غوغل

أعلنت شركة غوغل يوم الإثنين عن توقيع اتفاقيات جديدة مع عدد من مرافق الكهرباء في الولايات المتحدة، بهدف تقليل استهلاك الطاقة في مراكز بياناتها المعتمدة على تقنيات الذكاء الاصطناعي، وذلك خلال فترات الذروة التي تشهد فيها شبكة الكهرباء طلبًا مرتفعًا. وتأتي هذه الخطوة في ظل تزايد القلق من حجم استهلاك الطاقة الهائل المرتبط بتشغيل تقنيات الذكاء الاصطناعي، والذي بات يشكل ضغطًا متناميًا على شبكات الكهرباء، لا سيما في مناطق تشهد بالفعل نقصًا في إمدادات الطاقة.

وقد أشارت غوغل إلى أن الاتفاقيات تهدف إلى دعم استقرار شبكة الكهرباء، من خلال تنظيم استهلاك مراكز البيانات التابعة لها في الأوقات الحرجة، من دون التأثير سلبًا على أدائها العام. وتُعد مراكز البيانات، وخاصة تلك المستخدمة في تدريب وتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي، من أكثر البُنى التحتية استهلاكًا للطاقة الكهربائية، بسبب اعتمادها على آلاف الخوادم التي تعمل باستمرار على مدار الساعة.
وتُعد هذه المبادرة من غوغل جزءًا من استراتيجية أوسع تسعى من خلالها إلى التكيف مع التحديات البيئية واللوجستية المرتبطة بتوسيع نطاق استخدام الذكاء الاصطناعي. فمع النمو المتسارع في الطلب على هذه التقنيات، تلقت شركات المرافق الكهربائية في الولايات المتحدة طلبات ضخمة لتزويد مراكز البيانات الجديدة بالطاقة، وهو ما دفع بعض المناطق إلى تجاوز حدود قدرتها الحالية على تلبية هذا الطلب.
وقد أثارت هذه التطورات مخاوف متزايدة لدى المسؤولين عن قطاع الطاقة، خاصةً في ظل توقعات تشير إلى أن استهلاك الكهرباء المرتبط بالذكاء الاصطناعي قد يتضاعف خلال السنوات القليلة المقبلة. وتخشى بعض الولايات من عدم قدرتها على تلبية احتياجات هذه المراكز، الأمر الذي قد يؤدي إلى اختناقات في الشبكة أو حتى انقطاعات في التيار الكهربائي خلال فترات الذروة.
ومن خلال الاتفاقيات الجديدة، تأمل غوغل في تقديم نموذج يُحتذى به لبقية شركات التكنولوجيا الكبرى التي تعتمد بشكل متزايد على البنية التحتية الرقمية كثيفة الاستهلاك للطاقة. كما تهدف الشركة إلى تعزيز التزامها بالاستدامة البيئية، والذي كانت قد أعلنت عنه سابقًا من خلال مبادراتها لتشغيل مراكز البيانات باستخدام طاقة خالية من الكربون بحلول عام 2030.
يُذكر أن هذه الخطوة قد تُسهم في التخفيف من الأثر البيئي لتوسّع الذكاء الاصطناعي، خصوصًا في ظل ازدياد الانتقادات بشأن تأثير الصناعة التقنية على المناخ. كما أنها تعكس تنامي الوعي بين عمالقة التكنولوجيا بضرورة إيجاد حلول عملية توازن بين الابتكار التقني والاستدامة البيئية. ومن المتوقع أن تراقب جهات تنظيمية وجهات بيئية هذه المبادرات عن كثب لتقييم مدى فعاليتها وإمكانية توسيع نطاقها في المستقبل.
تسببت أزمة الطاقة الأخيرة في الولايات المتحدة في تصاعد المخاوف بشأن ارتفاع تكاليف الكهرباء، سواء بالنسبة للأسر أو الشركات، بالإضافة إلى تزايد القلق من احتمال حدوث انقطاعات في التيار الكهربائي، وذلك بحسب تقرير نشرته وكالة “رويترز”. ويأتي هذا في وقتٍ تواجه فيه شبكة الكهرباء ضغطًا متزايدًا نتيجة تزايد الطلب على الطاقة، خاصةً مع التوسع الكبير في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، والتي تتطلب موارد كهربائية ضخمة وبسرعة عالية لتشغيل مراكز البيانات الضخمة ومعالجة كميات هائلة من المعلومات.
أمام هذا التحدي، تسعى كبرى شركات التكنولوجيا، وعلى رأسها “غوغل”، إلى التكيف مع الواقع الجديد من خلال حلول مبتكرة. فقد أعلنت الشركة عن توقيع اتفاقيات مع شركتين للطاقة هما “Indiana Michigan Power” وهيئة تينيسي للطاقة، بهدف تقليص استهلاك الكهرباء في مراكز بياناتها عند الحاجة، وذلك في إطار ما يُعرف ببرامج “الاستجابة للطلب”. وتُعد هذه الاتفاقيات الأولى من نوعها التي تبرمها “غوغل” ضمن هذا السياق، حيث تنص على تخفيض أعباء العمل المتعلقة بتقنيات التعلم الآلي – أحد فروع الذكاء الاصطناعي – بشكل مؤقت، عندما تطلب منها شركات الكهرباء ذلك.
وأوضحت “غوغل” في بيان نشرته على مدونتها الرسمية أن هذه الخطوة تمثل تحولًا استراتيجيًا في طريقة ربط الأحمال الكهربائية الكبيرة مثل مراكز البيانات بالشبكات الكهربائية. فمن خلال هذه الاتفاقيات، يصبح بالإمكان تسريع عملية الربط بين مراكز البيانات والشبكة، وتقليل الحاجة إلى بناء محطات طاقة جديدة أو إنشاء خطوط نقل إضافية. كما تساهم هذه الاستجابة في دعم مشغلي الشبكات، وتمكينهم من إدارة موارد الطاقة بشكل أكثر كفاءة ومرونة، لا سيما في أوقات الذروة.
الجدير بالذكر أن هذا النوع من برامج “الاستجابة للطلب” لا يُعد جديدًا، إذ كان يُستخدم سابقًا في صناعات تستهلك كميات هائلة من الطاقة مثل الصناعات التحويلية الثقيلة وتعدين العملات الرقمية، مقابل حوافز مالية أو تخفيضات في فواتير الكهرباء. ومع ذلك، فإن دخول شركات التكنولوجيا الكبرى مثل “غوغل” في هذه المبادرات يمثل تحولًا مهمًا في بنية سوق الطاقة.
ورغم أن هذه الاتفاقيات لا تشمل سوى جزء محدود من الطلب على الكهرباء، فإنها قد تشكل نموذجًا يُحتذى به في المستقبل، خاصة مع تنامي الضغوط على شبكة الكهرباء الوطنية في الولايات المتحدة. ومع استمرار الطلب المتزايد على تقنيات الذكاء الاصطناعي، يُتوقع أن تصبح مثل هذه الترتيبات أكثر شيوعًا كوسيلة للتوفيق بين النمو التكنولوجي والحفاظ على استقرار الطاقة.