تقنية

ذكاء اصطناعي

أعلنت شركة بايت دانس، المالكة لتطبيق “تيك توك“، عن إطلاق أداة ذكاء اصطناعي جديدة مخصصة لمطوري البرمجيات تحت اسم Doubao-Seed-Code، وذلك عبر منصتها السحابية التابعة لها والمعروفة باسم Volcano Engine. وتعد هذه الخطوة مؤشرًا واضحًا على اشتداد المنافسة بين الشركات الصينية في مجال أدوات تطوير البرمجيات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، خاصة مع سعي كل شركة إلى تقديم خدمات أكثر تقدمًا بأسعار أقل لجذب المستخدمين والمطورين على حد سواء.

ذكاء اصطناعي
ذكاء اصطناعي

تُعتبر الأداة الجديدة بمثابة “وكيل برمجة” يعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، وتهدف إلى مساعدة المبرمجين في كتابة الأكواد وتصحيحها وتحسين أدائها بشكل أسرع وأكثر دقة. وقد كشفت الشركة أن سعر الاشتراك في الخدمة سيكون منخفضًا للغاية في الشهر الأول، إذ لا يتجاوز 9.9 يوان أي ما يعادل تقريبًا 1.3 دولار أمريكي، بينما يبلغ السعر القياسي للاشتراك الشهري بعد ذلك نحو 40 يوانًا أي ما يعادل حوالي 5.5 دولارات. هذا التسعير يُعد من بين الأدنى في السوق الصينية، مما يعكس رغبة بايت دانس في توسيع حصتها السوقية وتعزيز وجودها في قطاع الخدمات السحابية والذكاء الاصطناعي.

ويأتي إطلاق Doubao-Seed-Code في توقيت مدروس، إذ أعلنت الشركة عن المنتج بالتزامن مع مهرجان التسوق الصيني 11/11 المعروف أيضًا باسم يوم العزاب، وهو أكبر حدث تسويقي في الصين يشهد تخفيضات هائلة على مختلف المنتجات والخدمات الرقمية. ومن الواضح أن الشركة سعت إلى استغلال هذا الحدث لترويج منتجها الجديد بشكل واسع ولجذب أكبر عدد ممكن من المستخدمين الجدد خلال فترة العروض الخاصة.

تركز الأداة الجديدة على تقديم تجربة استخدام شاملة للمطورين من مختلف المستويات، إذ يمكنها توليد الأكواد البرمجية بمختلف لغات البرمجة الشائعة مثل بايثون وجافا وسي بلس بلس، بالإضافة إلى تحليل الأخطاء البرمجية واقتراح حلول فورية لتحسين جودة التعليمات البرمجية. كما توفر واجهة استخدام مبسطة تسهّل على المطورين المبتدئين التعامل معها دون الحاجة إلى معرفة تقنية عميقة.

وتأتي هذه الخطوة في إطار التوجه العام لشركات التكنولوجيا الصينية الكبرى نحو الاستثمار في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي. فبعد النجاح العالمي لتقنيات مثل ChatGPT، تسارعت الشركات الصينية مثل بايت دانس وتينسنت وبايدو إلى تطوير منتجات مشابهة تناسب احتياجات السوق المحلي وتنافس على المستوى الدولي.

من جهة أخرى، يرى محللون أن إطلاق Doubao-Seed-Code بهذا السعر الرمزي يشير إلى أن بايت دانس تسعى إلى بناء قاعدة مستخدمين واسعة قبل رفع الأسعار أو إضافة مزايا متقدمة مدفوعة لاحقًا. كما يُتوقع أن تستخدم الشركة البيانات الناتجة عن تفاعل المستخدمين لتحسين خوارزميات الذكاء الاصطناعي الخاصة بها، مما يمنحها ميزة تنافسية قوية في المستقبل.

بذلك، يمثل هذا الإعلان خطوة جديدة في مسار توسع بايت دانس خارج نطاق تطبيقاتها الترفيهية مثل “تيك توك”، نحو مجالات أكثر تخصصًا في التقنية والبرمجة والذكاء الاصطناعي، في محاولة لتأكيد مكانتها كواحدة من أبرز شركات التكنولوجيا في الصين والعالم.

أوضح تان داي، رئيس شركة “Volcano Engine”، أن استخدام روبوت المحادثة Doubao قد شهد زيادة مضاعفة خلال الأشهر الستة الماضية، وهو ما يعكس النمو السريع في اعتماد المستخدمين الصينيين على تقنيات الذكاء الاصطناعي ويؤكد المكانة المتقدمة لشركة “بايت دانس” بين أبرز اللاعبين العالميين في هذا المجال. ويشير هذا التطور إلى أن السوق الصينية تشهد تسارعًا في تبني الأدوات الذكية التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، سواء في الاستخدام الشخصي أو في تطوير البرمجيات.

وأفادت الشركة بأن نموذج Doubao-Seed-Code قد حقق أداءً قياسيًا في اختبار SWE-Bench Verified، ما يجعله منافسًا قويًا للأنظمة الأخرى مثل Claude Sonnet التابعة لشركة أنثروبيك الأميركية. ويأتي هذا الإنجاز بعد أن فرضت “أنثروبيك” قيودًا في سبتمبر الماضي على وصول الشركات الصينية إلى نماذجها المتقدمة، وهو ما يعكس الانقسام المتزايد بين السوقين الأميركي والصيني في سباق تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي. ويؤكد هذا الأمر أهمية المبادرات الصينية لتطوير أنظمتها الخاصة التي تتمتع بالكفاءة العالية والتكلفة المنخفضة.

وتشير شركة “Volcano Engine” إلى أن وكيلها البرمجي الجديد يدعم أدوات تطوير معروفة مثل veCLI وCursor وCline، كما أنه يتوافق مع واجهات برمجة التطبيقات التي تقدمها شركات أخرى، مما يجعله مناسبًا لمجموعة واسعة من المطورين والمبرمجين. ويتيح هذا التوافق مرونة كبيرة في تطوير المشاريع البرمجية وتسهيل دمج الأنظمة المختلفة ضمن بيئات عمل واحدة، وهو ما يعزز من سرعة وكفاءة العمل البرمجي.

ويتميز نموذج Doubao-Seed-Code أيضًا بانخفاض تكلفته مقارنة بأسعار السوق الصينية، حيث يقل سعره بنحو ستين بالمئة عن متوسط أسعار السوق، مع قدرة على معالجة حتى مئتين وستة وخمسين ألف كلمة في الاستعلام الواحد. وتتيح هذه القدرة للنموذج التعامل مع مشاريع برمجية ضخمة وتسريع تطوير التطبيقات الشاملة والمعقدة، ما يجعله خيارًا مثاليًا للمؤسسات والمطورين الذين يسعون لتحقيق نتائج عالية الكفاءة بتكلفة أقل.

يعتمد النموذج على نظام تدريب واسع النطاق قائم على الوكلاء، وتم دمجه بالكامل في تطبيق Trae الذي تديره الشركة من سنغافورة. ويأتي هذا الدمج بعد ستة أيام فقط من انسحاب “بايت دانس” من استخدام نماذج “أنثروبيك” نتيجة القيود الجديدة المفروضة على الشركات الصينية، ما يعكس سرعة استجابة الشركة لتغيرات السوق وقدرتها على تعزيز استقلاليتها التقنية. بعد دمجه في بيئة Trae، حقق النموذج نسبة دقة بلغت ثمانية وسبعين فاصل ثمانية بالمئة في اختبارات SWE-Bench Verified، ما يعزز مكانته كأحد أكثر وكلاء البرمجة تطورًا وفعالية في السوق الصينية.

وتأتي هذه الخطوة ضمن موجة متسارعة من إطلاق النماذج الجديدة في الصين، حيث شهدت الأشهر الأخيرة ظهور نماذج مثل Kimi K2 من Moonshot AI وM2 من MiniMax. ويُعيد هذا المشهد إلى الأذهان ما وصفه الخبراء بـ”لحظة ديب سيك”، التي أشعلت المنافسة في سوق الذكاء الاصطناعي الصيني، مؤكدةً أن الصين تسعى بقوة لتوسيع قدراتها في مجال الذكاء الاصطناعي وتطوير حلول متقدمة تتفوق على المنافسين من الخارج، وتخلق بيئة تنافسية تحفز الابتكار والإبداع في التقنيات الحديثة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى