني مناطق تفاعلية غامرة، صممت بعناية لتغطي مجموعة متنوعة من المواضيع والأنشطة التي تعكس استخدامات الروبوتات البشرية في مجالات متعددة. ومن أبرز هذه المناطق، ساحة للملاكمة حيث يمكن للزوار خوض مباريات افتراضية ضد روبوتات مصممة بقدرات حركية دقيقة وسرعة استجابة عالية، تتيح تجربة واقعية وآمنة في الوقت نفسه. كما توجد منطقة خاصة بلعبة الشطرنج، تتيح للزوار اختبار قدراتهم في التفكير الاستراتيجي أمام روبوتات مزودة ببرمجيات ذكاء اصطناعي قادرة على تحليل الحركات والتخطيط المتقدم.
ولا يقتصر المركز على الترفيه أو التسلية فحسب، بل يسلط الضوء أيضًا على الدور المتنامي للروبوتات البشرية في القطاعات الصناعية والتجارية والمنزلية. ففي إحدى المناطق المخصصة، يمكن للزوار مشاهدة الروبوتات وهي تؤدي مهامًا صناعية دقيقة، مثل تجميع الأجزاء أو مراقبة الجودة، وهي مهام تتطلب دقة وكفاءة لا تقل عن مثيلاتها من العاملين البشر. كما يستعرض المركز إمكانيات الروبوتات في مجال خدمة العملاء، مثل التفاعل مع الزبائن في المتاجر أو تقديم المعلومات في الفنادق، مما يعكس التقدم الكبير الذي أحرزته الصين في تقنيات الروبوتات والخدمات الذكية.
وفي القطاع المنزلي، يعرض المركز نماذج لروبوتات قادرة على أداء مهام متعددة داخل البيوت، مثل التنظيف، وتحضير بعض الأطعمة البسيطة، وحتى مرافقة كبار السن وتذكيرهم بتناول الأدوية أو ممارسة التمارين، مما يعكس الإمكانيات الواسعة لهذه التكنولوجيا في تحسين جودة الحياة اليومية.
ويهدف المركز من خلال هذه التجارب إلى تعزيز وعي الجمهور بالتكنولوجيا الحديثة، وتشجيع الأبحاث والتطوير في هذا المجال المتسارع. كما يُعد منصة تعليمية تفاعلية للطلاب والمهتمين بالذكاء الاصطناعي، حيث يمكنهم استكشاف كيفية عمل هذه الروبوتات، وآليات البرمجة والتحكم فيها، والتعرف على تطبيقاتها الواقعية في المستقبل القريب.
يمثل هذا المركز خطوة كبيرة نحو دمج الروبوتات البشرية في الحياة اليومية للمجتمع الصيني، ويعكس التزام الصين بتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي والروبوتات كجزء من استراتيجيتها للنمو التكنولوجي والاقتصادي. كما يُتوقع أن يسهم المركز في تعزيز التعاون بين الشركات المحلية والدولية، وتسريع وتيرة الابتكار في هذا القطاع الحيوي.
شهد المعرض التقني الأخير اهتمامًا واسعًا من الزوّار، حيث أبدوا حماسًا لافتًا حيال الابتكارات المعروضة، وخاصة الروبوتات التي تحاكي الإنسان في الشكل والسلوك. وقد كان لافتًا تفاعل الجمهور مع الكلاب الروبوتية التي لم تقتصر على استعراض حركاتها الذكية فقط، بل عرضت قدرات عملية مثل استقبال الطرود من موظفي التوصيل، ونقلها إلى داخل المنازل، بالإضافة إلى تنفيذ مهام منزلية مساعدة قد تُحدث نقلة نوعية في أسلوب حياة الأفراد، خصوصًا كبار السن أو أصحاب الاحتياجات الخاصة.
تُعد هذه الروبوتات الحيوانية أحد أشكال الذكاء الاصطناعي المتقدم، إذ جرى تزويدها بحساسات دقيقة وبرمجيات متطورة تمكّنها من التعرف على البيئة المحيطة والاستجابة للتوجيهات الصوتية والمرئية. هذا النوع من التطور لم يعد محصورًا في أفلام الخيال العلمي، بل بدأ يأخذ مكانه في الواقع، ويتفاعل مع الناس بطريقة مألوفة وإنسانية.
ويرى الخبراء أن هذه الروبوتات، إلى جانب الروبوتات البشرية الشكل، تشكل مستقبلًا واعدًا في مجالات متعددة، وليس فقط في القطاعات الصناعية التي كانت تقليديًا أكبر المستفيدين من الأتمتة. فخلال السنوات الخمس المقبلة، يتوقع المختصون أن يشهد العالم توسعًا كبيرًا في استخدام الروبوتات في ميادين الخدمات العامة والتجارية، مثل العناية بكبار السن، حيث يمكن برمجة الروبوتات لتذكير المرضى بمواعيد الأدوية، أو مراقبة حالتهم الصحية عبر أدوات استشعار متقدمة، وحتى التواصل مع الطواقم الطبية عند الحاجة.
ومن بين التطبيقات الأخرى المتوقعة للروبوتات البشرية، توجيه الزبائن داخل المتاجر أو المراكز التجارية الكبرى، حيث تستطيع هذه الآلات التفاعل مع العملاء، إرشادهم إلى المنتجات التي يبحثون عنها، أو مساعدتهم في إتمام عمليات الشراء. هذا النوع من الخدمة لا يهدف فقط إلى تحسين تجربة العملاء، بل قد يسهم في تخفيض تكاليف التشغيل، وزيادة الكفاءة، لا سيما في الأماكن التي تعاني من نقص الأيدي العاملة.
وقد بدأت بالفعل بعض الشركات الكبرى في الاستثمار المكثف في هذا المجال، مستفيدة من التقدم الكبير في تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، والتي تسمح للروبوتات بتحليل البيانات والتصرف بناءً على أنماط وسلوكيات محددة. كما يُنتظر أن تسهم هذه الروبوتات في تعزيز مفاهيم الشمول الاجتماعي، من خلال تقديم خدمات مخصصة للأشخاص ذوي الإعاقة، أو أولئك الذين يحتاجون إلى رعاية يومية دون المساس بخصوصيتهم أو كرامتهم.
في النهاية، فإن ما بدا وكأنه مجرد تجربة تكنولوجية مثيرة، قد يتحول قريبًا إلى جزء من الحياة اليومية للكثيرين. وبينما يرحب الجمهور بهذه الابتكارات بفضول وإعجاب، تبرز الحاجة لمناقشة الجوانب الأخلاقية والاجتماعية لاستخدام الروبوتات البشرية، والتأكد من أن هذا التحول يُدار بحكمة ومسؤولية لضمان مستقبل متوازن يجمع بين التقدم التكنولوجي والإنسانية.