سامسونغ

حازت تقنية التبريد المتقدمة “بلتييه” من الجيل الجديد، التي طورتها شركة “سامسونغ” بالتعاون مع مختبر الفيزياء التطبيقية في جامعة جونز هوبكنز، على جائزة R\&D 100 المرموقة لعام 2025. تُعد هذه الجائزة واحدة من أبرز الجوائز العالمية في مجال الابتكار والبحث والتطوير، وغالبًا ما يُشار إليها باعتبارها “جائزة نوبل في الهندسة” أو “أوسكار الابتكار”، نظرًا لما تحمله من تقدير عالمي للتقنيات التي تُحدث أثرًا ملموسًا في العالم العلمي والصناعي.

تُمنح جائزة R\&D 100 سنويًا من قبل مجلة R\&D World ، وتُكرّم من خلالها أكثر 100 تقنية ابتكارية رائدة تم تطويرها خلال العام، والتي تُسهم في دفع حدود البحث العلمي والتكنولوجيا التطبيقية إلى آفاق جديدة. وتحظى هذه الجوائز باهتمام بالغ في أوساط الأكاديميين، الباحثين، والمطورين في مختلف القطاعات، بدءًا من الطاقة والتقنية الحيوية، مرورًا بالإلكترونيات، ووصولًا إلى الصناعات الدفاعية والفضائية.
تقنية “بلتييه” التي قدمتها سامسونغ هذا العام تمثل نقلة نوعية في مجال أنظمة التبريد المصغرة، حيث تعتمد على مبدأ التبريد الكهروحراري الذي يستفيد من التأثير الكهروحراري المعروف باسم تأثير بلتييه. إلا أن ما يميز هذا الجيل الجديد من التقنية هو كفاءته العالية، حجمه فائق الصغر، وقدرته على تقديم حلول تبريد موضعية دقيقة للغاية، مما يفتح آفاقًا واسعة لاستخدامها في الأجهزة الإلكترونية صغيرة الحجم، مثل الهواتف الذكية، والساعات الذكية، والأجهزة الطبية القابلة للارتداء.
وقد تم الكشف عن هذه التقنية لأول مرة في وقت سابق من عام 2025، من خلال دراسة علمية نشرتها مجلة Nature Communications ، إحدى أبرز المجلات العلمية المحكمة على مستوى العالم. تناولت الدراسة نتائج تجارب مخبرية ناجحة أظهرت تفوق هذه التقنية على نظيراتها من حيث الكفاءة الحرارية، الاستهلاك المنخفض للطاقة، وإمكانية التصغير العالية، ما يجعلها مرشحة بقوة لتصبح معيارًا جديدًا في مجال تبريد الإلكترونيات.
يُذكر أن التعاون بين سامسونغ ومختبر الفيزياء التطبيقية في جامعة جونز هوبكنز يُعد نموذجًا ناجحًا للتكامل بين القطاع الصناعي والمؤسسات الأكاديمية، إذ يثمر هذا النوع من الشراكات عن تسريع وتيرة الابتكار وتحويل الأفكار العلمية إلى منتجات فعلية يمكن أن تُحدث تغييرًا في حياة المستخدمين حول العالم. ويُتوقع أن تُحدث تقنية بلتييه الجديدة ثورة في تصميم الأجهزة الإلكترونية، خاصة مع التوجه العالمي نحو تصغير المكونات ورفع كفاءة الأداء في آنٍ واحد.
إن حصول تقنية “بلتييه” الجديدة على جائزة R\&D 100 لهذا العام يعكس أهمية الابتكار المستمر في قطاع التكنولوجيا، ويؤكد أن الاستثمار في البحث العلمي لا يزال السبيل الأمثل لتحقيق التقدم الصناعي والتقني في المستقبل.
في تعاون علمي وتقني بارز، انضم مهندسو شركة “سامسونغ” إلى فريق الأبحاث بقيادة الدكتور راما فينكاتا سوبرامانيان، أحد أبرز الباحثين في مجال الكهرباء الحرارية، للعمل على تحسين أداء وكفاءة أجهزة “بلتيير” باستخدام تقنيات النانو المتقدمة. وتُعد هذه الخطوة جزءًا من مساعي “سامسونغ” المستمرة لتطوير تقنيات تبريد أكثر كفاءة واستدامة، من خلال الاعتماد على مواد صديقة للبيئة بعيدًا عن الأنظمة التقليدية التي قد تسبب أضرارًا بيئية طويلة المدى.
تعتمد تقنية بلتيير على استخدام مواد شبه موصلة لتوليد تأثير حراري عند مرور تيار كهربائي، ما يتيح التبريد دون الحاجة إلى السوائل أو الغازات التقليدية، مثل الفريون، التي تسهم في ظاهرة الاحتباس الحراري. ورغم أن هذه التقنية معروفة منذ عقود، إلا أن محدودية كفاءتها حالت دون انتشار استخدامها على نطاق واسع في التطبيقات اليومية. ولكن، من خلال إدخال تقنية النانو في تصميم وتصنيع المكونات، استطاع فريق البحث تحقيق قفزة نوعية في أداء أجهزة بلتيير.
وقد أسفر هذا التعاون البحثي عن تحسين كفاءة أجهزة بلتيير بنسبة تصل إلى 75% مقارنة بالجيل السابق. والأهم من ذلك، أن هذه الكفاءة العالية تم تحقيقها باستخدام 0.1% فقط من كمية المواد التي كانت تُستخدم سابقًا، وهو ما يمثل إنجازًا كبيرًا في تقليل التكاليف وتحقيق الاستدامة البيئية. وبفضل هذه النتائج، بات من الممكن التفكير في استخدام هذه التقنية في مجموعة واسعة من المجالات التي تتطلب حلول تبريد فعالة ومضغوطة.
ومع هذا التطور، يُتوقع أن تفتح تقنية بلتيير المحسّنة آفاقًا واسعة في المستقبل القريب لاستخدامها في مجالات متعددة، مثل تبريد السيارات الكهربائية، ومراكز البيانات التي تستهلك طاقة هائلة لتبريد الخوادم، بالإضافة إلى التطبيقات المنزلية مثل أنظمة التكييف في المنازل والمكاتب، حيث تُصبح الحاجة إلى أنظمة تبريد فعالة وموفرة للطاقة أكثر إلحاحًا.
وقد بدأت “سامسونغ” بالفعل في توظيف هذه التقنية الجديدة في منتجاتها التجارية، حيث دمجت جهاز تبريد بلتيير لأول مرة في ثلاجتها الهجينة المزودة بالذكاء الاصطناعي، والتي تم عرضها خلال فعاليات معرض IFA العام الماضي. وتتميز هذه الثلاجة بقدرتها على التكيف الذكي مع استخدام المستهلك، ما يجعل من أداء التبريد أكثر كفاءة واستدامة، دون الحاجة إلى الاعتماد على المبردات الكيميائية التقليدية.
هذا الابتكار يمثل بداية حقبة جديدة في مجال التبريد، تعتمد على تقنيات صديقة للبيئة وعالية الكفاءة، وتعيد رسم ملامح ما يمكن أن تكون عليه الأجهزة المنزلية والإلكترونية في المستقبل. وبدعم من الشركات الرائدة مثل “سامسونغ”، من المتوقع أن نشهد تسارعًا في تبني هذه التكنولوجيا وتحويلها إلى معيار جديد في صناعة التبريد العالمي.