الذكاء الاصطناعي
خلال المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس الأسبوع الماضي، تصاعد الجدل بين قادة وخبراء الذكاء الاصطناعي حول المخاطر المحتملة لهذه التكنولوجيا سريعة التطور، مع تركيز النقاش بشكل خاص على مشروع البنية التحتية الضخم للذكاء الاصطناعي المعروف باسم “ستارغيت”، والذي تم الترويج له من قبل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بتكلفة تُقدر بـ 500 مليار دولار.
وأثار مشروع “ستارغيت” انقسامات واضحة بين الحضور، حيث رأى البعض أنه خطوة ضرورية لتسريع التقدم التكنولوجي وتعزيز الريادة الأمريكية في مجال الذكاء الاصطناعي، بينما حذر آخرون من أن مثل هذه المشاريع العملاقة قد تفاقم المخاطر المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، خاصة في ظل التنافس الجيوسياسي المتصاعد والضغوط التجارية التي قد تطغى على اعتبارات السلامة والأخلاقيات.
واستغل رواد الذكاء الاصطناعي الفرصة لتكرار تحذيراتهم الصارمة من أن التطور السريع لهذه التكنولوجيا دون ضوابط كافية قد يؤدي إلى عواقب وخيمة، بما في ذلك فقدان السيطرة على الأنظمة الذكية، وتفاقم عدم المساواة الاجتماعية، واستخدام الذكاء الاصطناعي في أغراض عسكرية أو استخباراتية خطيرة. وشددوا على أن المصالح التجارية والتنافس بين الدول قد يتسببان في إهمال معايير السلامة والأمان، مما يعرض البشرية لمخاطر جسيمة.
من جهة أخرى، دافع مؤيدو المشروع عن أهمية “ستارغيت” في تعزيز البنية التحتية التكنولوجية اللازمة لدعم الابتكار في الذكاء الاصطناعي، معتبرين أن الولايات المتحدة يجب أن تظل في صدارة هذا المجال الحيوي لضمان أمنها القومي ومكانتها العالمية. ومع ذلك، ظل السؤال الأكبر معلقًا: كيف يمكن تحقيق التوازن بين التقدم التكنولوجي السريع وضمان أن تظل هذه التكنولوجيا تحت السيطرة البشرية وتخدم الصالح العام؟
تهديدات الذكاء الاصطناعي
أقر هاسابيس بأن “الجني لا يمكن إعادته إلى القمقم”، في كناية على صعوبة السيطرة على تهديدات الذكاء الاصطناعي بمجرد خروجه عن السيطرة. وأشار إلى أن الذكاء الاصطناعي العام، الذي يتفوق فيه الكمبيوتر على القدرات الإدراكية للإنسان، قد يشكل تهديدًا للحضارة إذا خرج عن السيطرة أو وقع تحت سيطرة جهات ذات نوايا سيئة.
وأكد أن هذا الخطر يزداد بشكل خاص مع نماذج اللغة الكبيرة “مفتوحة المصدر”، التي يمكن لأي شخص الوصول إليها. وأضاف هاسابيس، الحائز على جائزة نوبل، في مقابلة مع الصحيفة: “هناك الكثير على المحك هنا، أكثر من مجرد شركات أو منتجات. إنه مستقبل البشرية والحضارة والإنسانية”.
من جهته، قال بنجيو خلال جلسة نقاشية: “العلم لا يعرف حتى الآن كيف يمكننا التحكم في الآلات التي تصل إلى مستوى ذكائنا، ناهيك عن تلك التي تفوقنا ذكاءً”. وأضاف: “هناك من يقولون ‘لا تقلق، سنكتشف طريقة للتعامل مع ذلك’. ولكن ماذا لو لم نكتشفها؟ هل ندرك حقًا العواقب المحتملة؟”.
في المقابل، انتقد يان ليكون، كبير علماء الذكاء الاصطناعي في شركة ميتا، التي استثمرت مليارات الدولارات في تطوير نموذج اللغة الكبيرة مفتوح المصدر “Llama”، ما وصفه بالمنافقة في مواقف بعض الجهات. وقال ليكون في مقابلة إن المخاوف المبالغ فيها تجاه الذكاء الاصطناعي قد تم دحضها من خلال المنافسة الشرسة في تطوير وبيع أفضل النماذج. وأضاف: “العقبات التي تُوضع أمام توزيع نماذج المصدر المفتوح ستؤدي إلى سيطرة تنظيمية من قبل عدد قليل من اللاعبين الكبار، مما يتركز القوة في أيدي قلّة”.
“ستارغيت”
بينما كان العلماء والمهندسون منشغلين بمناقشة حجم المخاطر مقارنة بالمكاسب المحتملة للذكاء الاصطناعي، أظهر المسؤولون التنفيذيون في قطاع الأعمال حماسًا كبيرًا تجاه هذه التكنولوجيا، دون إبداء الكثير من التحفظات.
