غوغل

في تطور قانوني جديد يشكل انتكاسة كبيرة لشركة غوغل، أوصى مستشار قانوني في المحكمة العليا للاتحاد الأوروبي يوم الخميس برفض استئناف تقدمت به شركة التكنولوجيا العملاقة ضد غرامة قياسية تتعلق بمكافحة الاحتكار، بلغت 4.1 مليار يورو (ما يعادل 4.7 مليار دولار أميركي). وتُعد هذه الغرامة واحدة من أكبر الغرامات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على شركة في مجال التكنولوجيا، ضمن سلسلة من المعارك القانونية التي خاضها التكتل ضد هيمنة الشركات الكبرى على الأسواق الرقمية.

وقد قدمت المحامية العامة جوليان كوكوت، وهي مستشارة في محكمة العدل الأوروبية، توصيتها الرسمية للمحكمة برفض استئناف غوغل بالكامل. وأكدت كوكوت في رأيها أن المحكمة يجب أن تحافظ على الحكم السابق الذي أصدرته المحكمة العامة للاتحاد الأوروبي في عام 2022، والذي خفّض الغرامة الأصلية من 4.34 مليار يورو إلى 4.125 مليار يورو، دون المساس بجوهر الإدانة الموجهة ضد غوغل.
وتتمثل القضية الأساسية في أن المفوضية الأوروبية كانت قد اتهمت غوغل باستغلال موقعها المهيمن في سوق الهواتف الذكية التي تعمل بنظام أندرويد، من خلال فرض قيود غير قانونية على الشركات المصنعة للأجهزة وشركات تشغيل شبكات الهاتف المحمول. واعتبرت المفوضية أن غوغل فرضت على هذه الشركات تثبيت تطبيقاتها، مثل محرك البحث Google وتطبيق Google Chrome، كشرط مسبق للوصول إلى متجر التطبيقات Google Play، مما أدى إلى تقويض المنافسة في السوق.
وأكدت محكمة العدل الأوروبية، التي تتخذ من لوكسمبورغ مقرًا لها، في بيان صحفي أن المحامية العامة كوكوت ترى أن الاستئناف الذي قدمته غوغل لا يستند إلى أسباب قانونية كافية لتغيير الحكم السابق، وأن القرار الصادر عن المحكمة العامة كان مدعومًا بالأدلة الكافية ويتماشى مع المبادئ القانونية المعمول بها في الاتحاد الأوروبي. وأضاف البيان: “في رأيها الصادر اليوم، تقترح المحامية العامة كوكوت أن ترفض محكمة العدل استئناف غوغل، وبالتالي تأييد حكم المحكمة العامة”.
ورغم أن رأي المحامي العام ليس ملزمًا قانونيًا، إلا أنه يحظى بأهمية كبيرة في القضايا المعروضة أمام محكمة العدل الأوروبية، حيث تأخذ المحكمة هذه الآراء في الاعتبار عند إصدار حكمها النهائي، والذي يُتوقع أن يُعلَن في الأشهر المقبلة. وإذا قررت المحكمة تأييد رأي كوكوت، فإن غوغل ستكون ملزمة بدفع الغرامة الكبيرة، في خطوة من شأنها تعزيز موقف الاتحاد الأوروبي كجهة رقابية صارمة على أنشطة الشركات الرقمية العملاقة.
ويمثل هذا التطور استمرارًا في نهج المفوضية الأوروبية لفرض رقابة أكبر على أسواق التكنولوجيا ومكافحة الاحتكار، كما يعكس التحديات القانونية المتصاعدة التي تواجهها الشركات الكبرى في البيئة الأوروبية التنظيمية المتشددة.
في عام 2018، فرضت المفوضية الأوروبية، الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي، غرامة قياسية على شركة “غوغل” بلغت 4.34 مليار يورو (نحو 5 مليارات دولار حينها)، وذلك على خلفية قضية مكافحة احتكار طويلة الأمد تتعلق بنظام التشغيل “أندرويد”. وجاءت هذه العقوبة بعد أن توصلت المفوضية إلى أن “غوغل” قد أساءت استخدام هيمنتها على سوق الهواتف المحمولة من خلال ممارسات تمنح تطبيقاتها الأفضلية بشكل غير عادل، وذلك عبر اتفاقات تجارية تلزم شركات تصنيع الهواتف الذكية بتثبيت تطبيقات “غوغل” مسبقًا، مثل “محرك البحث” و”كروم”، كشرط لاستخدام نظام “أندرويد”.
وبحسب تقرير نشره موقع “CNBC” فإن هذه القضية تُعد من أبرز قضايا مكافحة الاحتكار التي واجهتها “غوغل” في السوق الأوروبية، كونها تمس البنية التحتية الرئيسية لاقتصاد التطبيقات والأنظمة التشغيلية المفتوحة المصدر. ويبدو أن القضية وصلت إلى مرحلة حاسمة، إذ أدلى المدعي العام لمحكمة العدل الأوروبية برأيه القانوني غير الملزم، مؤيدًا موقف المفوضية الأوروبية إلى حدّ كبير.
وقد أعربت “غوغل” عن “خيبة أملها” من هذا الرأي، محذرة من أن تبني هذا التوجه قد يؤدي إلى عواقب سلبية على نظام “أندرويد” كنظام مفتوح المصدر، ويُثبط الاستثمار فيه، كما قد يضر بملايين المستخدمين والمطورين والشركات الصغيرة التي تعتمد عليه في أعمالها. وقال متحدث باسم الشركة: “لقد أتاح أندرويد المزيد من الخيارات للجميع، ويدعم آلاف الشركات الناجحة في أوروبا وحول العالم”. وأكدت “غوغل” في تصريحاتها أنها ترى في قرار المفوضية سوء فهم لطبيعة عمل “أندرويد” ونموذج أعمالها المفتوح.
على الرغم من أن رأي المدعي العام لمحكمة العدل الأوروبية غير ملزم قانونيًا، إلا أن التاريخ القضائي يشير إلى أن القضاة غالبًا ما يتبعون رأي المدعي في نحو أربعة من كل خمسة أحكام، ما يعزز احتمالية صدور حكم نهائي يؤيد العقوبة المفروضة على “غوغل”. ومن المنتظر أن تصدر محكمة العدل الأوروبية حكمها النهائي خلال الأشهر المقبلة، ما قد يشكل سابقة قانونية هامة في قضايا الاحتكار الرقمي.
هذه القضية لا تمثل فقط معركة قانونية بين شركة تكنولوجية عملاقة وسلطة رقابية أوروبية، بل تعكس أيضًا الصراع المستمر بين حماية المنافسة في السوق الرقمي وبين السماح للشركات بالابتكار وتوسيع نماذجها التجارية. ويترقب قطاع التكنولوجيا والمراقبون الاقتصاديون هذا الحكم المرتقب لما له من تأثيرات طويلة الأمد على مستقبل النظم التشغيلية المفتوحة، وعلى الطريقة التي يتم بها تنظيم السوق الرقمية في الاتحاد الأوروبي.