تقنية

بيتكوين

شهدت سوق العملات الرقمية تحركاً لافتاً يوم الجمعة، بعد أن تم تنشيط محفظتين رقميتين ظلتا في حالة خمول تام منذ 14 عاماً. وقد تم نقل ما مجموعه 20 ألف وحدة من عملة “بيتكوين” من هاتين المحفظتين، وهو ما يعادل أكثر من ملياري دولار وفقاً للأسعار الحالية، التي تجاوزت فيها العملة حاجز 108,000 دولار للوحدة الواحدة. هذه الحادثة النادرة أثارت جدلاً واسعاً بين المتابعين والمستثمرين، وأعادت تسليط الضوء على قضية المحافظ الرقمية النائمة وتأثيرها المحتمل على السوق.

بيتكوين
بيتكوين

وفقاً لما ذكرته منصتا “Lookonchain” و”Whale Alert”، المختصتان برصد التحركات الكبيرة على شبكة “البلوكتشين”، فإن كل محفظة من المحفظتين حركت 10 آلاف وحدة بيتكوين، مما يعكس تنسيقاً واضحاً بين أصحاب المحافظ أو وجود جهة واحدة تملك السيادتين. وتُظهر السجلات أن هذه العملات تم إيداعها في المحفظتين في عام 2011، حين كان سعر البيتكوين لا يتجاوز 78 سنتاً فقط، مما يعني أن قيمة كل محفظة تضاعفت بشكل مذهل لتتجاوز اليوم 1.09 مليار دولار.

هذه الحادثة أعادت إلى الواجهة ملف المحافظ الرقمية غير النشطة، والتي تمثل جزءاً كبيراً من المعروض الكلي من عملة البيتكوين. فبحسب منصة BitInfo Charts، هناك أكثر من 18 مليون وحدة بيتكوين ما تزال محفوظة في محافظ لم تسجل أي حركة منذ سنوات، الأمر الذي يشير إلى احتمالية وجود كميات ضخمة خارجة عن نطاق التداول اليومي. هذه المحافظ تثير قلق بعض المتابعين، واهتمام آخرين، لما قد تُحدثه من تقلبات عنيفة في السوق إذا ما تم تحريكها بشكل مفاجئ.

ومن الملاحظ أن وتيرة تنشيط المحافظ القديمة آخذة في الارتفاع هذا العام. فقد ذكرت منصة Onchain School المتخصصة في تحليلات “البلوكتشين”، أن الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2025 شهدت تنشيط 62,800 وحدة بيتكوين من محافظ قديمة، مقارنة بـ 28 ألف وحدة فقط في نفس الفترة من عام 2024، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 121%. هذا التسارع يدفع المحللين إلى مراقبة السوق عن كثب، تحسباً لأي تحركات مفاجئة قد تؤثر على استقرار الأسعار.

لكن، وعلى الرغم من هذه التحركات، فإن النوايا الحقيقية لأصحاب المحافظ ما تزال غير معروفة. حتى الآن، لا توجد مؤشرات قوية على أن هذه العملات ستُعرض للبيع فوراً. ويُرجّح عدد من المحللين أن هذه التحركات قد تكون جزءاً من إعادة تنظيم الأصول، أو نقلها إلى محافظ أكثر أماناً. وقد أكد هذا الاتجاه الرئيسة التنفيذية لمنصة BTC Markets الأسترالية، كارولين بولر، في تصريحات لموقع MarketWatch، حيث قالت إن “الاحتفاظ طويل الأمد كان من الأسس التي آمن بها مستثمرو البيتكوين الأوائل، ولذلك فإن رؤية محافظ لم تتحرك منذ 14 عاماً ليس أمراً غير متوقع”.

وأشارت بولر إلى أن المثير للدهشة ليس فقط الاحتفاظ بالعملة كل هذه الفترة، بل الانضباط الشديد الذي تحلى به أصحاب هذه المحافظ بعدم البيع خلال كل التقلبات الكبرى التي مرّت بها السوق خلال السنوات الماضية. كما توقعت أن أي عمليات بيع مستقبلية لن تتم بشكل فوري أو دفعة واحدة، بل ستُنفذ بشكل تدريجي ومن خلال قنوات خارج البورصات التقليدية (OTC)، لتفادي إحداث اضطرابات في السوق.

وفي ختام حديثها، أكدت بولر أن هناك عدداً كبيراً من المحافظ الرقمية التي تحتوي على كميات ضخمة من البيتكوين لكنها لا تزال غير نشطة، إما بسبب فقدان مفاتيحها الخاصة، أو بفعل قرارات استراتيجية من أصحابها. لذا فإن أي نشاط من هذه المحافظ يُعتبر حدثاً نادراً ومؤثراً، ويستدعي الانتباه من المتعاملين في السوق، كونه قد يحمل في طياته تأثيرات كبيرة على الاتجاهات السعرية، سواء على المدى القصير أو البعيد.

في المجمل، تعكس هذه الواقعة مدى النضج الذي وصلت إليه سوق العملات الرقمية، لكنها في الوقت ذاته تُبرز هشاشة بعض جوانبها المرتبطة بعنصر المفاجأة والتحركات غير المتوقعة للمحافظ القديمة، وهو ما يستوجب متابعة دقيقة وتقييمات دائمة من قِبل المستثمرين والمؤسسات المعنية.

في ظلّ التطورات المتسارعة التي تشهدها سوق العملات الرقمية، برزت توقعات جديدة تشير إلى إمكانية ارتفاع سعر عملة “بيتكوين” إلى مستويات غير مسبوقة خلال السنوات القليلة المقبلة. فقد توقّع توم لي، رئيس قسم الأبحاث في مؤسسة Fundstrat Global Advisors، أن يصل سعر البيتكوين إلى 250 ألف دولار بحلول نهاية عام 2025، مشيراً إلى عوامل أساسية قد تدفع نحو هذا النمو الكبير في السعر.

وفي مقابلة حديثة مع شبكة CNBC، أوضح لي أن البيتكوين لا يزال في مراحله الأولى من حيث الانتشار العالمي، مشيراً إلى أن “نحو 95% من سكان العالم لا يملكون بيتكوين حتى الآن”، وهو ما يسلط الضوء على الفرص الكبيرة المتاحة للتوسع واعتماد العملة الرقمية بشكل أوسع. وأشار إلى وجود اختلال كبير في توازن العرض والطلب، حيث يزداد الطلب بوتيرة متسارعة، في حين يظل العرض محدوداً بسبب البنية الأساسية للبيتكوين التي تفرض سقفاً لعدد الوحدات التي يمكن تعدينها (21 مليون وحدة فقط). هذا الاختلال من شأنه أن يعزز الأسعار على المدى الطويل، خاصة إذا ما اقترن بازدياد القبول المؤسسي والتبني الحكومي للعملات الرقمية.

من جهة أخرى، سجّلت البيتكوين أداءً لافتاً منذ بداية عام 2025، حيث ارتفع سعرها بنسبة 16%، ووصل إلى مستوى قياسي جديد تجاوز 110 آلاف دولار في مايو الماضي. ويُعزى هذا الأداء القوي إلى الزخم الكبير والتدفقات القياسية التي شهدتها صناديق المؤشرات المتداولة (ETFs) المرتبطة بالبيتكوين، والتي فتحت المجال أمام مستثمرين مؤسسيين كبار للدخول إلى السوق. وقد ساهم ذلك في زيادة الثقة بالعملة الرقمية، وترسيخ مكانتها كأصل استثماري يمكن الاعتماد عليه ضمن المحافظ الاستثمارية المتنوعة.

ولا يُعد توقّع توم لي الوحيد الذي يتنبأ بمستقبل مشرق للبيتكوين، إذ تشترك معه العديد من المؤسسات الاستثمارية الكبرى والخبراء في الرؤية ذاتها، مدفوعين بمؤشرات عديدة، من بينها تحسّن البيئة التنظيمية في بعض الدول، وارتفاع مستويات التضخم التي تدفع بالمستثمرين إلى البحث عن أصول تحافظ على قيمتها على المدى الطويل.

ومع استمرار الابتكار في تقنيات البلوك تشين، وزيادة التوجه نحو الاقتصاد الرقمي، يتوقع الكثيرون أن تصبح البيتكوين أحد الأعمدة الأساسية في النظام المالي المستقبلي. وإذا ما تحققت هذه التوقعات، فقد لا يكون مستوى 250 ألف دولار نهاية المطاف، بل مجرد محطة في مسار طويل من الصعود.

في المحصلة، يُظهر السوق مؤشرات قوية على أن البيتكوين لا تزال في بداية منحنى النمو، وتُشير البيانات والاتجاهات الحالية إلى إمكانية تحقيق قفزات نوعية في قيمتها خلال الأعوام القادمة، لا سيما مع ازدياد التبني العالمي وانفتاح السياسات المالية نحو الأصول الرقمية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى