ديب سيك

شركة “ديب سيك” تفرض قواعد جديدة لتمييز محتوى الذكاء الاصطناعي في الصين
في خطوة تُعد جزءًا من جهود متزايدة لتعزيز الشفافية الرقمية، أعلنت شركة “ديب سيك” الصينية، وهي شركة متخصصة في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، عن فرض قواعد جديدة تلزم بوضوح تمييز المحتوى الذي يتم إنشاؤه بواسطة تقنيات الذكاء الاصطناعي. وتهدف هذه القواعد إلى ضمان أن يعرف المستخدمون ما إذا كان المحتوى الذي يشاهدونه قد تم إنشاؤه بواسطة آلة أو بواسطة بشر.

وبحسب إشعار رسمي صادر عن الشركة، فإن جميع المنتجات أو المواد التي تُنتج عبر أنظمة الذكاء الاصطناعي التابعة لـ “ديب سيك” يجب أن تتضمن علامات واضحة وصريحة تشير إلى أنها من إنتاج الذكاء الاصطناعي، وليست من إبداع الإنسان. ووفقًا لتقرير نشره أحد المواقع المعنية بالتكنولوجيا، فإن هذا القرار جاء استجابة للمخاوف المتزايدة من احتمالية إساءة استخدام هذه التكنولوجيا، سواء في نشر معلومات مضللة، أو في التأثير السلبي على الرأي العام، أو حتى في التلاعب بالمحتوى الإعلامي والاجتماعي.
تشير هذه الخطوة إلى اتجاه متزايد في الصين، وربما في العالم بأسره، نحو تنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي، خاصة فيما يتعلق بإنتاج المحتوى الإعلامي والمرئي. ويبدو أن هذه السياسات الجديدة تعكس قلقًا متصاعدًا من تطور أدوات الذكاء الاصطناعي إلى درجة تجعل من الصعب التمييز بين المحتوى البشري والمحتوى الاصطناعي، مما يهدد بمحو الخط الفاصل بين الحقيقة والخيال في البيئة الرقمية.
وتُعد “ديب سيك” واحدة من أبرز الشركات العاملة في مجال الذكاء الاصطناعي في الصين، حيث تطوّر مجموعة من الأدوات الذكية القادرة على توليد نصوص وصور وصوتيات وحتى فيديوهات بشكل تلقائي، اعتمادًا على تقنيات تعلم الآلة والشبكات العصبية. وبهذا القرار، فإنها تسعى إلى تقليل فرص استغلال هذه الأدوات في إنشاء محتوى مزيف أو مضلل، وهو ما أصبح مشكلة عالمية مؤخرًا، خاصة مع انتشار تقنية “التزييف العميق” (Deepfake).
من جانب آخر، يرى بعض المراقبين أن هذه الإجراءات قد تمثل بداية لموجة جديدة من التنظيمات التي ستلزم جميع شركات التكنولوجيا باتباع سياسات واضحة فيما يخص المحتوى الاصطناعي. فمع تسارع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي، أصبح من الضروري وضع أطر تشريعية وتقنية لتوجيه استخدام هذه الأدوات، بما يضمن أمن المعلومات وسلامة المجتمعات الرقمية.
وفي الوقت الذي تعمل فيه “ديب سيك” على تنفيذ هذا القرار داخليًا، يُتوقع أن تحذو شركات أخرى حذوها، سواء في الصين أو في مناطق أخرى من العالم، ما قد يسهم في بناء ثقة المستخدمين في المحتوى الرقمي، ويُعزز من الشفافية والمصداقية في الفضاء الإلكتروني.
في إطار تعزيز الشفافية والمسؤولية في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، أطلقت شركة “ديب سيك” معايير جديدة تفرض تضمين علامات مميزة داخل المحتوى الذي يُنتجه الذكاء الاصطناعي، بهدف تعريف المستخدمين بمصدر المحتوى وضمان قابلية تتبعه. وتنقسم هذه العلامات إلى نوعين رئيسيين: علامات مرئية وأخرى تقنية مخفية.
العلامات المرئية تُعرض بشكل واضح للمستخدم، ويمكن أن تكون على شكل نصوص توضح أن المحتوى “مولد بواسطة الذكاء الاصطناعي”، أو إشعارات صوتية، أو رموز ورسومات تظهر ضمن الواجهة. الهدف من هذه العلامات هو إعلام المستخدم بطريقة مباشرة بأن المحتوى قد تم إنشاؤه بواسطة نظام ذكاء اصطناعي، ما يعزز الشفافية ويمنح المستخدمين القدرة على التمييز بين المحتوى البشري والمولد آليًا.
أما العلامات التقنية المخفية، فهي أكثر تعقيدًا، وتُدمج في البيانات الداخلية للمحتوى دون أن تكون مرئية للمستخدم العادي. تشمل هذه العلامات تفاصيل مثل نوع النموذج المستخدم في إنشاء المحتوى، والشركة المطورة له، ورقم تعريفي فريد يتيح تتبع أصل المادة. هذه العلامات مصممة بطريقة تمنع إزالتها أو التلاعب بها، وتُستخدم بشكل أساسي لأغراض المراقبة والتوثيق.
من أجل ضمان فعالية هذه الإجراءات، منعت “ديب سيك” بشكل قاطع استخدام أي أدوات أو خدمات قد تساعد على إزالة أو تعديل هذه العلامات. كما شددت على أن أي محاولة للتلاعب بها تُعد انتهاكًا صارخًا للسياسات، وقد تترتب عليها عواقب قانونية. ويهدف هذا النهج إلى حماية مصداقية المحتوى، وردع الجهات التي قد تستخدم الذكاء الاصطناعي لأغراض خادعة أو مضللة.
ولتعزيز الفهم العام لتقنياتها، أصدرت “ديب سيك” دليلًا فنيًا شاملاً يوضح كيفية تدريب نماذجها، والبيانات التي تعتمد عليها، وآلية توليد المحتوى. تؤكد الشركة أن هذا الدليل يأتي ضمن جهودها لتمكين الأفراد من استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول، وتعزيز وعي المستخدمين بمصدر المعلومات التي يتلقونها.
وتتماشى هذه الإجراءات مع لوائح حكومية صينية جديدة تنص على ضرورة تضمين علامات قابلة للتتبع في جميع المحتويات التي تُنتج باستخدام الذكاء الاصطناعي. وتُلزم القواعد الشركات التقنية بضمان الامتثال الكامل لهذه المتطلبات، وتحملها المسؤولية القانونية في حال حدوث أي خرق.
في جانب آخر، واصلت “ديب سيك” الابتكار التقني بإصدار النسخة 3.1 من نموذجها، والتي تتميز بسياق رمزي يبلغ 128 ألف رمز و685 مليار معلمة، ما يساهم في توحيد المنطق والمهام عبر مختلف المجالات. ومع ذلك، لا يزال نموذج R2 متأخرًا مقارنة بهذا التقدم.
ومن ناحية الأداء، كشفت التقارير عن أن وحدات معالجة الرسومات GB300 من شركة “إنفيديا” توفر أداءً أعلى بستة أضعاف من وحدات H100 على نموذج DeepSeek R1، مما يمهد الطريق لتحقيق مكاسب كبيرة في كفاءة تشغيل الذكاء الاصطناعي، ويعزز قدرته على التوسع في بيئات المؤسسات.
في المجمل، تعكس هذه التحركات من “ديب سيك” توجهًا عالميًا متزايدًا نحو تنظيم المحتوى الذي يُنشئه الذكاء الاصطناعي، وضمان أن يتم استخدام هذه التكنولوجيا المتقدمة بطرق شفافة وآمنة تخدم مصلحة المجتمع.