روبوت بشري

في إنجاز تقني مثير يُبرز مدى التقدم المتسارع في مجال الروبوتات والتحكم عن بُعد، نجح روبوت بشري متطور من تطوير شركة “شنتشن دوبوت” (Shenzhen Dobot) الصينية في أداء مهمة دقيقة تُحاكي العمل البشري بكل تفاصيله، تمثلت في طهي شريحة لحم بطريقة احترافية، بما في ذلك حركة رش الملح بالأصابع، التي تشبه ما يقوم به الطهاة المحترفون.

وما يزيد من أهمية هذا الإنجاز هو أن الروبوت لم يكن يعمل بشكل مستقل فحسب، بل تم التحكم به عن بُعد بواسطة مشغّل يستخدم نظارة الواقع الافتراضي، ومن مسافة بعيدة تبلغ حوالي 1800 كيلومتر عن موقع وجود الروبوت. وقد أُنجزت هذه العملية من خلال تقنيات متقدمة تتيح نقل الإشارات الحركية والتفاعل الحسي في الزمن الحقيقي تقريبًا، ما يفتح آفاقًا واسعة لتطبيقات هذه التكنولوجيا في مختلف المجالات.
وقد نشرت شركة دوبوت مقطع فيديو يوثّق هذه التجربة الرائدة يوم الجمعة، على حسابها الرسمي في تطبيق “وي شات” الصيني، حيث ظهر الروبوت وهو يحرك أدوات الطهي، يتعامل مع اللحم بدقة، ويُحضّره بشكل يبدو طبيعيًا جدًا، إلى درجة أنه عند رش الملح فعل ذلك بطريقة تشبه حركة الطاهي الشهير “سولت باي”، مما أثار إعجاب المتابعين على وسائل التواصل.
الهدف من هذا الاستعراض لم يكن استعراض القدرة على الطهي فحسب، بل إظهار الإمكانيات الكبيرة لهذه التكنولوجيا الجديدة، التي تعتمد على الدمج بين الواقع الافتراضي والتحكم عن بُعد والروبوتات عالية الحساسية، والتي يمكنها محاكاة الحركات البشرية بدقة متناهية. وتُظهر هذه التقنية كيف يمكن للروبوتات، حين تكون مزوّدة بواجهات تحكم متقدمة، أن تؤدي أعمالاً تتطلب حساسية عالية ومهارة يدوية، كانت تُعتبر في السابق حكرًا على البشر فقط.
ويأمل مطورو هذه التكنولوجيا أن تُحدث هذه التطورات ثورة في مجالات عديدة، من بينها المهام المنزلية المعقدة، والرعاية الصحية، خاصة في إجراء العمليات الجراحية عن بُعد، التي تتطلب دقة عالية وبيئة معقمة، وكذلك في القطاعات الصناعية شديدة الخطورة مثل فحص محطات الطاقة النووية، حيث يُعد إرسال الإنسان أمرًا محفوفًا بالمخاطر.
كما تشير التوقعات إلى أن هذه التكنولوجيا قد تُستخدم أيضًا في استكشاف الفضاء، من خلال إرسال روبوتات يتم التحكم فيها من الأرض أو من محطات فضائية قريبة، ما يُقلل من المخاطر والتكاليف المرتبطة بإرسال البشر إلى بيئات معادية أو بعيدة.
ويعد هذا التطور دليلًا جديدًا على أن العالم يدخل مرحلة جديدة من التفاعل بين البشر والروبوتات، حيث لم يعد الروبوت مجرد آلة صماء تؤدي مهام مبرمجة، بل شريكًا قادرًا على تنفيذ الأعمال المعقدة بمساعدة الإنسان، وضمن بيئات متغيرة، وبمستوى عالٍ من الدقة والمرونة.
في استعراض تقني مدهش يجمع بين الروبوتات والتحكم عن بُعد، نجح روبوت “دوبوت أتوم” – أول روبوت بشري تطوره شركة “دوبوت” الصينية – في تنفيذ عملية طهي كاملة بدقة عالية. وقد أُطلق هذا الروبوت في مارس الماضي، ويتميز بقدرته على تقليد الحركات البشرية وتنفيذ المهام الحساسة بمرونة ودقة.
ما يلفت النظر في هذا العرض هو أن الروبوت كان موجودًا في مقاطعة شاندونغ، بينما جرت عملية التحكم فيه عن بُعد من مقاطعة قوانغدونغ، الواقعة على بُعد حوالي 1800 كيلومتر. وقد تم التحكم به عبر تقنية الواقع الافتراضي، حيث ارتدى المهندس نظارة خاصة لالتقاط حركات يده في الوقت الفعلي، بينما كان يتابع شاشة تبين له المؤشرات الحيوية للروبوت أثناء العمل.
في مقطع فيديو استمر لأربع دقائق، ظهر “دوبوت أتوم” وهو يُنفّذ عدة خطوات معقدة في عملية الطهي، بدءًا من مسح شريحة اللحم بمنشفة ورقية، ثم سكب الزيت على المقلاة، وتقلّيب اللحم، وانتهاءً برش الملح على الطبق بدقة ملحوظة. أظهرت هذه المشاهد قدرات الروبوت الفائقة في تقليد الحركات البشرية، كما أبرزت مدى تطور التكنولوجيا المستخدمة في تصميمه.
ووفقًا للشركة، فإن النظام المستخدم يوفر دقة تصل إلى 0.05 مليمتر، ما يعكس مستوى تحكم مذهل، إلا أن التقنية الحالية تتيح فقط التحكم في الجزء العلوي من جسم الروبوت. ومع ذلك، يعد هذا التطور خطوة كبيرة نحو تحسين التفاعل بين الإنسان والآلة في بيئات العمل الحساسة.
تُعتبر هذه التجربة امتدادًا لتقنيات التحكم عن بُعد التي سبقتها، حيث كانت وكالة الفضاء الأمريكية “ناسا” قد كشفت عام 2022 عن نظام تحكم افتراضي لروبوتها البشري “فالكيري”. إلا أن “ناسا” لم تحدد حتى الآن مدى المسافة القصوى لفعالية هذه التقنية، ولم تُفصِح عن كيفية إدارة الشبكة لضمان تأخر زمني منخفض في نقل البيانات.
تأسست شركة “دوبوت” في عام 2015، وبدأت مسيرتها بتطوير الأذرع الروبوتية الصناعية، قبل أن تتحول إلى مجال الروبوتات البشرية. ويُعد روبوت “دوبوت أتوم” أحدث ابتكاراتها، ويبلغ سعره حوالي 199,000 يوان صيني (ما يعادل 27,500 دولار أمريكي). يتميز الروبوت بيدين متقدمتين تحتويان على خمسة أصابع قادرة على أداء حركات دقيقة، وقد شوهد سابقًا في مقاطع أخرى وهو يُحضّر وجبة إفطار شاملة، من وضع التوست والخضار والفواكه على الطبق إلى سكب كوب من الحليب.
ما يزيد من أهمية هذا الإنجاز أن “دوبوت” بدأت الأسبوع الماضي رسميًا في تسليم الروبوتات عالميًا، وكانت اليابان أول من استلم الدفعة الأولى. ومع هذه الخطوة، أصبحت الشركة واحدة من القلائل في الصين التي وصلت إلى مرحلة الإنتاج الضخم للروبوتات البشرية.
ووفقًا لتقرير صادر عن شركة “TrendForce” لأبحاث السوق في أبريل الماضي، فإن عام 2024 شهد إطلاق 11 شركة صينية مبادرات للإنتاج الضخم في مجال الروبوتات البشرية، وتخطط 6 من هذه الشركات لإنتاج أكثر من 1000 وحدة خلال هذا العام. هذا يؤشر إلى دخول الصين بقوة في سباق تطوير الروبوتات القادرة على أداء وظائف معقدة، ما قد يُعيد رسم ملامح سوق العمل والتقنية في المستقبل القريب.