الصين

تضغط الولايات المتحدة على فيتنام في إطار محادثات جارية بشأن الرسوم الجمركية، في محاولة للحد من استخدام التكنولوجيا والمكونات الصينية في الأجهزة الإلكترونية التي تُجمع داخل الأراضي الفيتنامية قبل تصديرها إلى السوق الأميركية، وفق ما أفادت به وكالة “رويترز” يوم الاثنين، نقلاً عن ثلاثة مصادر مطلعة على المفاوضات.
وتركز هذه الجهود الأميركية على تقليل الاعتماد غير المباشر على الصين، حتى في البلدان التي تُعتبر شركاء تجاريين مقربين من واشنطن، مثل فيتنام. وتأتي هذه الضغوط كجزء من استراتيجية أوسع تسعى الولايات المتحدة من خلالها إلى تقليل النفوذ الصناعي والتقني الصيني في سلاسل التوريد العالمية، لا سيما في الصناعات التكنولوجية الحساسة. وتشمل هذه المبادرات مراجعة السياسات التجارية والجمركية مع عدد من الدول الآسيوية التي تحتضن عمليات تجميع كبيرة لمنتجات شركات أميركية أو متعددة الجنسيات.

وتعد فيتنام حالياً مركزاً صناعياً رئيسياً للعديد من شركات التكنولوجيا العملاقة مثل “أبل” و”سامسونغ“، حيث تعتمد هذه الشركات بشكل كبير على مكونات ومعدات تُصنع في الصين، ثم تُنقل إلى فيتنام ليُعاد تجميعها هناك، قبل أن تُشحن إلى الولايات المتحدة. وفي السنوات الأخيرة، سعت هذه الشركات إلى تنويع سلاسل التوريد بعيداً عن الصين، وسط تصاعد التوترات التجارية والجيوسياسية بين واشنطن وبكين. غير أن هذا التحول ما زال جزئياً، حيث تظل الصين مصدراً أساسياً لمجموعة واسعة من المكونات الإلكترونية.
كما أن شركات أخرى مثل “ميتا” و”غوغل” تعتمد على متعاقدين في فيتنام لإنتاج سلع تقنية متطورة تشمل أجهزة الواقع الافتراضي والهواتف الذكية. إلا أن عدداً كبيراً من الأجزاء التي تُستخدم في تصنيع هذه المنتجات لا يزال يُصنّع في الصين، ما يثير قلق السلطات الأميركية بشأن استمرار النفوذ الصيني على المنتجات التي تُستهلك داخل الولايات المتحدة.
وتسعى الولايات المتحدة من خلال هذه المحادثات إلى فرض شروط أو حوافز تجارية جديدة تشجع الشركات على تقليل اعتمادها على التكنولوجيا الصينية في منتجاتها النهائية، حتى وإن تم تجميعها في دول أخرى. ويُعتقد أن واشنطن تدرس خيارات تشمل فرض رسوم إضافية أو تقديم إعفاءات ضريبية مشروطة بمدى استقلال سلاسل التوريد عن الصين.
وترى بعض الأطراف أن هذه الضغوط يمكن أن تُعقد العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة وشركائها التجاريين في آسيا، بينما يعتبرها آخرون فرصة لتعزيز الاستقلالية الصناعية وتقوية التعاون الاستراتيجي مع واشنطن. وفي المقابل، لم تصدر السلطات الفيتنامية تعليقاً رسمياً حول تفاصيل هذه المحادثات، غير أن فيتنام تسعى منذ سنوات إلى جذب الاستثمارات الغربية وتعزيز مكانتها كمركز صناعي بديل للصين.
وتُظهر هذه التطورات استمرار التنافس الأميركي-الصيني في مجالات الاقتصاد والتكنولوجيا، حيث تسعى واشنطن إلى حماية أمنها القومي والتكنولوجي من خلال إعادة تشكيل سلاسل التوريد العالمية.
تعكف الحكومة الفيتنامية حاليًا على عقد اجتماعات مكثفة مع شركات محلية بهدف تعزيز الاعتماد على المكونات الفيتنامية في سلاسل التوريد، وذلك في إطار ضغوط أمريكية متزايدة تهدف إلى تقليص الاعتماد على التكنولوجيا الصينية المتقدمة. وبحسب مصدر مطلع على هذه المناقشات، فإن الشركات الفيتنامية أبدت استعدادًا للتعاون، لكنها في الوقت نفسه حذرت من أن هذا التحول يتطلب وقتًا وتقنيات حديثة لضمان التنفيذ الفعّال.
وتأتي هذه التحركات في ظل تهديدات أطلقتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، بفرض رسوم جمركية تصل إلى 46% على السلع المصنّعة في فيتنام، وهو ما من شأنه أن يُعرّض نموذج فيتنام الاقتصادي، القائم بشكل كبير على التصدير، لخطر كبير. وتهدف الولايات المتحدة من هذه الإجراءات إلى دفع فيتنام إلى تقليل اعتمادها على المكونات الصينية المتقدمة، ضمن استراتيجية أوسع لإعادة هيكلة سلاسل التوريد العالمية.
وقال أحد المصادر إن واشنطن طلبت صراحة من فيتنام أن تخفف من اعتمادها على التكنولوجيا المتقدمة القادمة من الصين، في محاولة لفصل الاقتصاد الأمريكي تدريجيًا عن سلاسل التوريد التي تمر بالصين. وذكر مصدر آخر أن تعزيز القدرات الصناعية الفيتنامية يُعد هدفًا رئيسيًا للولايات المتحدة، مستشهدًا بأجهزة الواقع الافتراضي كمثال على المنتجات التي تُجمّع في فيتنام لكنها تعتمد على تقنيات صينية معقدة.
وبالرغم من هذه المطالب، فإن توقيت ونطاق أي اتفاق محتمل بين الطرفين لا يزال غير واضح، خاصة مع اقتراب الموعد النهائي الذي حددته الولايات المتحدة في 8 يوليو لبدء تطبيق الرسوم الجمركية. وأفادت رويترز بأنها لم تتمكن من التأكد مما إذا كانت واشنطن قد حددت أهدافًا كمية معينة، مثل نسبة المكوّن الصيني المقبول في المنتجات المصنّعة في فيتنام، أو ما إذا كانت ستعتمد نظام رسوم متفاوتة حسب تلك النسب.
وفي العام الماضي، استوردت فيتنام من الصين ما يقارب 44 مليار دولار من المنتجات التكنولوجية، مثل المكونات الإلكترونية وأجهزة الحاسوب والهواتف المحمولة، وهو ما يمثل حوالي 30% من إجمالي صادرات الصين إلى فيتنام. في المقابل، بلغت صادرات فيتنام من المنتجات التكنولوجية إلى الولايات المتحدة نحو 33 مليار دولار، أي ما يعادل 28% من إجمالي صادراتها إلى السوق الأمريكية، مع توقعات باستمرار هذا الاتجاه التصاعدي خلال العام الحالي، بحسب بيانات الجمارك الفيتنامية.
وتسعى واشنطن أيضًا إلى الحد من ظاهرة إعادة تصدير المنتجات الصينية إلى السوق الأمريكية تحت غطاء منشأ “صُنع في فيتنام”، وهي ممارسة تُستخدم لتفادي الرسوم الجمركية المرتفعة على البضائع الصينية. وأكدت مصادر مطلعة أن فيتنام بدأت باتخاذ خطوات جادة لمعالجة هذه المسألة، في محاولة للحفاظ على علاقاتها التجارية مع الولايات المتحدة وتفادي تداعيات اقتصادية محتملة.