إنفيديا

قال جنسن هوانغ، الرئيس التنفيذي لشركة إنفيديا، يوم الأربعاء، إن الشركة تعتزم توسيع نطاق شحن شرائح أشباه الموصلات الأكثر تقدمًا إلى السوق الصينية، وذلك في خطوة تهدف إلى تعزيز المبيعات في ثاني أكبر اقتصاد عالمي. وتأتي هذه التصريحات في سياق رغبة إنفيديا في استعادة زخم النمو في الصين، والتي تعد سوقًا حيوية لشركات التكنولوجيا الكبرى، خاصة في مجال الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات.

وجاءت تصريحات هوانغ بعد إعلان الشركة يوم الاثنين عن استئناف مبيعات شريحة الذكاء الاصطناعي H20 إلى الصين. وتُعتبر شريحة H20 من أشباه الموصلات الأقل تقدمًا مقارنة بالأجيال الحديثة، حيث تم تصميمها لتناسب متطلبات وأحمال عمل الذكاء الاصطناعي ضمن القيود التي تفرضها الولايات المتحدة على تصدير التكنولوجيا إلى الصين.
وفقًا لتقرير نشرته شبكة “سي إن بي سي”، فإن هذه الشرائح تُعد متوافقة مع قواعد التصدير الأميركية، التي تهدف إلى الحد من انتقال التكنولوجيا المتقدمة إلى الصين، مما يضع إنفيديا في موقف يتطلب التوازن بين الاستفادة من السوق الصينية الكبيرة وبين الامتثال للقيود الحكومية.
تمثل الصين سوقًا استراتيجية حاسمة بالنسبة لإنفيديا، خصوصًا مع النمو المتسارع في تقنيات الذكاء الاصطناعي وتطبيقاتها المختلفة في القطاعات الصناعية والتجارية. ويعكس قرار الشركة استئناف شحن شرائح H20 توجهًا نحو تعزيز حضورها في السوق الصينية، رغم التحديات السياسية والاقتصادية القائمة.
تأتي هذه الخطوة ضمن جهود إنفيديا لمواجهة تباطؤ المبيعات العالمية وتراجع الطلب على الشرائح المتطورة نتيجة لتوترات التجارة الدولية والقيود المفروضة على التصدير. ويأمل هوانغ في أن تتيح الشرائح الأقل تقدمًا للشركة الاستمرار في تحقيق إيرادات من السوق الصينية، مع الحفاظ على الالتزام بالقوانين الأميركية.
تجدر الإشارة إلى أن قطاع أشباه الموصلات يعتبر من أكثر القطاعات التقنية حساسية على الصعيد الدولي، حيث تتنافس القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين على السيطرة على تقنيات المستقبل، ولا سيما في مجالات الذكاء الاصطناعي والحوسبة المتقدمة.
إن استئناف مبيعات شريحة H20 يعكس نهج إنفيديا في التكيف مع المتغيرات الجيوسياسية والاقتصادية، من خلال تقديم حلول تقنية تلبي احتياجات العملاء الصينيين ضمن الأطر التنظيمية المتاحة. ويُتوقع أن تساهم هذه الاستراتيجية في دعم نمو الشركة على المدى المتوسط، مع استمرار متابعة تطورات العلاقات التجارية بين البلدين.
باختصار، يؤكد جنسن هوانغ أن إنفيديا تسعى بنشاط إلى تعزيز شحنات شرائح أشباه الموصلات إلى الصين، مع التركيز على تقديم منتجات متوافقة مع القيود الأميركية، بهدف إعادة تنشيط المبيعات في سوق حيوي ومتنامٍ، وسط بيئة معقدة تتطلب توازنًا دقيقًا بين الفرص التجارية والالتزامات التنظيمية.
خلال مؤتمر صحافي في بكين، أعرب هوانغ، الرئيس التنفيذي لشركة إنفيديا، عن أمله في أن تتمكن الشركة من الحصول على شرائح أكثر تطورًا من شريحة H20 داخل السوق الصينية، مشيرًا إلى أن التكنولوجيا في تطور مستمر. وقال هوانغ: “اليوم تعتبر شريحة Hopper متقدمة جدًا، لكن مع مرور الوقت سنشهد ظهور تقنيات أفضل وأحدث. ومن المتوقع أن تتحسن كل المنتجات المسموح لنا ببيعها في الصين بشكل تدريجي مع مرور الزمن.”
