الذكاء الاصطناعي
شهدت الأسواق المالية العالمية حالة من الاضطراب غير المسبوق بعد الارتفاع المفاجئ لتطبيق الذكاء الاصطناعي الصيني “ديب سيك” (DeepSeek)، الذي تصدَّر قوائم التطبيقات وأثار قلق المستثمرين، خاصة في الولايات المتحدة.
وقد نبع هذا القلق من عدة عوامل، أبرزها التكلفة المنخفضة لتطوير التطبيق، انتشاره السريع، وتأثيره المباشر على أسهم الشركات الكبرى في قطاع التكنولوجيا، وعلى رأسها شركة “إنفيديا” الأميركية.
“ديب سيك”.. زلزال مالي وتكنولوجي
وفقًا لتقرير نشرته هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”، أظهر نموذج الذكاء الاصطناعي “ديب سيك”، الذي تم إطلاقه في 20 يناير/كانون الثاني، أداءً متميزًا وتنافسيًا مقارنة بنماذج الذكاء الاصطناعي العالمية الرائدة مثل “شات جي بي تي”، حيث استطاع تحقيق نتائج متفوقة بتكلفة أقل بكثير.
وقد أدى هذا النجاح إلى انخفاض كبير في أسهم شركة “إنفيديا”، حيث تراجعت بنسبة 17%، مما أسفر عن خسارتها حوالي 600 مليار دولار أميركي من قيمتها السوقية في يوم واحد، وهو أكبر تراجع يومي في تاريخ الأسواق المالية الأميركية.
ووفقًا لصحيفة “فايننشال تايمز”، فقد أدى هذا التراجع إلى هبوط مؤشر فيلادلفيا لأشباه الموصلات بنسبة 9.2%، بينما سجل مؤشر “ناسداك” انخفاضًا يزيد عن 3%، مما زاد المخاوف بشأن مستقبل شركات الذكاء الاصطناعي الأميركية.
وفي هذا السياق، يرى “ستيفن يو”، كبير المحللين في مؤسسة “بلو ويل غروث”، أن هذه الخسائر تعكس التأثير الكبير لقدرة الشركات الصينية على الابتكار بتكاليف أقل، وهو ما دفع المستثمرين إلى إعادة تقييم استثماراتهم في مجال الذكاء الاصطناعي.
لماذا يتخوف المستثمرون الأميركيون من “ديب سيك”؟
يُعد “ديب سيك” من أبرز الابتكارات المثيرة للجدل في الأسواق العالمية، ليس فقط بسبب أدائه المتقدم، بل أيضًا بسبب تأثيراته الاقتصادية العميقة.
كشف إطلاق هذا النموذج الصيني عن تحولات جذرية في توازن القوى بين الشركات التكنولوجية الغربية ونظيراتها الصينية، ما أثار قلقًا متزايدًا بين المستثمرين الأميركيين بشأن مستقبل استثماراتهم في هذا القطاع.
هذا القلق ناتج عن عدة عوامل رئيسية، أبرزها قدرة “ديب سيك” على تحقيق نتائج مدهشة بتكاليف تطوير منخفضة، مما يهدد استدامة النماذج الأميركية التي تعتمد على استثمارات ضخمة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن التقدم السريع للصين في هذا المجال قد يعرض الشركات الأميركية لفقدان تفوقها التكنولوجي، مما يجعلها عرضة لخسائر اقتصادية ضخمة.
تكلفة التطوير المنخفضة
وفقًا لتحليل نشرته وكالة “بلومبيرغ”، تم تطوير “ديب سيك” بتكلفة لا تتجاوز 6 ملايين دولار أميركي، بينما تقدّر بعض التحليلات الآتية من آسيا أن التكلفة الفعلية لا تتجاوز نصف هذا الرقم، مقارنة بتكاليف تطوير “جي بي تي 4” التي تجاوزت 100 مليون دولار أميركي.
هذه الفجوة الكبيرة في التكلفة أثارت تساؤلات كبيرة حول جدوى الاستثمارات الضخمة التي تقوم بها الشركات الأميركية في تطوير الذكاء الاصطناعي.
وفي هذا السياق، يرى الخبير الاقتصادي “دان هوتشيسون” من مؤسسة “تيك إنسايتس” أن “تقليص التكاليف بشكل كبير يُعيد تشكيل سوق الذكاء الاصطناعي، حيث لم يعد الأمر مقتصرًا على امتلاك التكنولوجيا المتقدمة، بل أصبح يرتكز أيضًا على كيفية استخدام الموارد المحدودة بفعالية لتحقيق نفس النتائج”.
تحدي الهيمنة الأميركية في الذكاء الاصطناعي
في خطوة تدعم الطموحات الصينية، أعلن الرئيس الصيني “شي جين بينغ” أن تطوير الذكاء الاصطناعي هو أولوية وطنية، مما يعزز من فرص الصين في المنافسة عالميًا.
في المقابل، تسعى الولايات المتحدة لفرض قيود صارمة على تصدير الشرائح الإلكترونية المتقدمة إلى الصين، لكن “ديب سيك” أثبت قدرة الصين على تجاوز هذه القيود.
ووفقًا لتحليل “كونتر بوينت ريسيرش”، فإن “السياسات الأميركية للحد من تصدير الشرائح لم تؤثر بشكل كبير على الشركات الصينية، بل دفعتها لتبني استراتيجيات جديدة تعتمد على كفاءة البرمجيات بدلاً من الاعتماد على القوة الحوسبية الهائلة”.