تقنية

الإلكترونيات

مع تصاعد حدة الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، بدأت آثارها تمتد بشكل ملموس خارج نطاق الأسواق المالية، لتطال حياة المستهلكين بشكل مباشر، ما ينذر بأزمة تلوح في الأفق داخل سوق الإلكترونيات العالمي. فقد أدّت السياسة التصعيدية التي تنتهجها واشنطن، وخاصة في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، إلى زعزعة استقرار سلاسل التوريد العالمية، التي تعتمد بشكل كبير على التصنيع في الصين وتايوان.

أطلقت شركة “بيجاترون” التايوانية

سوق الإلكترونيات العالمي
سوق الإلكترونيات العالمي

التي تُعد من الموردين الرئيسيين لشركات تكنولوجية عملاقة مثل “أبل” و”ديل”، تحذيراً جدياً بشأن احتمال حدوث نقص ملحوظ في الأجهزة الإلكترونية خلال الأشهر القادمة. ويُعزى هذا النقص إلى سياسة الرسوم الجمركية العالية التي فرضتها الإدارة الأميركية على الواردات الصينية، وهو ما أدى إلى زيادة في التكاليف، وتباطؤ في الإنتاج، واضطراب في عمليات الشحن والتوزيع.

تمثل تايوان مركزاً حيوياً في الصناعة التقنية العالمية

حيث تعتمد عليها كبرى الشركات الأميركية في تصنيع أجزاء دقيقة وأساسية في الهواتف الذكية، وأجهزة الكمبيوتر المحمولة، واللوحات الأم، ومكونات أخرى متقدمة. ومع تعرض هذا المركز الصناعي لضغوط تجارية وجيوسياسية متزايدة، تتزايد المخاوف من تداعيات سلبية تطال الاقتصاد العالمي بأسره.

وقد بدأت بعض الشركات بإعادة تقييم استراتيجياتها الصناعية، والبحث عن بدائل خارج الصين وتايوان، في محاولة لتقليل الاعتماد على منطقة شرق آسيا. إلا أن هذه البدائل، مثل الهند أو فيتنام، لا تزال في مراحلها الأولى من حيث التطوير الصناعي، ولا تملك البنية التحتية المتقدمة التي توفرها الصين، مما يجعل عملية الانتقال مكلفة وتستغرق وقتاً طويلاً.

ومع تفاقم الوضع، يخشى مراقبون من حدوث ارتفاع كبير في أسعار الإلكترونيات الاستهلاكية مثل الهواتف الذكية، وأجهزة الكمبيوتر، وأجهزة التلفاز، ما سينعكس سلباً على المستهلكين حول العالم، خصوصاً في ظل طلب عالمي متزايد على هذه المنتجات.

التوترات بين بكين وواشنطن لا تقتصر على الجانب الاقتصادي فقط

بل تمتد إلى أبعاد استراتيجية، حيث يعتبر كثيرون أن الصراع التجاري هو وجه من أوجه التنافس على الهيمنة التكنولوجية العالمية، لا سيما في قطاعات الذكاء الاصطناعي، والرقائق الإلكترونية، وشبكات الجيل الخامس. وهذا ما يجعل من هذه الحرب التجارية أكثر تعقيداً من مجرد نزاع على الرسوم الجمركية، بل صراعاً ممتداً قد يعيد تشكيل خريطة الاقتصاد العالمي.

في ضوء ذلك، تدعو المؤسسات الدولية إلى ضرورة تبني حوار تجاري بنّاء بين القوتين الاقتصاديتين الأكبر في العالم، لتفادي انزلاق الأسواق نحو أزمة أعمق، قد تكون لها تبعات طويلة الأمد على نمو الاقتصاد العالمي واستقراره.

في تصريحات أدلى بها لوكالة “رويترز”، أعرب رئيس شركة “بيجاترون”، تي. إتش. تونج، عن قلقه العميق إزاء سياسات إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وخاصة تلك المتعلقة بالرسوم الجمركية الانتقامية، والتي بلغت في بعض الحالات 25% إضافية. وأشار إلى أن هذه السياسات قد تؤدي إلى نقص حاد في المعروض من المنتجات مع حلول فصل الصيف، ما قد ينعكس سلباً على السوق الأميركية.

بحسب ما ورد في تقرير نشره موقع “Gizmodo”

أن رفوف المتاجر في الولايات المتحدة قد تصبح شبيهة بتلك الموجودة في بعض دول العالم الثالث، حيث يذهب المستهلكون للتسوق فلا يجدون المنتجات الأساسية متوفرة. ويرى أن هذه الصورة، التي تبدو بعيدة عن الواقع الأميركي، قد تتحقق في حال استمرار السياسة التجارية المتخبطة التي تنتهجها الحكومة.

وبيّن تونج أن الرسوم الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة على عدد من المنتجات الصينية، والتي وصلت في بعض الحالات إلى 145%، تُمثل عبئاً كبيراً على الشركات العاملة في مجال التصنيع والتوزيع. هذا العبء، في نهاية المطاف، سينتقل إلى المستهلكين الذين سيتحملون تكاليف أعلى، وهو ما سيؤثر على القوة الشرائية ويزيد من التوتر الاقتصادي في البلاد.

بحسب ما صرح به تونج لا تكمن فقط في ارتفاع التكاليف

بل في عدم وضوح الرؤية الذي تفرضه هذه السياسات، ما يُصعّب على الشركات التخطيط للمستقبل أو وضع استراتيجيات طويلة المدى. هذا الضباب في المشهد التجاري يدفع الشركات إلى الترقب والحذر، وإلى تأجيل الاستثمارات أو التوسعات، الأمر الذي قد يؤدي إلى تباطؤ اقتصادي فعلي.

في هذا السياق، سعت شركة “أبل” إلى اتخاذ خطوات سريعة للتكيّف مع هذه المستجدات، فبادرت بنقل أجهزة آيفون بقيمة ملياري دولار من الهند إلى الولايات المتحدة قبيل دخول الرسوم الجديدة حيز التنفيذ. كما بدأت بتحويل جزء من سلاسل التصنيع من الصين إلى دول بديلة مثل الهند، حيث لا تزال الرسوم الجمركية أقل نسبياً وتصل إلى نحو 10%.

هذا التوجه لا يخلو من التحديات

إذ تفيد تقارير بأن الهند تدرس رفع رسومها إلى 26% بحلول يوليو، في حال عدم التوصل إلى اتفاقيات تجارية جديدة مع الولايات المتحدة، ما يجعل استقرار هذه الاستراتيجية أمراً غير مضمون.

ورغم إعلان إدارة ترامب عن إعفاء مؤقت للهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر من الرسوم الجديدة، إلا أن وزير التجارة الأميركي، هوارد لوتنيك، أكد أن هذا الإعفاء ليس دائماً، وأن تعريفات إضافية قد تُطبق خلال أشهر قريبة.

في ظل هذا التخبط، تجد الشركات نفسها في وضع لا يسمح لها بوضع خطط طويلة الأجل، ما قد يؤدي إلى تراجع في الإنتاج ووفرة السلع. ويرى مراقبون أن المستهلك الأميركي قد يُفاجأ في الصيف القادم بنقص واضح في الأجهزة الإلكترونية التي اعتاد على توفرها، ما يعكس آثار هذه السياسات على الحياة اليومية للمواطنين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى