تقنية

سوني

في يوم من الأيام، كانت هواتف “إكسبيريا” من شركة “سوني” تُعدّ من علامات التميز في عالم الهواتف الذكية. امتازت هذه الأجهزة بجودة تصنيع فائقة وتصميم أنيق، بالإضافة إلى ابتكارات تقنية كانت سابقًا لأوانها، مثل الشاشات عالية الدقة والكاميرات المتقدمة التي كانت من الأفضل في السوق. وكانت “سوني” تعتمد على إرثها الطويل في مجالات الصوتيات والبصريات، لتقدم منتجًا يجمع بين الأداء والجمال، ما جعل “إكسبيريا” مرادفًا للفخامة اليابانية والابتكار التقني في نظر الكثيرين.

سوني
سوني

غير أن هذه الصورة بدأت بالتلاشي تدريجيًا على مدار السنوات الأخيرة. فمع احتدام المنافسة في سوق الهواتف الذكية، خصوصًا مع الصعود القوي للشركات الصينية مثل “هواوي”، “شاومي”، و”أوبو”، ومع استمرار هيمنة “سامسونغ” و”أبل”، وجدت “سوني” نفسها خارج دوائر التأثير. لم تعد هواتفها تلقى نفس الحماس أو الإقبال من المستخدمين كما في السابق. وبالرغم من محاولات مستمرة لإعادة إحياء السلسلة بإصدارات جديدة مثل Xperia 1 وXperia 5، فإن النتائج لم تكن على قدر التوقعات.

يُعزى هذا التراجع إلى عدة عوامل، من بينها التسعير المرتفع مقارنة بمنافسيها، وعدم وضوح الاستراتيجية التسويقية، فضلاً عن التأخر في تبني بعض الابتكارات التي باتت معيارًا في السوق مثل الكاميرات المتعددة أو تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة في معالجة الصور. كما أن تجربة المستخدم، رغم بساطتها، لم تكن مختلفة بما يكفي لجذب شرائح أوسع من المستخدمين.

وتؤكد التقارير السوقية أن “سوني” اليوم لم تعد تمتلك سوى حصة ضئيلة من سوق الهواتف الذكية، حتى في أسواقها التقليدية مثل اليابان وأوروبا. بل إن البعض يرى أن الشركة أصبحت تُنتج هذه الهواتف فقط من أجل الحفاظ على وجود رمزي في السوق، أو لتوفير حل متكامل لقطاعات أخرى مثل التصوير السينمائي أو الألعاب.

وسط هذا المشهد، يتساءل كثيرون: هل نحن نشهد الفصل الأخير من قصة “إكسبيريا”؟ وهل ستنضم سوني إلى قائمة الشركات التي قررت الانسحاب من سوق الهواتف الذكية مثل “إتش تي سي” و”إل جي”؟ من الصعب إعطاء إجابة قاطعة، لكن المؤشرات الحالية لا توحي بتغيير جذري في مسار العلامة. إلا إذا فاجأتنا “سوني” بتحول كبير يعيد تشكيل رؤيتها في هذا المجال، فإن النهاية قد تكون أقرب مما نتوقع.

في النهاية، تبقى “إكسبيريا” شهادة على أن الريادة وحدها لا تكفي للاستمرار، وأن الابتكار المستمر، والانصات للسوق، والتكيف مع المتغيرات، هي مفاتيح البقاء الحقيقي في صناعة لا ترحم.

من القمة إلى الهامش

امتلكت “سوني” يومًا ما كل المقومات التي تؤهلها لتكون لاعبًا رئيسيًا في سوق الهواتف الذكية، بحسب تقرير لموقع Android Headlines

تقرير “IDC”: سامسونغ تواصل الهيمنة على مبيعات الهواتف عالميًا

رغم قوة “سوني” التقنية في مجالات عدة، من شاشات “برافيا” إلى كاميرات “ألفا” وأجهزة “بلاي ستيشن”، لم تنجح الشركة في الاستفادة من هذا التكامل لصالح علامة “إكسبيريا” كما فعلت “أبل” و”سامسونغ”.

فلدى “أبل”، أصبح الآيفون نواة منظومة مترابطة تجمع الهاتف بالحاسوب، الساعة، والتلفزيون، ضمن تجربة سلسة وشاملة.

أما “سامسونغ”، فنجحت في ربط هواتفها بسلاسة مع أجهزتها الأخرى، مما عزز من ولاء المستخدمين.

في المقابل، ظلت “إكسبيريا” كأنها كيان منفصل، غير مندمج في منظومة “سوني” الأكبر.

إكسبيريا 1 VII: أمل جديد… انتهى سريعًا

كل إصدار جديد من هواتف “إكسبيريا” كان يحمل معه بصيص أمل بعودة “سوني” للمنافسة. وكان Xperia 1 VII آخر هذه المحاولات.

الهاتف جاء بتصميم أنيق، ومواصفات عالية، وكاميرا مدعومة بتقنيات Alpha المتقدمة، لكن مشاكل تقنية مبكرة ظهرت، أبرزها أعطال مفاجئة دفعت “سوني” لإيقاف البيع مؤقتًا.

الضربة الأهم جاءت من ضعف التوزيع، حيث لم يتوفر الهاتف في عدة أسواق أوروبية حتى بعد أسابيع من إطلاقه، في وقت أصبحت فيه السرعة والدقة من ضرورات النجاح.

بلاي ستيشن في الجيب؟ حلم لم يكتمل

رغم امتلاكها واحدًا من أنجح أقسام الألعاب عالميًا، لم تنجح “سوني” في تقديم تجربة ألعاب متكاملة على هواتفها.

هواتف Xperia لم تستفد من قوة “بلاي ستيشن”؛ لا ألعاب حصرية، ولا تكامل مع PS Plus، ولا حتى مزامنة بين الهاتف والمنصة.

في المقابل، أطلقت “سوني” جهاز *PlayStation Portal*، وهو منتج بث محدود يعمل فقط عبر Wi-Fi وبسعر مرتفع، ما زاد من علامات الاستفهام حول غياب الرؤية الموحدة.

الأرقام لا تكذب

تراجع قسم الهواتف في “سوني” لم يعد مجرد انطباع بل واقع تؤكده الأرقام؛ الإيرادات انخفضت من 356 مليار ين في 2023 إلى 279 مليارًا في 2025.

أما عدد الشحنات، فقد انحدر من أكثر من 100 مليون جهاز في 2007 إلى أقل من 3 ملايين سنويًا خلال السنوات الأخيرة.

وفي الأسواق العالمية، تراجع الوجود بشكل ملحوظ. ففي الولايات المتحدة، أصبحت “سوني” خارج معادلة السوق. أما في اليابان، فقد استحوذت “أبل” على نصف السوق، بينما تراجعت “سوني” إلى المرتبة الرابعة بحصة لا تتجاوز 6%.

هل حان وقت الانسحاب؟

بعض الشركات تختار الانسحاب بشجاعة، كما فعلت “إل جي” في 2021 رغم تاريخها الطويل في الهواتف.

لكن “سوني” تبدو وكأنها تُفضّل التراجع البطيء على اتخاذ قرار واضح، حيث طرحت Xperia 1 VII بسعر 1499 يورو، متجاوزًا حتى Galaxy S25 Ultra، ما يعكس فجوة بين الطموح والواقع.

ومع انخفاض الحصة السوقية في أوروبا، تتزايد الشكوك حول استمرار “سوني” في هذا السوق.

فالمشكلة لا تكمن في القدرات التقنية، بل في غياب الرغبة؛ فالشركة ما زالت رائدة عالميًا في مستشعرات الكاميرات وتُزود بها كبار المصنعين، لكنها تسمح لعلامتها “إكسبيريا” بالانحدار دون مقاومة حقيقية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى