الذكاء الاصطناعي

أعلن جيفري هينتون، أحد الرواد البارزين في مجال الذكاء الاصطناعي والبالغ من العمر 75 عامًا، استقالته رسميًا من شركة غوغل، وذلك في تصريح خصّ به صحيفة “نيويورك تايمز”. وأوضح هينتون في بيانه أنه يشعر الآن بندم متزايد حيال الدور الذي لعبه في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، وهو مجال كرّس له معظم سنوات حياته العلمية والمهنية.
ويُعرف هينتون على نطاق واسع بلقب “الأب الروحي للذكاء الاصطناعي”، حيث كان له إسهام كبير في تطوير الشبكات العصبية الاصطناعية، التي تشكل حجر الأساس للعديد من تقنيات الذكاء الاصطناعي الحديثة، بما في ذلك روبوتات الدردشة المتقدمة والأنظمة الذكية التوليدية. وقد أمضى سنوات طويلة في الأوساط الأكاديمية والبحثية، وكان من أوائل من وضعوا أسس التعلم العميق، وهي التقنية التي تقف وراء الطفرات الحالية في مجال الذكاء الاصطناعي.

وجاءت استقالة هينتون من غوغل – التي التحق بها بعد أن استحوذت على شركته الناشئة في عام 2013 – في وقت تتسارع فيه وتيرة التطوير في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث أبدى قلقًا متزايدًا من المخاطر المرتبطة بالاستخدامات غير المنضبطة لهذه التقنيات. ولفت إلى أن التكنولوجيا التي ساهم في تطويرها، والتي كانت في بداياتها واعدة وبريئة، قد تتسبب في أضرار جسيمة إذا لم يتم التعامل معها بحذر.
وفي تصريحاته للصحيفة، شدد هينتون على أن هناك مخاطر حقيقية ناتجة عن التطورات السريعة في الذكاء الاصطناعي، خصوصًا فيما يتعلق بروبوتات المحادثة الذكية، والتي وصف بعض وظائفها بأنها “مخيفة للغاية”. وأشار إلى أن هذه الأنظمة قد تصبح قادرة في المستقبل القريب على إنتاج محتوى مقنع يصعب تمييزه عن المحتوى البشري، مما يفتح الباب أمام إمكانيات خطيرة مثل التضليل الإعلامي، وانتهاك الخصوصية، والتأثير على المجتمعات بطرق يصعب التحكم بها.
ورغم أن هينتون أكد أنه لا يندم على جميع أبحاثه، إلا أنه عبّر عن قلقه من أن التوازن بين الفوائد والمخاطر قد بدأ يختل. وأضاف أن أحد أسباب استقالته هو رغبته في التحدث بحرية عن هذه القضايا دون أن يكون مقيدًا باعتبارات الشركة التي كان يعمل بها.
استقالة هينتون وتصريحاته التحذيرية أثارت اهتمامًا عالميًا، خاصة في ظل التسابق المحموم بين شركات التكنولوجيا الكبرى لتطوير أدوات ذكاء اصطناعي أكثر تقدمًا، وسط غياب أطر تنظيمية واضحة تضمن الاستخدام الأخلاقي والمسؤول لهذه الابتكارات.
تأتي هذه الخطوة من هينتون كتذكير قوي بأن التقدم العلمي، رغم فوائده الكبيرة، يجب أن يكون مقرونًا بالمسؤولية والوعي، وأن مستقبل الذكاء الاصطناعي يجب أن يُبنى على أسس أخلاقية وإنسانية واضحة، تحمي الأفراد والمجتمعات من تداعيات غير مقصودة.
هينتون: روبوتات الذكاء الاصطناعي قد تصبح أذكى من البشر قريبًا
قال عالم الحاسوب البارز جيفري هينتون، المعروف بكونه من رواد تطوير الذكاء الاصطناعي، في تصريحات نُقلت عن موقع “بي بي سي ، إن روبوتات الدردشة المدعومة بالذكاء الاصطناعي “ليست أكثر ذكاءً منا في الوقت الحالي، على حد علمي. لكنني أعتقد أنهم قد يصبحون كذلك قريبًا”.
وقد أوضح الدكتور هينتون، الذي يُلقب بـ”عرّاب الذكاء الاصطناعي”، أن عامل السن لعب دورًا في قراره مغادرة شركة “غوغل” قائلاً: “عمري 75 عامًا، لذا فقد حان وقت التقاعد”.
وكانت أبحاث هينتون في الشبكات العصبية والتعلم العميق حجر الأساس للتقنيات التي تقف وراء أدوات الذكاء الاصطناعي الحديثة مثل ChatGPT، حيث تحاكي هذه الشبكات طريقة عمل الدماغ البشري من حيث التعلم ومعالجة البيانات، وهو ما يُعرف بـ”التعلم العميق”، الذي يمكّن الآلات من التعلم من التجربة كما يفعل الإنسان.
وأكد هينتون أن هذه الأنظمة قد تتجاوز قريبًا قدرات الدماغ البشري في تخزين واسترجاع المعلومات، مضيفًا: “ما نراه الآن هو أن نماذج مثل GPT-4 تتفوق بشكل واضح على البشر في حجم المعرفة العامة التي تمتلكها، وعلى الرغم من أنها لم تصل بعد لمستويات التفكير المنطقي البشري، إلا أنها بدأت تُظهر قدرات منطقية أولية”.
وتابع محذرًا: “بسبب سرعة التطور الحالية، من المرجح أن تشهد هذه الأنظمة تحسنًا سريعًا، وهذا ما يدعو للقلق”.
وفي مقابلة مع “نيويورك تايمز”، أشار هينتون إلى احتمال استخدام الذكاء الاصطناعي من قبل “جهات فاعلة سيئة” لأهداف ضارة، قائلاً: “أسوأ السيناريوهات شبيهة بالكابوس، فبإمكان طرف خبيث برمجة روبوتات بقدرة على تطوير أهداف فرعية خاصة بها، مثل: ’أحتاج إلى مزيد من القوة‘، مما قد يؤدي إلى عواقب غير محسوبة”.
وأضاف هينتون: “الذكاء الذي نطوره الآن مختلف جوهريًا عن الذكاء البشري؛ فنحن كائنات بيولوجية، بينما هذه أنظمة رقمية، يمكنها نسخ نفسها ومشاركة المعرفة بين النسخ فورًا. تخيل أن لديك 10,000 نسخة تتعلم بشكل منفصل ولكنها تتبادل المعرفة في اللحظة ذاتها، هذا ما يجعل روبوتات الدردشة تمتلك معلومات تتجاوز أي فرد”.
من جانبه، قال مات كليفورد، رئيس وكالة الابتكار البريطانية، إن تصريحات هينتون تؤكد مدى سرعة تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي، مشددًا على ضرورة “الاستثمار العاجل والكثيف في آليات الأمان والتحكم”.
ويأتي هذا التصريح في وقت تتزايد فيه تحذيرات الخبراء من سرعة تطور الذكاء الاصطناعي، حيث وقع عشرات المتخصصين، من بينهم إيلون ماسك، رسالة مفتوحة في مارس الماضي تطالب بتعليق تطوير أي أنظمة ذكاء اصطناعي تتجاوز مستوى ChatGPT الحالي، بهدف وضع ضوابط أمان واضحة.
ومن بين الموقعين أيضًا يوشوا بينجيو، الذي شارك هينتون ويان ليكون جائزة تورينغ في عام 2018 عن مساهماتهم في مجال التعلم العميق. وكتب بينجيو أن “التسارع غير المتوقع في قدرات الذكاء الاصطناعي يستدعي التراجع خطوة إلى الوراء”.
ومع ذلك، يرى هينتون أن فوائد الذكاء الاصطناعي على المدى القصير لا تزال تفوق مخاطره، موضحًا أن “إيقاف تطويره سيكون صعبًا في ظل التنافس الدولي، فحتى لو توقفت الولايات المتحدة، ستواصل الصين تقدمها”.
وأشار إلى أنه عالم وليس صانع سياسات، وأن مسؤولية تطوير الذكاء الاصطناعي بأمان تقع على عاتق الجهات التنظيمية والحكومات.
وأكد هينتون أنه لا يوجه انتقادات لـ”غوغل”، قائلاً: “الشركة كانت مسؤولة للغاية في تعاملها مع الذكاء الاصطناعي، وأود أن أقول ذلك بعد أن تركت العمل فيها، كي يكون كلامي أكثر مصداقية”.
من ناحيته، صرّح كبير علماء “غوغل”، جيف دين، بأن الشركة “لا تزال ملتزمة بنهج مسؤول في تطوير الذكاء الاصطناعي، مع الابتكار الجريء ومراعاة المخاطر المستجدة”.
يُذكر أن روبوتات الدردشة مثل ChatGPT هي مجرد جزء من منظومة أوسع لتقنيات الذكاء الاصطناعي، والتي تُستخدم حاليًا في مجالات مثل التوظيف، التأمين، تشخيص الأمراض، وحتى التوصيات الترفيهية على منصات الفيديو.
ويؤكد الخبراء أن العالم يقترب من مرحلة “الذكاء الاصطناعي العام” (AGI)، حيث تتمكن النماذج من أداء مهام متعددة تتجاوز النطاق الضيق.
لكن وتيرة هذا التقدم فاجأت حتى المبتكرين أنفسهم، إذ تطورت الأنظمة كثيرًا منذ أن أنشأ هينتون أول شبكة عصبية متقدمة لتحليل الصور عام 2012.
وكان رئيس “غوغل“، سوندار بيتشاي، قد صرح مؤخرًا بأنه لم يفهم تمامًا كيفية عمل روبوت الذكاء الاصطناعي التفاعلي “بارد”، في دلالة على التعقيد المتزايد لهذه النماذج المتقدمة.