تقنية

ديب سيك

شركة “ديب سيك” الصينية تستعد لإطلاق عميل ذكاء اصطناعي متقدم بحلول 2025

تسعى شركة “ديب سيك” (DeepSeek)، وهي شركة تقنية ناشئة مقرها مدينة هانغتشو الصينية، إلى تحقيق تقدم نوعي في مجال الذكاء الاصطناعي من خلال تطوير نموذج جديد من “عميل الذكاء الاصطناعي”، من المتوقع إطلاقه رسميًا بحلول نهاية عام 2025، وفقًا لتقرير تقني نُشر مؤخرًا.

ديب سيك
ديب سيك

وبحسب ما أورده التقرير، تعمل “ديب سيك” حاليًا على بناء نظام ذكاء اصطناعي من الجيل التالي يتمتع بقدرات متقدمة تُمكّنه من تنفيذ مهام معقدة تتطلب عادة تدخلًا بشريًا مستمرًا. ويمتاز النظام المرتقب بقدرته على أداء سلاسل من العمليات متعددة الخطوات بكفاءة عالية وبأقل قدر ممكن من التفاعل أو التوجيه المباشر من قبل المستخدمين. ويُعد هذا النهج نقلة نوعية في مجال تطوير الوكلاء أو “العملاء” الذكيين الذين يمكنهم العمل باستقلالية شبه كاملة.

وما يجعل هذا المشروع واعدًا هو تصميمه ليكون نظامًا تعليميًا ذاتيًا. أي أن نموذج الذكاء الاصطناعي الجديد سيتمكن من التعلم من خلال التجربة، بحيث يستخلص الدروس من المهام التي ينفذها سابقًا، ويستخدم تلك المعرفة لتحسين أدائه في المستقبل. ووفقًا لتقرير نشرته وكالة “بلومبرغ”، فإن هذه الخاصية من شأنها أن تتيح للنموذج التكيف الذاتي مع التحديات الجديدة، وتطوير فهم أعمق للسياقات المختلفة دون الحاجة لإعادة برمجة أو تدريب يدوي مستمر.

تطمح “ديب سيك” من خلال هذا المشروع إلى منافسة كبرى شركات التكنولوجيا العالمية العاملة في مجال الذكاء الاصطناعي، مثل “أوبن إيه آي” (OpenAI) و”غوغل ديب مايند” (Google DeepMind)، وذلك عبر تقديم حلول أكثر ذكاءً واستقلالية وقدرة على تقديم الدعم الفعلي في العمليات اليومية للأفراد والشركات على حد سواء.

ويُتوقع أن يكون لهذا النظام تطبيقات عملية واسعة النطاق، سواء في المساعدات الرقمية الشخصية، أو في دعم الأعمال المؤتمتة، أو حتى في قطاعات متخصصة مثل الرعاية الصحية، والخدمات القانونية، والتعليم، وغيرها. كما أنه قد يُحدث تحولًا في طريقة تفاعل البشر مع الآلات، من مجرد إعطاء الأوامر إلى بناء علاقات تفاعلية تعتمد على التفاهم والسياق والتعلم المشترك.

من الجدير بالذكر أن سوق الذكاء الاصطناعي العالمي يشهد حاليًا منافسة متصاعدة بين الشركات الناشئة والعملاقة على حد سواء، حيث يتسابق الجميع نحو تقديم حلول تعتمد على نماذج لغوية كبيرة (LLMs) ووكلاء ذكيين لديهم القدرة على الفهم واتخاذ القرارات وتنفيذ الأوامر المعقدة بشكل متكامل.

وإذا نجحت “ديب سيك” في تحقيق أهدافها ضمن الإطار الزمني المعلن، فإنها قد تضع نفسها في موقع ريادي بين مبتكري تكنولوجيا المستقبل، وتساهم في إعادة تعريف العلاقة بين الإنسان والآلة، في عصر أصبح فيه الذكاء الاصطناعي جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية.

