تقنية

روبوتات

تبذل الصين جهودًا متسارعة لتجاوز الولايات المتحدة في سباق تطوير الروبوتات البشرية المتقدمة، وتسعى بكل ما أوتيت من إمكانات للهيمنة على هذا القطاع الحيوي في المستقبل القريب. وفي خطوة لافتة ضمن استراتيجيتها الطموحة، بدأت الصين في إرسال روبوتاتها إلى معسكرات تدريب ضخمة مصممة خصيصًا لمحاكاة البيئات الواقعية التي قد تعمل فيها هذه الروبوتات لاحقًا.

روبوتات
روبوتات

ففي مختلف أنحاء البلاد، تتسابق المدن الصينية لافتتاح قواعد تدريب متخصصة للروبوتات البشرية. هذه المرافق لا تشبه مراكز البحث التقليدية، بل هي بيئات تدريب ميدانية تحتوي على اختبارات صارمة تُصمم لمحاكاة سيناريوهات متعددة، تتراوح بين المهام الصناعية المعقدة والأنشطة اليومية في الحياة المدنية، ما يسمح للروبوتات بتجربة ظروف متنوعة وتعلّم كيفية التعامل معها بفعالية.

الهدف الأساسي من هذه التدريبات المكثفة هو تحسين قدرات الذكاء الاصطناعي لدى الروبوتات من خلال تزويدها بكمّ هائل من البيانات التي تُجمع أثناء الاختبارات. وتُستخدم هذه البيانات لتحسين نماذج التعلم الآلي، مما يساعد المصنّعين الصينيين على تسريع عملية تطوير روبوتات أكثر ذكاءً ومرونة.

في هذا السياق، أعلنت الحكومة المحلية مؤخرًا عن افتتاح أكبر منشأة تدريب من نوعها في العاصمة بكين، وتحديدًا في منطقة شيجينغشان. تمتد هذه المنشأة المتقدمة على مساحة تتجاوز 10 آلاف متر مربع (ما يعادل 108 آلاف قدم مربعة)، وهي مجهزة بأحدث التقنيات والأنظمة الذكية. وتُقدّر كمية البيانات التي ستنتجها هذه القاعدة بأكثر من 6 ملايين نقطة بيانات سنويًا، ما يجعلها مصدرًا ضخمًا للمعلومات التي يمكن استخدامها لتحسين أداء الروبوتات في مختلف المجالات.

وتعكس هذه المبادرة جزءًا من رؤية الصين الأشمل للتحول إلى قوة رائدة في مجال الذكاء الاصطناعي والروبوتات بحلول العقد القادم. فالحكومة الصينية لا تدّخر جهدًا في تمويل المشاريع البحثية، وتدعم القطاع الخاص والجامعات ومراكز الأبحاث لإيجاد حلول مبتكرة تدفع بتقنيات الروبوتات إلى الأمام.

وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لا تزال متقدمة في بعض المجالات، فإن الصين تحقق تقدمًا سريعًا بفضل الدعم الحكومي الضخم، وتكامل الجهود بين القطاعين العام والخاص. ومع تطور مراكز التدريب هذه، تزداد فرص الصين في إنتاج جيل جديد من الروبوتات القادرة على أداء مهام دقيقة في قطاعات متعددة مثل التصنيع، والرعاية الصحية، والخدمات اللوجستية، وحتى الاستجابة للكوارث.

في النهاية، يبدو أن السباق نحو التفوق في تقنيات الروبوتات البشرية قد دخل مرحلة جديدة، حيث لم يعد الأمر متعلقًا فقط بالابتكار التكنولوجي، بل أصبح أيضًا سباقًا في جمع البيانات، وتحسين نماذج الذكاء الاصطناعي، وتطبيقها في بيئات واقعية بأكبر قدر ممكن من الفعالية والسرعة.

تُعتبر الصين والولايات المتحدة من أبرز الدول الرائدة في مجال تطوير الروبوتات الشبيهة بالبشر، وهي صناعة ناشئة تهدف إلى تصميم آلات بقدرات جسدية وعقلية تشبه الإنسان، لتكون قادرة على أداء مهام متعددة كانت حكرًا على البشر، بدءًا من خطوط الإنتاج في المصانع، وصولًا إلى تقديم الرعاية في دور المسنين.

وفي خطوة مهمة لتعزيز هذه الصناعة، أعلنت الحكومة المحلية في بكين عن إنشاء قاعدة تدريب متطورة تهدف إلى معالجة النقص الحالي في البيانات الذي يعوق تقدم هذا القطاع داخل الصين. وقد صُممت هذه القاعدة لتقديم بيئة تدريبية متكاملة تضم 16 سيناريو مختلفًا، من بينها محاكاة لمصنع، متجر، مركز رعاية مسنين، ومنزل ذكي، ما يوفّر للروبوتات بيئات متنوعة لتعلم المهارات والتكيف مع التحديات الواقعية.

في السابق، كانت الشركات العاملة في هذا المجال تجمع بيانات التدريب بشكل منفصل، ما أدى إلى تباين كبير في جودة البيانات وكفاءتها. لكن، من خلال القاعدة الجديدة، سيتم إنتاج بيانات موحدة وشاملة وعالية الجودة، مع تقليل التكاليف، مما سيمنح الشركات المحلية ميزة تنافسية في مواجهة اللاعبين العالميين.

تأتي هذه الخطوة ضمن استراتيجية وطنية صينية طموحة تهدف إلى جعل البلاد في طليعة الدول في مجال الروبوتات البشرية. ومن بين أبرز المنافسين الدوليين، تبرز شركات أمريكية كبرى مثل “تسلا”، التي تسعى بدورها لتسويق الروبوتات على نطاق واسع.

في مارس الماضي، سلّطت الحكومة الصينية الضوء لأول مرة على مفهوم “الذكاء المجسد”، وهو مصطلح يشير إلى دمج الذكاء الاصطناعي في كيانات مادية مثل الروبوتات، واعتبرته أحد المحاور الأساسية لمستقبل الصناعة الوطنية.

وخلال الأشهر الماضية، نظّمت الصين سلسلة من الفعاليات البارزة لاستعراض مدى التقدم في هذا القطاع، حيث ظهرت الروبوتات في أنشطة متنوعة مثل نصف ماراثون، منافسات الكيك بوكسينغ، وحتى عروض الرقص ضمن احتفالات مهرجان الربيع.

وفي أغسطس، أصدرت بكين توجيهات جديدة لتعزيز استخدام الأجهزة الذكية عبر مختلف القطاعات الاقتصادية، ووضعت هدفًا طموحًا برفع معدل الاعتماد على الذكاء الاصطناعي إلى أكثر من 90% بحلول عام 2030. وشملت الوثيقة إرشادات لبناء مراكز اختبار وطنية وتوفير بيانات تدريب دقيقة وفعّالة.

استجابت الحكومات المحلية بسرعة لهذه التوجيهات، حيث باشرت مدن مثل تشجيانغ، شاندونغ، آنهوي، وخنان بإنشاء قواعد تدريب مشابهة. وأعلنت شنغهاي مؤخرًا أن أول قاعدة تدريب لها ستبدأ التجارب الميدانية بحلول نهاية الشهر الجاري.

وخلال مؤتمر الروبوتات العالمي الذي عُقد في أغسطس، كشفت بكين عن أول متجر من نوعه في العالم مخصص بالكامل للروبوتات البشرية ويقدم خدمات متكاملة.

وبحسب تقرير صادر عن “مورغان ستانلي” في يونيو، يُتوقع أن ترتفع قيمة سوق الروبوتات في الصين من 47 مليار دولار في عام 2024 إلى حوالي 108 مليارات دولار بحلول 2028، مما يعزز مكانة الصين كقوة رائدة في هذا القطاع سريع النمو.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى