تقنية

ديب سيك

في الأسابيع الأخيرة أعلنت شركة ديب سيك الصينية الناشئة المتخصصة في مجال الذكاء الاصطناعي عن إطلاق إصدارين جديدين من نموذجها التجريبي الذي كانت قد طرحته قبل مدة قصيرة مؤكدة أن هذه الإصدارات تأتي مزودة بقدرات مطورة تهدف إلى تعزيز قدرة النموذج على التفكير المنهجي وتنفيذ المهام بصورة أكثر استقلالية مقارنة بما كان عليه في النسخة السابقة. وكانت الشركة قد قدمت في سبتمبر نموذجا يحمل اسم ديب سيك في ثلاثة فاصلة اثنان إكس بي بوصفه نسخة تجريبية أولية تهدف إلى اختبار قدرات خوارزميات التفكير المتتابع ومحاكاة أساليب اتخاذ القرار إلا أن التحديث الجديد الذي يأتي تحت اسم ديب سيك في ثلاثة فاصلة اثنان يشير إلى انتقال النموذج من مرحلة التجريب الأولى إلى مرحلة أكثر نضجا واستقرارا من حيث الأداء والاعتمادية.

ديب سيك
ديب سيك

ويبدو أن الشركة تسعى من خلال هذه الخطوة إلى تعزيز حضورها في سوق الذكاء الاصطناعي العالمي الذي يشهد منافسة شديدة خاصة مع تزايد الإقبال على النماذج القادرة على الدمج بين التفكير والاستدلال والقدرة على تنفيذ مهام متقدمة من دون الحاجة إلى توجيه مستمر من المستخدم. ويرجح أن هذه التحديثات قد شملت تحسينات جوهرية في طريقة معالجة البيانات وزيادة كفاءة فهم السياق وتعزيز مهارات التخطيط التي تسمح للنموذج باتخاذ خطوات مرحلية للوصول إلى نتائج أكثر دقة وثباتا. كما تشير الشركة إلى أن النموذج المطور صار قادرا على تحليل مشكلات أعقد وتقديم حلول أكثر تفصيلا مع قدرة أكبر على إجراء مهام شبه مستقلة اعتمادا على بنية جديدة أكثر ترابطا داخل الشبكة العصبية.

ومن بين الأهداف التي يبدو أن ديب سيك تعمل على تحقيقها من خلال هذه النسخة الجديدة هو جعل النموذج قادرا على سد الفجوة بين التفكير النظري والتنفيذ العملي إذ بات التركيز ينصب على جعل الذكاء الاصطناعي قادرا على تحويل الاستنتاجات التي يصل إليها إلى إجراءات قابلة للتنفيذ من دون الحاجة إلى توجيهات متكررة. ويتماشى هذا التوجه مع التوجهات العالمية في تطوير الذكاء الاصطناعي بحيث يصبح أكثر قدرة على العمل كوكيل مستقل يساعد في حل المشكلات واتخاذ القرارات وتنفيذ خطوات معقدة بشكل متسلسل.

ومن خلال الإعلان الأخير تظهر ديب سيك رغبتها في إثبات قدرتها التنافسية أمام الشركات الكبرى العاملة في نفس المجال خصوصا تلك التي تطور نماذج كبيرة متعددة الأغراض تعتمد على تقنيات متقدمة في فهم اللغة والتحليل المنطقي. ويعكس هذا الإعلان كذلك طموح الشركة في أن تصبح لاعبا محوريا في سوق الذكاء الاصطناعي من خلال تقديم حلول مبتكرة تسهم في تطوير التطبيقات الصناعية والعلمية والتعليمية وغيرها. كما يفهم من حديث الشركة أن النموذج الجديد يعتمد على تحسينات عميقة في بنية التدريب والخوارزميات وإدارة الذاكرة الداخلية مما يسمح له بالعمل بكفاءة أكبر في معالجة كم كبير من المعلومات وتحليل المسائل المعقدة بصورة أكثر سرعة ودقة.

وبشكل عام يشير إطلاق هذه النسخة المطورة إلى رغبة ديب سيك في تقديم نموذج قادر على الارتقاء بقدرات الذكاء الاصطناعي من مرحلة الأداء التقليدي إلى مرحلة أكثر تقدما تجمع بين قوة الاستنتاج والقدرة على التنفيذ العملي بما يمهد الطريق امام تطبيقات مستقبلية واسعة في مختلف المجالات.

تؤكد الشركة الناشئة ديب سيك أن نموذجها الجديد يقدم أداء يقارب أداء نموذج جي بي تي خمسة الذي يعد أحد أبرز النماذج المطورة في وادي السيليكون وذلك في مجموعة واسعة من اختبارات التفكير المتقدمة. ويشير هذا الإعلان إلى أن النماذج الصينية مفتوحة المصدر ما زالت قادرة على تقديم منافسة حقيقية للنماذج العالمية المغلقة التي تشتهر بقدراتها العالية. ويأتي هذا التأكيد في تقرير نشرته وكالة بلومبرغ واطلعت عليه العربية بزنس موضحا أن التقدم الحاصل في هذه النماذج ليس خطوة عابرة بل تطور متسارع يعكس نضوجا متزايدا في قطاع الذكاء الاصطناعي داخل الصين.

وذكرت ديب سيك أن إصدار في ثلاثة فاصلة اثنان يجمع بين القدرة على محاكاة ما يشبه أساليب التفكير البشري والقدرة على استخدام أدوات متعددة مثل محركات البحث وآليات تنفيذ الأكواد والآلات الحاسبة مما يمنحه مرونة عالية عند التعامل مع المهام المعقدة التي تتطلب تحليلا منظما وتفكيرا متدرجا. كما أوضحت الشركة في منشور لها على منصة اكس أن هذا النموذج هو أول نسخة تدمج التفكير مع استخدام الأدوات بشكل مباشر مع دعم أنماط متنوعة في العمل سواء اعتمد المستخدم على التفكير التفصيلي أو على معالجة سريعة لا تعتمد تلك الخطوات.

وقد وصفت الشركة النسخة التجريبية من هذا النموذج بأنها خطوة أساسية في الطريق نحو الجيل الجديد من تقنيات الذكاء الاصطناعي إذ ترى ديب سيك أن هذه التطورات تمثل أساسا لمرحلة تتسم بقدرات أعلى على الاستدلال وإمكانات أوسع في فهم البيانات المعقدة واتخاذ القرارات بناء عليها بصورة أقرب إلى التفكير الحقيقي.

وأطلقت الشركة أيضا إصدارا آخر يحمل اسم في ثلاثة فاصلة اثنان سبيشالي يركز على القدرات الحسابية المتقدمة وعلى مهارات التفكير الطويل المدى. ووفق ما ذكرته الشركة فإن الهدف من هذا النموذج هو دفع قدرات الاستدلال في النماذج مفتوحة المصدر إلى أقصى الحدود الممكنة واستكشاف مدى ما يمكن أن تصل إليه هذه الأنظمة عند تدريبها بطرائق جديدة تستند إلى تجارب مكثفة في المسائل الرياضية والمنطقية. وأشارت الشركة إلى أن هذا النموذج يضاهي أداء أحدث إصدارات شركة غوغل وبخاصة نموذج جيميني ثلاثة برو كما حقق نتائج بمستوى الميدالية الذهبية في اختبارات مرجعية دولية مثل أولمبياد الرياضيات وأولمبياد المعلوماتية.

وأضافت ديب سيك أنها طورت أسلوبا جديدا لتدريب وكلاء الذكاء الاصطناعي مما يعد مؤشرا إلى أن المختبر يعمل على مضاعفة جهوده البحثية بهدف الوصول إلى أساليب تدريب تجعل معالجة البيانات أسرع وأكثر كفاءة. وتؤكد هذه الخطوات المتلاحقة أن الشركة تسعى للحفاظ على موقعها في المشهد التنافسي للذكاء الاصطناعي خاصة بعد النجاح الكبير الذي حققته في يناير عندما قدمت نموذجا غير مسبوق أحدث تغييرا واسعا في الصناعة.

وخلال الأسبوع الماضي أعلنت الشركة أيضا عن إطلاق نموذج جديد مفتوح المصدر يحمل اسم ديب سيك ماث نسخة اثنان والذي أظهر قدرة قوية في التعامل مع برهنة النظريات الرياضية مما يشير إلى أن مسار التطوير يسير بثبات نحو توسيع القدرات وتحسين جودة النماذج في مجالات متعددة تمتد من الاستدلال المنطقي إلى التحليل العلمي الدقيق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى