تقنية

سوار صيني

في السنوات الأخيرة ظهرت ابتكارات عديدة في مجال الأجهزة القابلة للارتداء لكن أحد أكثر هذه الابتكارات إثارة للجدل جاء على شكل سوار يُرتدى على المعصم طورته شركة صينية ويعتمد في عمله على إرسال صعقات كهربائية خفيفة تساعد المستخدم على البقاء في حالة يقظة دون الحاجة إلى شرب القهوة أو الاعتماد على الكافيين كمصدر للطاقة. ويحمل هذا السوار اسم اي كوفي انيرجيباند ويباع بسعر يزيد قليلا عن مئة دولار مما يجعله ضمن فئة الأجهزة الاستهلاكية المتوسطة التكلفة التي تستهدف المستخدمين الراغبين في حلول بديلة للبقاء متنبهين خلال اليوم.

سوار صينير
سوار صيني

ظهر الجهاز لأول مرة في أواخر عام الفين وثلاثة وعشرين وقد صمم ليكون خفيف الوزن ومريحا عند الارتداء بحيث يمكن وضعه على المعصم طوال ساعات العمل أو أثناء الدراسة. ويحتوي السوار على لوحين كهربائيين صغيرين يلامسان البشرة بشكل مباشر ليقوما بإرسال نبضات كهربائية لطيفة يعتقد مطورو الجهاز في شركة وات ميديكال الكندية التي تمتلك فرعا صينيا للتصنيع والتسويق أنها قادرة على تنشيط الأعصاب المتصلة بالدماغ مما يؤدي إلى تعزيز مستوى اليقظة والانتباه. وتشير الشركة إلى أن تأثير السوار يشبه تأثير فنجان من القهوة ولكن دون آثار الكافيين الجانبية أو خطر الاعتياد المفرط على المنبهات.

وتؤكد الشركة المصنعة أن الأثر الجانبي الأساسي المحتمل لاستخدام السوار يتمثل في شعور بالخدر يمتد من أطراف الأصابع إلى داخل المعصم وهو شعور مؤقت يزول عند نزع الجهاز. ولهذا السبب تنصح الشركة بعدم استخدام السوار لأكثر من ثلاث ساعات يوميا كما توصي بتبديل المعصم بين فترة وأخرى لتجنب أي إرهاق أو تهيج في الجلد. وعلى الرغم من أن الفكرة بدت غريبة في بدايتها فقد كان من المتوقع أن يبقى هذا الابتكار محدود الانتشار لولا مشاركة الشركة في معرض تجاري صيني كبير خلال الآونة الأخيرة حيث جذب الجهاز اهتماما واسعا وانتشرت أخباره بسرعة على الإنترنت.

وخلال المعرض تحدث شو هاوجي مدير العمليات في الشركة مؤكدا أن الهدف من اختراع السوار ليس أن يحل محل القهوة بشكل كامل فالقهوة بحسب وصفه مشروب رائع لكنه قد لا يكون الخيار المناسب دائما خصوصا في ساعات ما بعد الظهر أو في المساء عندما يفضل الكثيرون تجنب تناول الكافيين. وأضاف أن الحاجة إلى زيادة النشاط والانتباه في تلك الأوقات تظل قائمة ولذلك يعمل السوار كخيار بديل يمكن الاعتماد عليه عند الضرورة.

بعد انتشار الخبر شهد الجهاز إقبالا كبيرا وأصبح موضوعا لآلاف النقاشات على منصات التواصل. كما أشارت تقارير مختلفة إلى أن المخزون نفد بسرعة من مواقع التجارة الإلكترونية الصينية مثل جي دي وتاوباو حيث ظهرت مئات التقييمات التي تراوحت بين الإشادة والتشكيك. ويعرض موقع الشركة الجهاز بسعر يبلغ مئة وثلاثين دولارا مع خصم احتفالي يصل إلى ثلاثين بالمئة في بعض الفترات ويتيح شحنه عالميا مما يعكس الثقة في إمكانية تسويقه خارج الصين. بهذه التفاصيل يبدو السوار تجربة جديدة في عالم التكنولوجيا القابلة للارتداء تجمع بين الابتكار والجدل وتثير تساؤلات حول مستقبل بدائل الكافيين في حياة المستخدمين.

لكن على مواقع التواصل الاجتماعي الصينية

أثار السوار الجديد موجة واسعة من السخرية والانتقاد بين المستخدمين على المنصات الصينية، حيث لم يُستقبل بالترحاب المتوقع. وقد رأى كثيرون أن المنتج لا يقدم إضافة حقيقية، بل يعكس فهماً سطحياً لطبيعة الإرهاق الوظيفي المتصاعد في البلاد. فبينما روّجت الشركة للجهاز باعتباره وسيلة لرفع مستوى التركيز وتحسين الأداء، فقد تعامل المستخدمون معه كرمز لمشكلة أعمق تتعلق ببيئة العمل في الصين.

تسوق الشركة جهاز “eCoffee” باعتباره مُعزّزًا للإنتاجية

تؤكد الشركة المنتجة أن السوار مصمم لمساعدة الأفراد على زيادة ساعات الدراسة وإنجاز المهام بكفاءة أعلى. غير أن هذه الرسالة لاقت تحفظًا كبيرًا لدى الجمهور، خاصة وأنها تلامس نقاشًا حساسًا حول ثقافة العمل المكثف المعروفة بنظام “996”، والذي يعني العمل من التاسعة صباحًا حتى التاسعة مساءً لستة أيام أسبوعيًا. وقد أصبحت هذه الثقافة محور انتقادات متزايدة في صفوف الشباب الصيني، الذين باتوا يرفضون الضغط المستمر والإرهاق المزمن.

وفي خضم هذا السياق، اعتبر كثير من المعلقين أن السوار ليس سوى تجسيد ملموس لفكرة الضغط على الموظفين بدل تحسين ظروف عملهم. ووصلت الانتقادات إلى تشبيه الجهاز بأدوات عقابية أو أجهزة تحكم، في إشارة ساخرة إلى ما يراه البعض محاولة لفرض مزيد من الانضباط على الموظفين بدل احترام احتياجاتهم النفسية والجسدية. كما اعتبر المستخدمون أن المستفيد الحقيقي من مثل هذا الجهاز قد يكون الإدارة وليس العاملين أنفسهم.

وتبيّن أن جزءًا كبيرًا من الاعتراضات لم يكن موجّهًا للجهاز نفسه بقدر ما كان موجّهًا لما يمثله من فلسفة تعتمد على الحلول التقنية السطحية بدل معالجة جذور الإرهاق المهني.

الأسس العلمية

تشير الصفحة الرسمية لجهاز “eCoffee” إلى خمس دراسات بحثية يفترض أنها تدعم فعاليته، لكن مراجعة محتوى هذه الدراسات تكشف أنها لا تتعلق مباشرة بالجهاز نفسه، بل تناقش بصورة عامة تأثير التحفيز العصبي أو تتناول تجارب أُجريت باستخدام أدوات مختلفة تمامًا. وهذا ما أثار شكوكًا حول مدى استناد المنتج إلى قاعدة علمية راسخة.

ووفقًا لعمر إنان، وهو أستاذ في معهد جورجيا للتكنولوجيا ومتخصص في تصميم أجهزة مشابهة لتحفيز أعصاب المعصم، فإن الادعاءات المتعلقة بفعالية الجهاز تحتاج إلى تجارب سريرية دقيقة قبل تبنّيها. وأوضح أن هذا النوع من التحفيز يواجه تحديات تقنية معقدة، وأن الأفكار المتعلقة بزيادة تدفق الدم إلى الدماغ أو تعديل مستويات النواقل العصبية تتطلب أدلة أكثر قوة قبل اعتبارها حقائق مثبتة.

وتعرض الصفحة الإلكترونية للجهاز قائمة من الأبحاث وبراءات الاختراع والتجارب الطبية بشكل يمنح انطباعًا بوجود أساس علمي متين. غير أن التحقق من هذه المصادر يكشف أن بعضها لا يرتبط مباشرة بالوظيفة التي يروّج لها المنتج، مما يجعل الصورة العلمية التي يقدمها أقل ثباتًا مما تبدو عليه للوهلة الأولى.

وبشكل عام، يبدو أن السوار بات محور نقاش يتجاوز التقنية، ليمسّ قضايا ثقافية ومهنية واجتماعية تتعلق بعلاقة العاملين بالتكنولوجيا، وبحدود ما يمكن أن تقدمه الأجهزة في حل مشكلات نابعة من بيئة العمل نفسها وليس من قدرات الأفراد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى