تقنية

كيمي كيه 2

يشهد مجال الذكاء الاصطناعي تطورات متسارعة على الساحة العالمية، ومؤخرًا باتت الصين في طليعة الدول التي تقدم نماذج متقدمة تُحدث ضجة في الأوساط العلمية والتقنية. فبعد أن أثارت شركة “ديب سيك” الصينية دهشة المتابعين بإطلاق نموذجها الثوري “R1” في يناير الماضي، عاد الاهتمام العالمي ليتجه من جديد نحو الصين، حيث أطلقت شركة “مونشوت” (Moonshot) الناشئة والمتمركزة في العاصمة بكين نموذجها الجديد “كيمي كيه 2” (Kimi K2) في 11 يوليو، والذي يُعد منافسًا شرسًا لنماذج الذكاء الاصطناعي المتوفرة حاليًا في الأسواق، سواء في الشرق أو الغرب.

كيمي كيه 2
كيمي كيه 2

وبحسب تصريحات شركة “مونشوت”، فإن النموذج الجديد “كيمي K2” يتمتع بإمكانات تقنية متقدمة تجعله قادرًا على تقديم أداء يضاهي، بل ويتجاوز في بعض الأحيان، أداء أشهر النماذج الغربية الرائدة في هذا المجال، فضلًا عن تفوقه على بعض نماذج شركة “ديب سيك” ذاتها، التي كانت قد وضعت معيارًا عاليًا منذ بدايات العام.

ويتميز “كيمي K2” بتفوقه في مجموعة من المعايير القياسية التي تستخدم عادة لتقييم كفاءة نماذج الذكاء الاصطناعي، مثل الفهم الدلالي للنصوص، والإجابة الدقيقة على الأسئلة المعقدة، وتحليل السياقات متعددة الطبقات، بالإضافة إلى قدراته على البرمجة والترجمة وتوليد المحتوى الإبداعي. وتشير التقارير الأولية إلى أن هذا النموذج قد تم تدريبه باستخدام كميات ضخمة من البيانات، واعتمد على بنية متقدمة تعتمد على تحسينات معمارية دقيقة في الشبكات العصبية، وهو ما ساهم في تعزيز أدائه بشكل واضح.

وقد أثار إطلاق “كيمي K2” موجة من النقاشات في الأوساط التقنية العالمية، خاصةً في ظل المنافسة الشديدة بين الشركات الصينية والغربية على الريادة في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي. ويرى بعض المحللين أن الصين تسير بخطى متسارعة نحو كسر الهيمنة الغربية على هذا المجال، معتمدة على خبراتها المتنامية، واستثماراتها الضخمة، والدعم الحكومي المستمر الذي يوجه نحو البحث العلمي والتطوير التقني.

ومن الجدير بالذكر أن شركة “مونشوت” قد بدأت في الآونة الأخيرة في جذب اهتمام متزايد من المستثمرين والمهتمين بالتقنيات الناشئة، خاصة بعد الأداء المبهر لنموذجها الجديد، مما يشير إلى مستقبل واعد قد يسهم في تغيير موازين القوى التكنولوجية عالميًا.

باختصار، يمثل ظهور “كيمي K2” نقطة تحول جديدة في سباق الذكاء الاصطناعي، ويعكس قدرة الشركات الصينية على المنافسة بقوة، ليس فقط من حيث الحجم أو التمويل، بل من حيث الجودة والابتكار الحقيقي. ويبدو أن المستقبل القريب سيشهد تنافسًا أكثر حدة بين الشرق والغرب، في وقت يتطلع فيه العالم إلى حلول ذكية تدفع عجلة التطور إلى الأمام.

يتفوّق في البرمجة

بحسب تقرير نشرته مجلة “نيتشر، يحقق النموذج “كيمي كيه 2” أداءً لافتًا في مجال البرمجة، مسجلًا نتائج متقدمة في اختبارات مثل “LiveCodeBench”، ما يجعله منافسًا قويًا في هذا المجال.

مفتوح المصدر وسهل الوصول

كما هو الحال مع نماذج “ديب سيك”، فإن “كيمي كيه 2” متاح كمصدر مفتوح، ما يُمكّن الباحثين من تحميله مجانًا وتطويره أو التعديل عليه دون تكاليف. يمكن الوصول إليه عبر واجهة برمجة التطبيقات (API) مقابل رسوم منخفضة نسبيًا، مقارنةً بنماذج كبرى مثل “Claude 4” التابع لشركة “أنثروبيك” الأمريكية.

تفاعل واسع من المجتمع العلمي

أدينا ياكيفو، باحثة في مجال الذكاء الاصطناعي في منصة “Hugging Face” بنيويورك، قالت إن المجتمع الأكاديمي يمكنه استخدام النموذج بحرية، وضبطه، والبناء عليه دون الحاجة إلى تطوير نموذج من الصفر. وقد حقق “كيمي كيه 2″ معدل تنزيل غير مسبوق خلال أول 24 ساعة من إطلاقه، متفوقًا على جميع النماذج الأخرى على المنصة، في ظاهرة وصفتها ياكيفو بأنها تكرار لـ”لحظة ديب سيك”.

وكيل ذكي متعدد المهام

على عكس العديد من النماذج القوية الأخرى، فإن “كيمي كيه 2” ليس نموذجًا “استدلاليًا” يعتمد على التفكير الخطي، بل هو “نموذج وكيل” قادر على تنفيذ مهام متعددة باستخدام أدوات متنوعة كالتصفح واستخدام برمجيات رياضية. وقد سبق أن قدمت بعض إصدارات “شات جي بي تي” وظائف مشابهة، لكنها ليست مفتوحة المصدر.

ولا يزال الباحثون يدرسون ما إذا كان يمكن تكرار سلوك “الوكيل الذكي” الذي تدّعي شركة “مونشوت” أن “كيمي كيه 2” قادر على تنفيذه.

النموذج البارز التالي

يشير بروز نموذج ثانٍ قوي من الصين خلال ستة أشهر فقط إلى أن الأمر ليس مجرد صدفة. الباحث ناثان لامبرت من معهد ألين للذكاء الاصطناعي في سياتل، وصف في نشرته “Interconnects” إصدار “DeepSeek R1” بأنه مقدمة مبكرة لتحول أعمق في الذكاء الاصطناعي.

وفي منشور له على منصة “Bluesky”، وصف “كيمي كيه 2” بأنه “أفضل نموذج مفتوح المصدر جديد على الإطلاق”.

خلفية عن مونشوت

تأسست شركة “مونشوت” في مارس 2023، وكانت غير معروفة نسبيًا في الغرب. لكنها حققت شهرة محلية كبيرة في الصين، حيث أصبح روبوت الدردشة “كيمي”، المبني على نموذج سابق، ثالث أكثر روبوتات الدردشة استخدامًا في البلاد في نوفمبر 2024، بحسب شركة الأبحاث “كاونتربوينت” التي تتخذ من هونغ كونغ مقرًا لها.

وتضم قائمة مستثمري الشركة شركات تقنية صينية كبرى مثل “علي بابا” و”تينسنت”.

تريليون معلمة وبنية مرنة

“كيمي كيه 2” هو نموذج ضخم يحتوي على تريليون معلمة — وهي القيم التي تُستخدم لضبط أداء النموذج. هذا العدد الهائل قد يشكل عبئًا على المختبرات الصغيرة، لكنه يستخدم تقنية “مزيج الخبراء” (Mixture of Experts)، حيث يتم تفعيل 32 مليار معلمة فقط في كل مرة، مما يجعل تشغيله أكثر كفاءة ويُقلل من استهلاك الموارد.

مهارات كتابة متميزة

إلى جانب البرمجة، أظهر “كيمي كيه 2” تفوقًا في الكتابة. وقد أشار بعض المعلقين على منصة “X” إلى أن أسلوبه يختلف عن الأساليب التقليدية لنماذج الذكاء الاصطناعي، ويتميز بطابع أكثر واقعية وتعبيرًا.

ويتصدر النموذج حاليًا اختبارات مثل “Creative Writing v3″، التي تقيم جودة السرد وتجنب الكليشيهات، وكذلك اختبار “EQ-bench 3” الذي يحلل الذكاء العاطفي في سيناريوهات المحاكاة والحوارات.

ليس الأفضل في كل شيء

رغم قدراته المتعددة، لا يتفوق “كيمي كيه 2” في جميع المجالات. ففي اختبار “SciMuse”، الذي يُقيّم قدرة الذكاء الاصطناعي على التنبؤ بالأفكار المثيرة للاهتمام من وجهة نظر الباحثين، حل النموذج بعد “Gemini” من غوغل ونماذج التفكير من “OpenAI”، وفقًا لما ذكره ماريو كرين، مدير مختبر “Artificial Scientist Lab” في معهد ماكس بلانك في ألمانيا.

دعوة إلى الانفتاح

أشارت ياكيفو إلى أن “مونشوت” من بين عدد متزايد من الشركات الصينية التي تتجه نحو إتاحة نماذجها بشكل مفتوح. من جانبه، يرى لامبرت أن على الولايات المتحدة تطوير نموذج مفتوح المصدر يُضاهي ما تطرحه “ديب سيك” و”مونشوت”، مشيرًا إلى الحاجة لما أسماه “مشروع ديب سيك الأمريكي”، للحفاظ على حضور أمريكا في الأوساط الأكاديمية والمجتمع المفتوح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى