الذكاء الاصطناعي
أوضح أحد أبرز الباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي، الذي ساهم بشكل كبير في تطوير هذا المجال وواحد من رواده، أن شركة غوغل بحاجة إلى تسريع جهودها لمواكبة التطورات الحالية في تقنيات الذكاء الاصطناعي. وقد أعرب هذا الباحث، الذي يحمل منصب أستاذ فخري في جامعة تورنتو وكان جزءًا من فريق “غوغل برين” للذكاء الاصطناعي، عن دهشته من البطء النسبي الذي أظهرته الشركة مقارنة بالمنافسين الرئيسيين في هذا المجال.

في مقابلة حديثة مع موقع بيزنس إنسايدر، أشار إلى أن المنافسة في تقنيات الذكاء الاصطناعي تتصاعد بشكل سريع، وأن هناك شركات أخرى بدأت تحقق تقدمًا ملموسًا في تطوير نماذج ذكاء اصطناعي متقدمة يمكنها معالجة مهام معقدة وإنتاج نتائج دقيقة بطريقة لم تعد تقتصر على نطاق محدود من التطبيقات. وقد اعتبر أن هذا التقدم المتسارع يتطلب من جميع اللاعبين الرئيسيين في القطاع، بمن فيهم الشركة التي عمل معها سابقًا، اتخاذ خطوات أكثر حزمًا لتجنب التأخر عن الركب التكنولوجي.
كما أعرب الباحث عن قلقه بشأن انعكاسات التأخر في تبني أو تطوير أحدث الابتكارات، مشيرًا إلى أن أي تأخير يمكن أن يضع الشركة في موقف أقل قدرة على المنافسة في السوق المستقبلي للذكاء الاصطناعي. وقد تناول أيضًا أهمية الاستفادة من الموارد الضخمة التي تمتلكها الشركات الكبرى، مثل البيانات الواسعة ونظم الحوسبة المتقدمة، لتسريع عملية البحث والتطوير في هذا المجال الحيوي.
في سياق حديثه، أشار الباحث إلى أن الطبيعة التنافسية لتقنيات الذكاء الاصطناعي تتطلب مرونة كبيرة وسرعة في اتخاذ القرارات. وأكد أن الابتكار في هذا القطاع لا يمكن أن يتحقق بالاعتماد على النهج التقليدي أو الانتظار لفترات طويلة قبل إطلاق المنتجات الجديدة أو تحسين النماذج القائمة. وأوضح أن الشركات التي تتأخر في تبني الاستراتيجيات الحديثة والمبادرات الطموحة قد تجد نفسها في وضع صعب أمام المنافسين الذين يتمتعون بالقدرة على التكيف بشكل أسرع مع المستجدات التقنية.
كما شدد الباحث على أن المستقبل في مجال الذكاء الاصطناعي لا يتعلق فقط بقدرة النماذج على أداء المهام، بل يتضمن أيضًا القدرة على دمج هذه التقنيات بطريقة مفيدة للمستخدمين والشركات على حد سواء. وهذا يتطلب استثمارات كبيرة في البحث والابتكار، فضلاً عن تبني ثقافة تشجع على المخاطرة والتجربة، وهو ما قد يكون تحديًا لبعض المؤسسات الكبيرة التي تميل إلى الحذر في تطوير منتجاتها الجديدة.
في نهاية حديثه، أشار الباحث إلى أن المجال يشهد تحولات كبيرة تتطلب التفكير الاستراتيجي بعيد المدى، وأكد على أهمية العمل بشكل أسرع وأكثر كفاءة للاستفادة من الإمكانيات الهائلة التي يقدمها الذكاء الاصطناعي. ورأى أن هناك فرصة كبيرة للشركات التي تستطيع التحرك بسرعة لتقديم حلول مبتكرة، وأن التأخر عن هذا السباق قد يقلل من فرصها في تحقيق الريادة التكنولوجية التي كانت تسعى إليها.
بهذا الشكل، يمكن ملاحظة أن موقف الباحث يعكس مزيجًا من القلق والفرص في آن واحد، مؤكداً على أن السباق نحو تطوير الذكاء الاصطناعي أصبح أكثر تعقيدًا وسرعة، وأن الوقت الآن هو عامل حاسم في قدرة أي شركة على المنافسة والابتكار في هذا المجال المتطور.
تقدمت شركة غوغل بوضوح في سباق الذكاء الاصطناعي بعد إطلاقها الناجح لنموذجها الجديد المعروف باسم جيميني ثلاثة، حيث اعتبره عدد من خبراء التكنولوجيا خطوة مهمة رفعت الشركة العملاقة إلى مستوى أعلى من نموذج جي بي تي خمسة الذي أطلقته شركة أوبن إيه آي. وقد حقق نموذج غوغل في إنشاء الصور باستخدام الذكاء الاصطناعي والمعروف باسم نانو بانانا برو أيضًا نجاحًا كبيرًا، مما عزز مكانة الشركة في مجال الابتكار التكنولوجي.
على الرغم من مرور ثلاث سنوات على إعلان غوغل حالة الطوارئ بعد إطلاق أوبن إيه آي لروبوت الدردشة الشهير شات جي بي تي، تشير التقارير الحديثة إلى أن الدور قد انقلب، وأصبحت أوبن إيه آي هي التي تشعر بالضغط وتحذر من تقدم المنافسين في هذا المجال. وقد وصف الباحث في الذكاء الاصطناعي جيفري هينتون موقف غوغل مقارنة بأوبن إيه آي قائلاً إنه يعتقد أن غوغل بدأت الآن في التفوق على منافستها.
وعلى صعيد آخر، فإن إطلاق غوغل لأحدث نماذجها للذكاء الاصطناعي لم يقتصر على تعزيز مكانتها التكنولوجية فحسب، بل انعكس أيضًا على سوق الأسهم، حيث ارتفعت أسهم الشركة على خلفية تقارير تفيد باحتمال إبرام صفقة بمليار دولار لتزويد شركة ميتا برقائق الذكاء الاصطناعي الخاصة بها، مما يعكس قدرة غوغل على مزج الابتكار مع الجانب التجاري بكفاءة.
ويرى هينتون، الذي ساهم في ريادة أبحاث الذكاء الاصطناعي خلال عمله في غوغل برين، أن تصنيع الشركة لشرائحها الخاصة يشكل ميزة كبيرة لها في هذا المجال. وأوضح أن غوغل تمتلك نخبة من الباحثين المتميزين، بالإضافة إلى كميات ضخمة من البيانات ومراكز بيانات متقدمة، وهو ما يعزز فرصها في الفوز بسباق الذكاء الاصطناعي بين شركات التكنولوجيا الكبرى.
وأشار هينتون أيضًا إلى أن غوغل كانت يومًا في طليعة الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي لكنها ترددت في بعض المراحل، خاصة بعد التجربة الفاشلة لشركة مايكروسوفت في عام ألفين وستة عشر مع روبوت الدردشة القصير العمر تاي، الذي أوقفته الشركة بعد نشره تغريدات عنصرية. وأضاف أن غوغل كانت في الصدارة لفترة طويلة، فقد اخترعت تقنيات المحولات وامتلكت روبوتات دردشة كبيرة قبل غيرها، إلا أن هذا التأخر في الإطلاق يعود إلى حرصها على تقديم منتج يلقى رضا المستخدمين.
وكان الرئيس التنفيذي لشركة غوغل سوندار بيتشاي قد صرح سابقًا أن الشركة لم تصل بعد إلى المستوى الذي يسمح لها بطرح روبوت الدردشة الجديد بطريقة ترضي الجمهور. وقد غادر هينتون غوغل في عام ألفين وثلاثة وعشرين بسبب مخاوفه المتعلقة بتطور الذكاء الاصطناعي، ومنذ ذلك الحين عبّر مرارًا عن قلقه من المخاطر المحتملة لهذه التكنولوجيا على المجتمع، بدءًا من قدرتها على التفوق على البشر وصولًا إلى احتمال إزاحة الوظائف.
وفي عام ألفين وأربعة وعشرين، حصل هينتون على جائزة نوبل في الفيزياء مناصفة، وهو تكريم يعكس مساهماته الكبيرة في مجال العلم والتكنولوجيا، ويؤكد مكانته كأحد أبرز العلماء الذين ساهموا في دفع حدود الابتكار في الذكاء الاصطناعي على مستوى العالم.