تأتي تصريحات هوانغ في ظل التوترات المستمرة بين الولايات المتحدة والصين فيما يخص التجارة والتكنولوجيا، والتي أدت إلى فرض قيود صارمة على تصدير بعض التقنيات، وخاصة الرقائق الإلكترونية المتقدمة، إلى الصين. وأجبرت هذه القيود شركة إنفيديا على تكييف استراتيجيتها من خلال تطوير أشباه موصلات تتوافق مع اللوائح الأمريكية الجديدة، ومن بينها شريحة H2O التي تم تصميمها لتجنب الوقوع تحت نطاق الحظر.
رغم هذه المحاولات، تكبدت إنفيديا خسائر مالية كبيرة بسبب تراكم مخزون شريحة H2O التي لم تتمكن من بيعها في السوق الصينية بسبب القيود. ففي مايو الماضي، أعلنت الشركة عن خسارة تقدر بـ4.5 مليار دولار مرتبطة بهذا المخزون غير المباع. وأوضحت الشركة أن مبيعاتها في الربع المالي الأخير كان من الممكن أن ترتفع بمقدار 2.5 مليار دولار لولا هذه القيود.
يحاول هوانغ تحقيق توازن دقيق بين دعم السياسات الأمريكية التي تهدف إلى إعادة تصنيع الرقائق داخل الولايات المتحدة، وبين الدعوة إلى تعديل القيود المفروضة على صادرات التكنولوجيا إلى الصين. ويؤكد أن سوق الذكاء الاصطناعي في الصين يمتلك إمكانيات ضخمة، وقد تصل قيمته إلى 50 مليار دولار خلال السنتين إلى الثلاث سنوات القادمة، معتبراً أن استبعاد الشركات الأمريكية من هذا السوق يمثل خسارة كبيرة.
وفي تصريح خلال زيارته لبكين، قال هوانغ إن “القيود المفروضة على التصدير خارجة عن إرادتنا، وقد تؤثر سلبًا على أعمالنا. نحن فقط نبلغ الحكومات بتبعات السياسات التي تتبعها وما قد تسببه من عواقب غير مقصودة.” هذا الموقف يعكس محاولة الشركة لتهدئة التوترات بين الطرفين مع إبقاء باب الحوار مفتوحًا.
في الوقت نفسه، وضعت إنفيديا خطة لإطلاق المزيد من الشرائح المتطورة، رغم استمرار الغموض حول ما إذا كانت الإدارة الأمريكية ستسمح لها بتصدير هذه المنتجات إلى الصين في المستقبل القريب. على الجانب الرسمي، أشار وزير التجارة الأمريكي هوارد لوتنيك إلى أن الولايات المتحدة ستستمر في السماح ببيع الرقائق إلى الصين طالما تعتمد الشركات الصينية على التكنولوجيا الأمريكية.
وقال لوتنيك: “الصينيون قادرون تمامًا على تطوير رقائقهم الخاصة، لكن هدفنا هو البقاء دائمًا خطوة متقدمة عليهم، لكي يستمروا في شراء شرائحنا.” هذه السياسة تظهر حرص الولايات المتحدة على الحفاظ على تفوقها التكنولوجي من جهة، وعلى إبقاء قنوات التبادل التجاري مفتوحة في مجال التكنولوجيا الحساسة من جهة أخرى.
بشكل عام، تعكس تصريحات هوانغ والقرارات الأمريكية توازنًا دقيقًا بين المنافسة التكنولوجية والتعاون التجاري، وسط واقع معقد يفرضه الصراع الأمريكي الصيني على ريادة التكنولوجيا الحديثة. وفي ظل هذه الظروف، تبقى شركة إنفيديا في مركز حساس، تحاول الموازنة بين الابتكار وتلبية متطلبات الأسواق العالمية، مع حرصها على ألا تتضرر من القيود السياسية والاقتصادية المتزايدة.