هذا الحماس جاء في أعقاب إعلان مهم يوم الأربعاء عن تعاون استراتيجي بين “OpenAI” و”سوفت بنك” و”أوراكل” في مشروع مشترك ضخم للبنية التحتية للذكاء الاصطناعي، يحمل اسم “ستارغيت”، بقيمة تقديرية تصل إلى 500 مليار دولار. هذا الإعلان أضاف زخمًا جديدًا إلى المنافسة المحتدمة بالفعل في هذا المجال.
وقد اتخذ الرئيس ترامب خطوات داعمة للأسبوع الماضي، حيث وقع أوامر تنفيذية تهدف إلى إزالة العديد من الحواجز التي تعترض تطوير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. جاء ذلك بعد لقائه مع الرؤساء التنفيذيين للشركات الثلاث، حيث أكد أن هذه الخطوات ستضمن تفوق الولايات المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعي.
وسيطر مشروع “ستارغيت” على النقاشات في منتدى “دافوس” طوال الأسبوع، حيث أثار فضول العديد من المشاركين، بما فيهم الملياردير إيلون ماسك، الذي يمتلك شركة ناشئة تعمل في مجال الذكاء الاصطناعي. تساءل الحضور عن كيفية تمويل التحالف الثلاثي للنفقات الهائلة التي يتطلبها هذا المشروع العملاق.
ووفقًا لتقارير، فإن “ستارغيت” لم يحصل بعد على التمويل الكامل الذي يحتاجه، ولن يتلقى أي دعم مالي حكومي. كما أن المشروع، عند اكتماله، سيخدم بشكل أساسي “OpenAI”. حتى الآن، تعتزم كل من “سوفت بنك” و”OpenAI” المساهمة بأكثر من 15 مليار دولار لكل منهما، مع خطة لجمع مزيج من التمويل عبر الأسهم من المستثمرين الحاليين والديون.
خلاف “OpenAI” و”مايكروسوفت”
يُعتبر المشروع الجديد أحدث مؤشر على وجود توترات في العلاقة بين سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة “OpenAI”، وكل من ساتيا ناديلا، الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت، ومصطفى سليمان، كبير المديرين التنفيذيين للذكاء الاصطناعي في مايكروسوفت. مصطفى سليمان، المؤسس المشارك السابق لشركة “ديب مايند”، ترك شركته الناشئة وانضم إلى مايكروسوفت في أوائل العام الماضي، مما أثار تساؤلات حول طبيعة العلاقة بين الشركتين.
وقد علق مارك بينيوف، الرئيس التنفيذي لشركة “Salesforce”، المنافسة لمايكروسوفت في مجال بيع وكلاء الذكاء الاصطناعي للشركات، على هذه التوترات قائلًا: “كانت التوترات التي ظهرت بين مصطفى سليمان وسام ألتمان في دافوس العام الماضي مجرد البداية”. وأضاف بينيوف أن مايكروسوفت تعمل الآن على تسريع تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي الخاصة بها، مما يعكس نمطًا تاريخيًا في تعامل الشركة مع شركائها. واعتبر أن هذا التطور قد يمثل بداية النهاية للعلاقة بين مايكروسوفت وOpenAI، مما يفرض على الأخيرة التوسع إلى منصات أخرى بسرعة.
من الجدير بالذكر أن مايكروسوفت استثمرت ما يقرب من 14 مليار دولار في OpenAI منذ عام 2019، حيث تفاوضت على حقوق الملكية الفكرية وأصبحت المزود الحصري للحوسبة السحابية للشركة. ومع ذلك، تم إنهاء هذه الاتفاقية بالتزامن مع الإعلان عن مشروع “ستارغيت”، مما أثار المزيد من التساؤلات حول مستقبل الشراكة بين العملاقين التكنولوجيين.
من جهته، نفى فرانك شو، المتحدث باسم مايكروسوفت، تصريحات بينيوف، قائلًا إنه “ليس لديه فكرة عما يتحدث عنه”. كما أشار ساتيا ناديلا، خلال مشاركته في منتدى دافوس، إلى أن تعهدات الإنفاق الخاصة بمشروع “ستارغيت” قد تكون موضع شك، بينما أشاد بخطط مايكروسوفت لإنفاق رأسمالي بقيمة 80 مليار دولار.
يُعتبر هذا المشروع أحدث مثال على السباق المحموم لتطوير البنية التحتية لمراكز البيانات في الولايات المتحدة، حيث تستعد البلاد لدخول المرحلة الثانية من الطفرة الاقتصادية التي يقودها الذكاء الاصطناعي.