الذكاء الاصطناعي

تشهد الشركات الصينية تطوراً متسارعاً في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث أصبحت تُنتج نماذج أكثر كفاءة وذكاء، وتُقدمها بتكاليف أقل من المنافسين العالميين. هذا التقدم اللافت يعكس التغيرات الجذرية التي تشهدها سوق الذكاء الاصطناعي، خاصة بعد دخول شركة “ديب سيك” (DeepSeek) إلى الساحة وإحداثها طفرة نوعية قلبت موازين المنافسة. لكن الجديد اليوم هو دخول منافس صيني آخر يتمثل في شركة “زد إيه آي” (Z.ai)، التي أعلنت مؤخراً عن نموذجها الجديد “GLM-4.5″، مدعية أنه يتفوق من حيث الكفاءة والتكلفة على نموذج “ديب سيك”.

في إعلانها الصادر يوم الاثنين، أكدت شركة Z.ai أن تكلفة تشغيل واستخدام GLM-4.5 ستكون أقل من نظيرتها في “ديب سيك”، ما يمنحها ميزة تنافسية قوية في سوق تتسم بالسرعة والتغير المستمر. هذه الخطوة تشير إلى أن الصين لا تسعى فقط إلى مواكبة التطورات العالمية في هذا المجال، بل تسير بخطى حثيثة نحو التفوق فيه من خلال التركيز على تقنيات أكثر تطوراً، وأقل تكلفة.
ما يميز نموذج GLM-4.5 عن غيره من النماذج المتوفرة حالياً، وفقاً لتصريحات الشركة، هو أنه يعتمد على مبدأ “الذكاء الاصطناعي الوكيل” أو ما يُعرف بـ Agentic AI. هذا النهج لا يعتمد فقط على معالجة المهام مباشرة، بل يقوم النموذج تلقائياً بتقسيم المهمة المعطاة إلى سلسلة من المهام الفرعية الصغيرة، ويعمل على تنفيذ كل منها بدقة أكبر. هذه الطريقة تُحاكي التفكير البشري إلى حد ما، حيث يقوم الإنسان غالباً بتفكيك المشكلات المعقدة إلى عناصر بسيطة لحلها بطريقة أكثر فاعلية.
هذا التطور يفتح الباب أمام استخدامات أكثر تقدماً للذكاء الاصطناعي، مثل الإدارة الذاتية للمهام، والتفاعل متعدد المراحل مع المستخدمين، والقدرة على تقديم حلول مركبة لمشكلات معقدة دون الحاجة لتدخل بشري مباشر في كل خطوة. وفي حال أثبت نموذج GLM-4.5 فعاليته على أرض الواقع، فإنه قد يشكل نقطة تحول جديدة في سوق النماذج الذكية، وقد يُرغم الشركات العالمية الكبرى على إعادة النظر في استراتيجياتها التسعيرية والتقنية.
من الجدير بالذكر أن الصين أصبحت في طليعة الدول التي تستثمر بكثافة في تقنيات الذكاء الاصطناعي، سواء من خلال القطاع العام أو الخاص. ويرى المراقبون أن دخول شركات مثل Z.ai في سباق النماذج اللغوية المتقدمة يعكس نضج السوق التقنية الصينية، وتطور بنيتها التحتية الرقمية، فضلاً عن الكفاءات البشرية التي تقود هذه الابتكارات.
في المجمل، يبدو أن نموذج GLM-4.5 لا يمثل مجرد إصدار جديد ضمن سلسلة طويلة من نماذج الذكاء الاصطناعي، بل قد يكون مؤشراً على تحول كبير في طريقة تصميم هذه النماذج، وأسلوب تفاعلها مع المستخدمين، واستراتيجيات تسويقها عالمياً. وإذا ما واصلت الشركات الصينية هذا النسق المتسارع من الابتكار، فقد نشهد قريباً إعادة رسم خريطة الذكاء الاصطناعي العالمي بشكل جذري.
النموذج الجديد مفتوح المصدر، مما يجعله متاحاً مجاناً للمطورين لتحميله واستخدامه.
قال تشانغ بينغ، الرئيس التنفيذي لشركة “زد إيه آي” (Zhipu AI)، في تصريح لشبكة CNBC يوم الاثنين، إن نموذج الذكاء الاصطناعي الجديد GLM-4.5 يتميز بحجمه الصغير، إذ يعادل تقريباً نصف حجم نموذج “ديب سيك”، ولا يتطلب تشغيله سوى ثماني شرائح من نوع إنفيديا H20.
تُعد H20 الشريحة التي خصصتها شركة إنفيديا للأسواق الصينية تماشياً مع القيود المفروضة من الولايات المتحدة على صادرات الرقائق. ورغم أن إنفيديا أعلنت مؤخراً عن استئناف مبيعاتها في الصين بعد توقف دام ثلاثة أشهر، إلا أن موعد بدء الشحنات لا يزال غير محدد.
وأكد تشانغ أن الشركة لا تحتاج حالياً لشراء المزيد من الشرائح، نظراً لامتلاكها قدرات حوسبة كافية. لكنه امتنع عن الإفصاح عن التكلفة الإجمالية التي أنفقتها “زد إيه آي” لتدريب نموذجها.
يُذكر أنه في يناير الماضي، أثارت شركة “ديب سيك” اهتمام المستثمرين بعد إعلانها تطوير نموذج ذكاء اصطناعي قادر على تجاوز قيود التصدير الأميركية، بل ومنافسة “تشات جي بي تي” التابع لشركة “أوبن إيه آي”، من حيث كفاءة الأداء وتكاليف التشغيل.
وذكرت “ديب سيك” أن كلفة تدريب نموذجها V3 لم تتجاوز 6 ملايين دولار، على الرغم من أن محللين أشاروا إلى أن هذا الرقم لا يشمل الإنفاق الطويل الأمد على البنية التحتية، والذي قدّر بأكثر من 500 مليون دولار.
من جانبها، حددت “زد إيه آي” تسعيرة استخدام نموذجها عند 11 سنتاً لكل مليون رمز إدخال، مقارنة بـ 14 سنتاً لنموذج “ديب سيك R1″، و28 سنتاً لكل مليون رمز إخراج، مقارنة بـ 2.19 دولار لـ”ديب سيك”.
يُذكر أن الرموز (Tokens) تُستخدم كوحدة قياس لحجم البيانات التي تعالجها نماذج الذكاء الاصطناعي.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، أطلقت شركة “مون شوت” المدعومة من “علي بابا” منصتها الجديدة “Kimi K2″، والتي زعمت أنها تتفوق على “تشات جي بي تي” و”Claude” من شركة Anthropic في بعض مهام البرمجة. ووفقاً لموقعها الإلكتروني، تُسعَّر خدماتها بـ 15 سنتاً لكل مليون رمز إدخال، و2.50 دولار لكل مليون رمز إخراج.
وفي أواخر يونيو، أصدرت “أوبن إيه آي” تحذيراً بشأن التقدم السريع الذي تحققه الصين في مجال الذكاء الاصطناعي، مشيرة بالاسم إلى شركة “زد إيه آي”.
تأسست “زد إيه آي” عام 2019، وتخطط بحسب ما ورد، لطرح أسهمها في اكتتاب عام أولي داخل منطقة الصين الكبرى.
وقد جمعت الشركة حتى الآن أكثر من 1.5 مليار دولار من مستثمرين كبار، من بينهم “علي بابا”، “تينسنت”، و”تشيمينغ فينشر بارتنرز”، إضافة إلى “بروسبيريتي سفن فينشرز” المدعومة من “أرامكو”، وصناديق بلدية من مدينتي هانغتشو وتشنغدو، وفقاً لبيانات من منصة “بيتشبوك”.