بيتكوين
أصبحت مواجهة عصابات تعدين البيتكوين غير القانونية تشبه في طبيعتها العمليات العسكرية المعقدة، حيث تعتمد الحكومة أساليب متقدمة لملاحقتها ورصدها. الطائرات المخصصة للمراقبة تحلق فوق المناطق المختلفة، بما في ذلك المتاجر والمنازل المهجورة، بهدف الكشف عن أي نشاط غير قانوني يتعلق بتعدين العملات الرقمية. هذه الطائرات مزودة بأجهزة استشعار حرارية متقدمة قادرة على رصد اختلافات الحرارة الطفيفة، التي تشير إلى تشغيل أجهزة الكمبيوتر الكبيرة والآلات الإلكترونية المكثفة الاستخدام للطاقة الكهربائية. هذه البصمة الحرارية تعتبر دليلاً لا يُخطئ على وجود معدات تعمل بشكل مستمر وغير مسموح به، ما يجعلها أداة رئيسية للسلطات في تحديد مواقع المخالفين.

على الأرض، تعتمد قوات الشرطة أيضاً على تقنيات حديثة، مثل أجهزة استشعار الكهرباء المحمولة، التي تساعد في اكتشاف أي استخدام غير عادي للكهرباء قد يشير إلى تشغيل أجهزة التعدين. هذه الأجهزة يمكنها تحديد الاستهلاك الفعلي للطاقة الكهربائية مقارنة بما هو مسموح به في المباني المختلفة، الأمر الذي يتيح للشرطة التركيز على المواقع الأكثر احتمالية لانتهاك القوانين. وبذلك، تمثل هذه الوسائل أرضية مكملة لما تفعله الطائرات من السماء، لتشكيل نظام مراقبة متكامل يستهدف الحد من النشاطات غير القانونية المتعلقة بالعملات الرقمية.
مع ذلك، ليست كل الملاحقات تعتمد على التكنولوجيا المتقدمة فقط. ففي بعض الحالات، تكون الاستراتيجيات أقل تعقيداً وأكثر اعتمادية على الشكاوى والملاحظات المحلية. فقد لاحظ السكان أصواتاً غير مألوفة في الأحياء، مثل ضوضاء الطيور أو الأصوات الطبيعية الأخرى التي تبدو غير مرتبطة بالنشاط البشري. من خلال هذه الملاحظات، يتمكن الضباط من اكتشاف أن العصابات تستخدم أصوات الطبيعة لتغطية الضوضاء الناتجة عن تشغيل الأجهزة، محاولة إخفاء النشاطات غير القانونية عن الجيران والمارة. هذا الأسلوب يوضح كيف يمكن للتقنيات التقليدية والملاحظة الدقيقة أن تتكامل مع التكنولوجيا الحديثة لتوفير رصد فعال وشامل للنشاطات المخالفة.
وفقاً للتقارير الصحفية، فقد ساعد هذا المزيج بين التكنولوجيا والملاحظة على زيادة فعالية الحملات الحكومية ضد تعدين البيتكوين غير القانوني. الطائرات الحرارية والأجهزة المحمولة لم تعد مجرد أدوات مساعدة، بل أصبحت محوراً أساسياً في العمليات الأمنية، حيث يمكن من خلالها تحديد مواقع المخالفين بدقة عالية، ومن ثم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة. وفي الوقت نفسه، يظل الدور البشري مهماً جداً، إذ أن حدة الانتباه للمحيط والملاحظات الصغيرة قد تكشف عن أساليب الابتكار التي يلجأ إليها المخالفون لإخفاء نشاطاتهم.
بالتالي، يمكن القول إن مكافحة تعدين العملات الرقمية غير القانوني أصبحت عملية متعددة المستويات، تجمع بين المراقبة الجوية، والفحص الكهربائي، والملاحظة الدقيقة من قبل السكان المحليين، لتشكل منظومة متكاملة قادرة على التصدي للتحديات الجديدة في هذا المجال. هذه العملية ليست مجرد رد على مخالفة قانونية، بل تمثل تحركاً استراتيجياً متقدماً يهدف إلى حماية الشبكة الكهربائية والممتلكات العامة ومنع استغلال التكنولوجيا بشكل ضار، بما يحافظ على النظام العام ويحد من المخاطر الاقتصادية والبيئية الناجمة عن النشاطات غير القانونية في مجال تعدين العملات الرقمية.
تشكل مجموعة من الأدوات والتقنيات شبكة مراقبة متنقلة لملاحقة عمليات تعدين البيتكوين غير القانونية، إذ تتنقل عصابات التعدين بين مواقع مختلفة، بدءاً من واجهات المتاجر الفارغة إلى المنازل المهجورة، وتقوم بتركيب دروع حرارية لإخفاء وهج الأجهزة التي تستخدمها في التعدين. كما تعمل هذه العصابات على تجهيز المداخل بكاميرات مراقبة وأجهزة أمنية مشددة، بالإضافة إلى أجهزة تمنع كسر الزجاج، وذلك بهدف منع وصول الزوار غير المرغوب فيهم وحماية مواقعهم من الاكتشاف.
وقد كشفت السلطات الماليزية عن وجود حوالي أربعة عشر ألف موقع تعدين غير قانوني على مدار السنوات الخمس الماضية، مما أدى إلى خسائر مالية ضخمة بسبب سرقة الكهرباء. وتشير التقارير إلى أن شركة الطاقة المملوكة للدولة، تيناغا ناسيونال، تكبدت خسائر تقارب 1.1 مليار دولار خلال هذه الفترة نتيجة الاستهلاك غير المشروع للكهرباء، وفقاً لوزارة الطاقة الماليزية. ومع تزايد شهرة عملة البيتكوين وارتفاع قيمتها إلى مستويات قياسية خلال فترات معينة، شهدت البلاد تسارعاً في حالات سرقة الكهرباء المرتبطة بالتعدين، حيث سجلت السلطات نحو ثلاثة آلاف حالة بحلول أوائل شهر أكتوبر، قبل أن تتراجع قيمة البيتكوين لاحقاً ثم تعاود الارتفاع.
رداً على هذه الظاهرة، كثفت ماليزيا جهودها في مكافحة الأنشطة غير القانونية. وفي التاسع عشر من نوفمبر، شكلت الحكومة لجنة خاصة مشتركة بين الوكالات، تضم وزارة المالية وبنك نيجارا الماليزي، بهدف تنسيق حملة صارمة لمكافحة المشغلين المارقين لمواقع التعدين. وأكد نائب وزير تحول الطاقة وتحويل المياه، رئيس اللجنة، أن خطورة السماح بانتشار مثل هذه الأنشطة لم تعد مقتصرة على سرقة الكهرباء فحسب، بل تشمل تهديد البنية التحتية الوطنية، مما يجعل هذه المشكلة تحدياً حقيقياً للنظام الكهربائي والاقتصادي في البلاد.
تعدين البيتكوين يعتمد على إجراء عمليات حسابية معقدة باستخدام قوة حوسبية ضخمة، حيث تقوم مجموعات من الأجهزة المتخصصة، والمعروفة باسم الحفارات، بتنفيذ تريليونات العمليات الحسابية في الثانية للتحقق من صحة المعاملات على شبكة البيتكوين. وعندما تنجح هذه الأجهزة في حل المعادلات، يكسب مالكوها عملات بيتكوين كمكافأة على جهودهم.
على المستوى العالمي، يستهلك تعدين البيتكوين كمية من الكهرباء تفوق الاستهلاك الكلي لعدد من الدول، مثل جنوب إفريقيا أو تايلاند. وتشير بيانات مركز كامبريدج للتمويل البديل إلى أن أكثر من خمسة وسبعين بالمئة من عمليات التعدين تتم في الولايات المتحدة، بينما يظل حجم هذا النشاط في ماليزيا أقل وضوحاً. في يناير من عام ألفين واثنين وعشرين، كانت ماليزيا تستحوذ على نحو اثنين ونصف بالمئة من معدل التجزئة العالمي، وهو المقياس الذي يعكس القوة الحسابية المستخدمة في التعدين، لكن البيانات الأحدث لم تُنشر بعد.
يعد تعدين البيتكوين قانونياً في ماليزيا، شريطة أن يحصل المشغلون على الكهرباء بطريقة مشروعة وأن يلتزموا بدفع الضرائب المقررة، مما يجعل التنظيم والرقابة على هذا القطاع أمراً ضرورياً لضمان عدم تأثيره على استقرار البنية التحتية الكهربائية والاقتصاد الوطني. ويظل تحقيق التوازن بين تشجيع الابتكار في العملات الرقمية وحماية الموارد الوطنية تحدياً مستمراً للسلطات الماليزية.




