الذكاء الاصطناعي

في إطار التقدم السريع الذي يشهده مجال التكنولوجيا الطبية، برزت شركة “أبل” كواحدة من الشركات الرائدة التي تسهم في تطوير أدوات مبتكرة لمراقبة صحة القلب. فقد قامت “أبل” بتصميم خوارزميات متقدمة تستند إلى بيانات يتم جمعها من مستشعر الضوء المعروف باسم PPG (Photoplethysmogram)، والموجود في أجهزتها الذكية، مثل ساعة “أبل ووتش”. وتعمل هذه الخوارزميات على تحليل الإشارات البيولوجية لرصد أي حالات عدم انتظام في ضربات القلب، الأمر الذي يمكّن المستخدمين من تلقي تحذيرات مبكرة بشأن مخاطر صحية محتملة، مثل الرجفان الأذيني، وهو اضطراب قلبي قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة إذا لم يُكتشف ويُعالج في الوقت المناسب.

هذا الابتكار لم يقتصر على شركة “أبل” وحدها، بل فتح الباب أمام مزيد من الأبحاث والتطبيقات السريرية التي توظف الذكاء الاصطناعي في التشخيص المبكر لأمراض القلب. وفي هذا السياق، تم تطوير جهاز طبي جديد يعمل بالذكاء الاصطناعي، يشبه في حجمه بطاقة اللعب الصغيرة أو بنك الطاقة المحمول، ويُزعم أنه قادر على اكتشاف ثلاث حالات قلبية خطيرة خلال ثوانٍ معدودة فقط. هذه التقنية الجديدة تمثل نقلة نوعية في سرعة التشخيص ودقته، وقد تكون بمثابة أداة ثورية في التعامل مع الحالات القلبية الطارئة.
الجهاز الجديد لم يظل حبيس المختبرات أو مجرد نموذج أولي، بل تم بالفعل اختباره ميدانيًا في مؤسسات طبية مرموقة. فقد استخدمه باحثون من “إمبريال كوليدج لندن” بالتعاون مع مؤسسة “إمبريال كوليدج” للرعاية الصحية، وهي جزء من هيئة الخدمات الصحية الوطنية البريطانية (NHS Trust)، ضمن دراسة وطنية كبرى تُعرف باسم “TRICORDER”. تهدف هذه الدراسة إلى استكشاف مدى فعالية هذا النوع من الأجهزة الذكية في المساعدة على اكتشاف الأمراض القلبية بشكل مبكر ودقيق.
وتُعد الدراسة جزءًا من جهود أوسع تسعى إلى دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في نظم الرعاية الصحية العامة، لتعزيز كفاءة الخدمات وتحسين النتائج الصحية للمرضى. وقد أظهرت النتائج الأولية للدراسة إشارات واعدة على قدرة هذا الجهاز على التعرف على مشكلات قلبية قد يصعب اكتشافها بالفحوصات التقليدية السريعة.
بفضل التصميم المحمول للجهاز وسهولة استخدامه، يمكن للأطباء استخدامه في العيادات أو حتى أثناء الزيارات المنزلية، مما يقلل الحاجة إلى إحالة المرضى إلى المستشفيات لإجراء فحوصات متقدمة. كما يُمكن أن يسهم في تقليل الضغط على أقسام الطوارئ وتوفير استجابة أسرع للحالات الحرجة.
في المحصلة، يُعد هذا الإنجاز الطبي ثمرة للتكامل بين الابتكار التكنولوجي والبحث العلمي، ويعكس كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُعيد تشكيل مشهد الرعاية الصحية بشكل جذري، ليجعلها أكثر سرعة، ودقة، وفعالية.
السماعة الطبية الذكية: أداة جديدة لاكتشاف أمراض القلب في ثوانٍ
كشفت تقارير عن ابتكار سماعة طبية ذكية قادرة على اكتشاف ثلاث من أخطر أمراض القلب ، وهي: قصور القلب (HF) ، و الرجفان الأذيني (AF) ، و أمراض صمامات القلب (VHD) ، وذلك بحسب ما نقله موقع DigitalTrends
كيف تعمل السماعة الذكية؟
تعتمد هذه السماعة المتطورة على مستشعر لتخطيط كهربية القلب أحادي القناة، إلى جانب مجموعة من الميكروفونات التي تُسجّل الموجات الصوتية لتخطيط القلب (PCG). ثم تقوم خوارزميات الذكاء الاصطناعي بتحليل هذه البيانات، وتحديد تدفق الدم ونشاط القلب، لاكتشاف أي خلل محتمل.
يتم ربط الجهاز بتطبيق على الهاتف الذكي عبر تقنية البلوتوث، فيما تُرسل البيانات إلى السحابة من خلال Wi-Fi أو الشبكات الخلوية. ويقال إن السماعة قادرة على اكتشاف الحالات المرضية في غضون 15 ثانية فقط .
مصنفة كجهاز طبي رسمي
تُصنّف السماعة الذكية كجهاز طبي من **الفئة IIa**، ما يعني أنها حاصلة على تصريح للاستخدام المنتظم في قطاع الرعاية الصحية، دون الحاجة إلى توقيع موافقة كتابية من المرضى. وقد أثبتت التجارب الميدانية دقة ومصداقية النتائج التي توفرها.
يتم استخدامها عبر وضعها لمدة 15 ثانية على الجهة اليسرى العليا من عظمة القص في الصدر، ما يجعلها بديلًا فعالًا للفحوصات السريرية الروتينية.
وقد طوّرت الخوارزميات المستخدمة بالتعاون مع هيئة تنظيم الأدوية ومنتجات الرعاية الصحية البريطانية (MHRA)، وأظهرت الدراسات المنشورة في مجلة BMJ Open أداءً إحصائيًا عاليًا وتفوقًا واضحًا مقارنة بالدراسات الدولية الأخرى.
نتائج واعدة في الاستخدام العملي
شملت الدراسة الأولية أكثر من 200 عيادة طب عام، وتضمنت بيانات لما يزيد عن 1.5 مليون مريض. وخلال التجارب، تم فحص المرضى الذين راجعوا الأطباء بسبب التعب أو ضيق التنفس، وهي أعراض شائعة لأمراض القلب.
وبحسب مؤسسة القلب البريطانية، التي ساهمت في تمويل الدراسات، كان المرضى الذين خضعوا للفحص باستخدام السماعة الذكية أكثر عرضة للإصابة بالرجفان الأذيني بمقدار 3.5 مرات ، و مرتين أكثر عرضة للإصابة بأمراض صمامات القلب ، مقارنة بمن لم يخضعوا لهذا النوع من الفحص.
نحو مستقبل صحي أكثر ذكاءً
الهدف من تطوير هذه السماعة الذكية هو الكشف المبكر عن أمراض القلب ، مما يمنح المرضى فرصة أفضل للعلاج في الوقت المناسب، ويُسهم في إنقاذ حياتهم.
ففي المملكة المتحدة وحدها، يُقدّر عدد المصابين بقصور القلب بنحو مليون شخص، وغالبًا ما لا يتم اكتشاف المرض إلا في مرحلة متأخرة عند نقل المريض إلى الطوارئ.
يشير البروفيسور نيكولاس بيترز، الباحث الرئيسي في كلية “إمبريال كوليدج لندن”، إلى أن السماعة الجديدة تتيح للطبيب اكتشاف ثلاث حالات قلبية خطيرة في جلسة واحدة فقط .
وتوضح هيئة الخدمات الصحية الوطنية (NHS) أن استخدام هذه التقنية في الرعاية الأولية قد يُوفر نحو 2400 جنيه إسترليني لكل مريض من تكاليف العلاج، عن طريق تقليل الحاجة إلى زيارات طارئة غير مخطط لها.
كما يُشير تقرير NHS إلى أن أكثر من 3 ملايين مريض شاركوا حتى الآن في تجربة TRICORDER، ومن المتوقع أن يُحقق البرنامج توفيرًا يتجاوز 100 مليون جنيه إسترليني في تكاليف الرعاية الصحية مستقبلًا.