اكتسبت شركة “ديب سيك” اهتمامًا عالميًا واسعًا في وقت سابق من هذا العام بعد إطلاق نموذج الذكاء الاصطناعي الخاص بها R1، الذي تميز بقدرات استدلال متقدمة وتكلفة تطوير منخفضة نسبيًا بلغت 6 ملايين دولار فقط. هذا الرقم بدا متواضعًا مقارنة بالنماذج المنافسة مثل “شات جي بي تي” من شركة OpenAI و”جيميني” من غوغل، مما جعل R1 نقطة تحول في المشهد التقني العالمي. وكان لافتًا أيضًا أن “ديب سيك” قررت جعل R1 مفتوح المصدر، ما أتاح للمطورين حول العالم إمكانية الوصول إلى شفرته البرمجية واستخدامه بحرية، الأمر الذي أكسب الشركة مزيدًا من الدعم والاهتمام من الأوساط التقنية.

تحدّت “ديب سيك” بهذا الإصدار الفكرة السائدة في وادي السيليكون التي تربط التقدم في الذكاء الاصطناعي بالموارد الضخمة والميزانيات الهائلة. فقد أثبت نموذج R1 أن الكفاءة التقنية يمكن تحقيقها دون الاعتماد على إمكانيات مالية ضخمة، وهو ما دفع الكثير من المراقبين لإعادة النظر في نهج “الأكبر هو الأفضل” الذي طالما هيمن على هذا القطاع.

رغم النجاح، اختار مؤسس الشركة، ليانغ وينفنغ، تأجيل إصدار النموذج التالي R2، مبررًا ذلك بالحاجة إلى تحسينات تقنية إضافية، إلى جانب انشغاله في عمله بشركة High-Flyer Asset Management. ويُعد هذا النهج المتأني مختلفًا عن ما تقوم به شركات كبرى مثل “علي بابا” و”تينسنت”، اللتين تسارعان إلى إطلاق تقنيات الذكاء الاصطناعي الخاصة بهما بوتيرة متسارعة.

في تطور مهم آخر، أطلقت “ديب سيك” تحديثًا جديدًا يحمل اسم V3.1، تضمّن توسيع نافذة السياق إلى 128,000 رمز، وزيادة عدد المعلمات إلى 685 مليار، ما يعكس تطورًا كبيرًا في قدرة النموذج على فهم النصوص وتحليلها. ومن الناحية الأخلاقية والتقنية، أقدمت الشركة على خطوة جريئة بفرض تسميات إلزامية على جميع المحتويات المُولدة بواسطة الذكاء الاصطناعي، وهو إجراء لا يمكن تعطيله، مما يعزز الشفافية ويميز “ديب سيك” عن نظرائها في السوق.

يتجه نموذج R2 نحو سوق جديدة نسبيًا وهي سوق “وكلاء الذكاء الاصطناعي”، وهي أدوات ذكية تتعدى مجرد الرد على النصوص لتتولى مهام عملية معقدة مثل تخطيط الرحلات، وتصحيح أخطاء البرمجيات، وإدارة سير العمل، وكل ذلك بحد أدنى من الإشراف البشري. ويرى محللون أن هذه التقنية تمثل المرحلة التالية في تطور الذكاء الاصطناعي، لما لها من قدرة على تعزيز الإنتاجية وإحداث تحول جوهري في تقديم الخدمات الرقمية.

وبينما بدأت شركات كبرى مثل OpenAI، مايكروسوفت، وأنثروبيك بتطوير ميزات تركز على تلبية احتياجات العملاء، تهدف “ديب سيك” إلى مواكبة هذه الجهود وربما التفوق عليها، مستمرة في تحدي الهيمنة الأميركية على هذا القطاع الحيوي. وعلى الرغم من عدم توفر معلومات واضحة حتى الآن بشأن تسعير نموذج R2 وتفاصيل توافره أو مواصفاته الكاملة، إلا أن المحللين يتوقعون أن يحظى الإطلاق المرتقب بمتابعة حثيثة في كل من وادي السيليكون وواشنطن، خاصةً في ظل تنامي القلق الأميركي من تصاعد نفوذ الصين في ميدان الذكاء الاصطناعي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى