ديب سيك
لا تزال الصين تدهش العالم بإنجازاتها المتسارعة، خصوصًا في مجال التكنولوجيا، حيث برز نموذج الذكاء الاصطناعي الجديد “ديب سيك” (Deep Seek) بقوة على الساحة التقنية، ليصبح محطّ حديث الأوساط المتخصصة في الأيام الأخيرة.
لم يمر هذا النموذج دون أن يلفت الأنظار، بل شكّل تحديًا جديًا لنظيره الأميركي “شات جي بي تي” (Chat GPT)، مما وضع الأخير في موقف صعب أمام هذه المنافسة المتزايدة.
ورغم أنه من غير الدقيق القول إن النموذج الصيني قد تفوّق تمامًا على نظيره الأميركي أو أنه أنهى هيمنته، فإن “ديب سيك” قدّم أداءً استثنائيًا أثار إعجاب الكثيرين، سواء من حيث الكفاءة أو السرعة التي به دخل إلى الساحة العالمية، مما يعكس التحولات الكبرى التي يشهدها قطاع الذكاء الاصطناعي.
ديب سيك وستارغيت
إن صدى النموذج الصيني الجديد وما أثاره من جدل وقلق على مستوى صناع القرار والأسواق يعد بمثابة إنذار قوي بأن التكنولوجيا، وخاصة الذكاء الاصطناعي، لم تعد مجرد عامل ثانوي، بل أصبحت رأس الحربة في الصراع القائم بين الولايات المتحدة والصين.
ففي الآونة الأخيرة، أعلنت إدارة الرئيس ترامب عن إستراتيجية جديدة للتنافس مع الصين تحت مسمى “مشروع ستارغيت” (Star Gate)، والتي تهدف إلى الحفاظ على الهيمنة التكنولوجية الأميركية وإعاقة تقدم الصين نحو ريادة هذا المجال.
ويُلاحظ أن اختيار هذا الاسم يحمل دلالة تاريخية عميقة، حيث يذكّرنا بإستراتيجية “حرب النجوم” (Star Wars) التي أطلقتها إدارة الرئيس رونالد ريغان قبل نحو أربعين عامًا، في سياق المواجهة التكنولوجية مع الاتحاد السوفياتي بهدف تحقيق التفوق في مجال الفضاء الخارجي.
يتكرر المشهد اليوم رغم اختلاف الأطراف والأدوات والسياقات، ولكن يبقى جوهر الصراع كما هو: سباق على الهيمنة. ما يميز هذا الصراع في الوقت الراهن هو أن المنافسة لم تعد محصورة في الجغرافيا أو المجال العسكري، بل باتت تدور حول التكنو-سياسة. القوة العالمية لم تعد تُحدد عبر الجيو-سياسة التقليدية، بل من خلال التفوق التكنولوجي.
على عكس الاتحاد السوفياتي في نهاية السبعينيات، الذي كان يعاني من إرهاق اقتصادي، تتمتع الصين اليوم بمرونة اقتصادية وقدرة تكنولوجية متطورة. لم تعد الصين مجرد مستنسخ للتقنيات الغربية، بل أصبحت رائدة في الابتكار، قادرة على تجاوز القيود الأمريكية والغربية لتحقيق إنجازات تكنولوجية غير مسبوقة.
في ظل الهيمنة الأمريكية على صناعة معالجات الذكاء الاصطناعي، التي تهيمن عليها شركات مثل “إنفيديا” (Nvidia)، تجد الصين نفسها أمام تحدٍ كبير في تطوير نماذج ذكاء اصطناعي متقدمة. خاصة مع القيود الصارمة التي فرضتها واشنطن لمنع تصدير هذه الشرائح إلى الشركات الصينية، ما يشكل عقبة رئيسية أمام طموحاتها التكنولوجية.