الهواتف الذكية
تشير التوقعات الحديثة إلى احتمال تراجع شحنات الهواتف الذكية على مستوى العالم خلال العام المقبل بنسبة تقارب اثنين فاصل واحد في المئة، في تطور يعكس تحديات متزايدة تواجه قطاع التكنولوجيا الاستهلاكية. ويعود هذا الانخفاض المتوقع بالدرجة الأولى إلى النقص المستمر في رقائق الذاكرة، وهو عامل أساسي يؤدي إلى ارتفاع تكاليف التصنيع ويضع ضغوطًا كبيرة على سلاسل التوريد العالمية، ما ينعكس سلبًا على وتيرة الإنتاج وقدرة الشركات على تلبية الطلب في الأسواق المختلفة.

وبحسب تقديرات شركة الأبحاث كاونتربوينت، فإن أزمة توفر مكونات الذاكرة لم تعد مسألة مؤقتة، بل تحولت إلى عامل هيكلي يؤثر في خطط الشركات المصنعة للهواتف الذكية. فهذه الرقائق تدخل في معظم مكونات الأجهزة الحديثة، سواء في التخزين أو في تشغيل التطبيقات والأنظمة، وأي اضطراب في إمداداتها يؤدي مباشرة إلى ارتفاع الأسعار وتباطؤ عمليات التجميع والتوزيع. ومع استمرار هذا الوضع، تجد الشركات نفسها مضطرة إما إلى تقليص حجم الإنتاج أو تمرير جزء من التكاليف الإضافية إلى المستهلك النهائي، وهو ما قد يضعف الطلب العالمي.
ويمثل هذا السيناريو تحولًا لافتًا مقارنة بالتوقعات الخاصة بالعام الحالي، حيث كان من المنتظر أن تسجل شحنات الهواتف الذكية نموًا يقدر بنحو ثلاثة فاصل ثلاثة في المئة. ويعكس هذا الفرق الواضح بين العامين مدى سرعة تغير الظروف في سوق يعتمد بشكل كبير على الاستقرار الصناعي والتقني. ففي حين استفاد السوق هذا العام من تحسن نسبي في الطلب بعد فترات من التباطؤ، إلا أن التحديات المرتبطة بسلاسل الإمداد أعادت رسم المشهد المستقبلي بشكل أكثر حذرًا.
كما قامت شركة كاونتربوينت، التي تتخذ من هونغ كونغ مقرًا لها وتعد من الجهات المؤثرة في مجال أبحاث الأسواق التقنية، بمراجعة توقعاتها طويلة الأجل. فقد خفضت تقديراتها المتعلقة بعام 2026، بعدما كانت تشير في السابق إلى نمو طفيف يبلغ نحو صفر فاصل خمسة وأربعين في المئة. ويعكس هذا التعديل قناعة متزايدة بأن سوق الهواتف الذكية قد يدخل مرحلة من الاستقرار أو التراجع النسبي، بدلًا من النمو السريع الذي شهده في سنوات سابقة.
ويرى محللون أن هذا التحول لا يرتبط فقط بنقص المكونات، بل يتأثر أيضًا بتشبع الأسواق الرئيسية، وامتداد دورة استبدال الهواتف لدى المستهلكين، إضافة إلى الضغوط الاقتصادية العالمية التي تدفع الأفراد إلى تأجيل شراء أجهزة جديدة. وفي ظل هذه العوامل مجتمعة، تصبح توقعات الانخفاض في الشحنات أكثر واقعية، خصوصًا إذا استمرت مشكلات الإنتاج وارتفاع التكاليف دون حلول جذرية.
وفي المحصلة، تكشف هذه التوقعات عن مرحلة دقيقة يمر بها قطاع الهواتف الذكية، تتطلب من الشركات إعادة تقييم استراتيجياتها الإنتاجية والتسويقية، والبحث عن بدائل تقنية وتعاقدية لتخفيف آثار نقص المكونات. كما تؤكد أن مستقبل السوق لن يعتمد فقط على الابتكار، بل على قدرة الشركات على التكيف مع التحديات الصناعية والاقتصادية المتغيرة.
أفاد تقرير بحثي صدر يوم الثلاثاء بأن سوق الهواتف المحمولة يتجه إلى موجة جديدة من ارتفاع الأسعار على المستوى العالمي خلال العام المقبل. وذكرت شركة كاونتربوينت المتخصصة في أبحاث الأسواق أن متوسط سعر بيع الهواتف الذكية مرشح للزيادة بمعدل يقارب سبعة في المئة، وهو ما يعكس ارتفاعا ملحوظا في التكلفة الإجمالية لمكونات التصنيع. ووفقا للتقديرات، فإن تكاليف المكونات قد تشهد زيادة تتراوح بين عشرة وخمسة وعشرين في المئة، الأمر الذي يضع ضغوطا إضافية على الشركات المصنعة ويدفعها إلى إعادة النظر في استراتيجيات التسعير والإنتاج.
ويعود هذا التطور إلى التوسع السريع في تطبيقات الذكاء الاصطناعي على مستوى العالم، وهو ما دفع شركات تصنيع أشباه الموصلات خلال العام الحالي إلى إعطاء أولوية قصوى لإنتاج الذاكرة المتقدمة المستخدمة في معالجات تسريع الذكاء الاصطناعي، وعلى رأسها تلك المرتبطة بشركة إنفيديا. وقد جاء ذلك على حساب إنتاج المكونات الأساسية التي تدخل في تصنيع الأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية، مما أدى إلى اختلال في توازن العرض والطلب.
ونتيجة لهذا التحول، تفاقم النقص في ذاكرة الوصول العشوائي الديناميكية المعروفة باسم درام، وهي عنصر أساسي في عدد كبير من المنتجات الإلكترونية. ويشمل تأثير هذا النقص أجهزة الكمبيوتر المحمولة والسيارات الكهربائية، إضافة إلى المعدات الطبية والأجهزة المنزلية الذكية. هذا الاتساع في نطاق التأثير يعكس مدى الاعتماد المتزايد لمختلف الصناعات على هذه النوعية من الذاكرة.
وفي الأشهر الأخيرة، بدأت شركات الإلكترونيات الاستهلاكية في التحذير من احتمالات ارتفاع الأسعار. فقد أشارت شركات صينية كبرى مثل شاومي إلى أن الضغوط على التكاليف قد تنعكس على المستهلك النهائي. وفي الوقت نفسه، لجأت شركات أخرى مثل لينوفو إلى تخزين كميات إضافية من الذاكرة تحسبا لمزيد من الارتفاع في الأسعار مستقبلا. كما تأثرت أسواق المال بهذه التطورات، حيث شهدت أسهم شركة نينتندو تراجعا خلال معظم شهر ديسمبر مع تصاعد المخاوف بشأن تأثير نقص الذاكرة على جهاز الألعاب القادم وربحية الشركة.
وفي سوق الهواتف الذكية، تبدو العلامات التجارية الصينية أكثر عرضة للمخاطر، نظرا لاعتمادها على هوامش ربح منخفضة. وتشير تقديرات كاونتربوينت إلى أن نقص رقائق الذاكرة قد يؤثر بشكل خاص على الهواتف منخفضة التكلفة، مما قد يقلص الخيارات المتاحة أمام المستهلكين في هذه الفئة.
ويرى محللو كاونتربوينت أن شركتي أبل وسامسونج تتمتعان بوضع أفضل يسمح لهما بتجاوز التحديات خلال الفترات القليلة المقبلة، مستفيدتين من قوتهما التسويقية وهوامش الربح المرتفعة. في المقابل، تواجه الشركات الأخرى صعوبات أكبر في الموازنة بين الحفاظ على حصصها السوقية وتحقيق أرباح مستدامة، لا سيما الشركات الصينية المصنعة للأجهزة.
وبحسب التقرير، فإن تأثير هذه التطورات على المستهلكين قد يظهر بعدة أشكال، من بينها تشجيعهم على شراء الطرازات الأعلى سعرا، أو إعادة استخدام مكونات قديمة، أو خفض مواصفات بعض الأجزاء مثل الكاميرات، أو طرح هواتف بذاكرة أقل سعرا ومواصفات.




