تقنية

السيارات الكهربائية

كشفت فرنسا عن إنجاز تكنولوجي غير مسبوق يتمثل في تدشين أول طريق سريع مزود بتقنية الشحن اللاسلكي الديناميكي للسيارات الكهربائية، في خطوة تعكس التوجه المتسارع نحو مستقبل النقل المستدام. ويُعد هذا المشروع أحد أهم الابتكارات في مجال البنية التحتية المخصصة للمركبات الكهربائية، إذ يتيح للسيارات إعادة شحن بطارياتها أثناء سيرها على الطريق، دون الحاجة إلى التوقف عند محطات الشحن التقليدية. تمثل هذه التقنية نقلة نوعية في عالم النقل الحديث، إذ تسهم في تجاوز أبرز التحديات التي تواجه انتشار السيارات الكهربائية، والمتمثلة في محدودية مدى البطارية وطول فترة الشحن.

السيارات الكهربائية
السيارات الكهربائية

يُنفذ المشروع التجريبي على الطريق السريع المعروف باسم A10، الواقع على بعد نحو أربعين كيلومتراً جنوب غرب العاصمة الفرنسية باريس، وهو طريق رئيسي يربط بين عدد من المدن والمناطق الحيوية في فرنسا. يقف خلف هذا المشروع تحالف من الشركات والمؤسسات الرائدة في مجالات الطاقة والبناء والهندسة والتقنيات الحديثة، من بينها شركة “فينسي أوتورووت” المتخصصة في إدارة وتشغيل الطرق السريعة، وشركة “إلكتريون” الإسرائيلية الرائدة في تطوير تقنيات الشحن اللاسلكي، إضافة إلى “فينسي كونستركشن” وجامعة “غوستاف إيفل” وشركة “هاتشينسون”. ويجمع هذا التعاون بين الخبرات الصناعية والبحثية من أجل تحقيق أفضل نتائج ممكنة في تطوير هذه التكنولوجيا الواعدة.

تعتمد التقنية المستخدمة في هذا الطريق على مبدأ الشحن اللاسلكي الديناميكي، حيث تُزرع ملفات نحاسية تحت سطح الطريق لتوليد مجال كهرومغناطيسي قادر على نقل الطاقة إلى السيارات المجهزة بأنظمة استقبال خاصة. وعندما تمر السيارة فوق هذه المقاطع من الطريق، تبدأ البطارية في استقبال الطاقة بشكل فوري ومتواصل، مما يسمح لها بالحفاظ على مستوى ثابت من الشحن طوال الرحلة. وبذلك، يتمكن السائقون من قطع مسافات طويلة دون القلق بشأن نفاد الطاقة أو الحاجة للتوقف لإعادة الشحن.

يمثل المشروع جزءاً من استراتيجية فرنسا الرامية إلى تعزيز استخدام السيارات الكهربائية وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، في إطار جهودها لتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050. كما ينسجم مع توجه الاتحاد الأوروبي نحو بناء بنية تحتية ذكية ومستدامة تدعم التحول إلى الطاقة النظيفة. ومن المتوقع أن تُسهم هذه التجربة في جمع بيانات دقيقة حول فعالية التقنية وتكلفتها ومدى قابليتها للتطبيق على نطاق أوسع في المستقبل.

من جهة أخرى، يُنظر إلى هذا الابتكار بوصفه خطوة مهمة في تمهيد الطريق أمام ثورة في عالم النقل، حيث يمكن أن تصبح الطرق مستقبلاً مصدر طاقة مستمر للمركبات الكهربائية والحافلات والشاحنات. وإذا أثبتت التجارب نجاحها، فقد تُفتح آفاق جديدة لتعميم هذه التقنية على الطرق الأوروبية والعالمية، مما سيُحدث تحولاً جذرياً في مفهوم التنقل ويعزز من انتشار السيارات الكهربائية بشكل غير مسبوق. وبهذا المشروع الطموح، تؤكد فرنسا ريادتها في مجالات الابتكار والتكنولوجيا الخضراء، وتخطو بثبات نحو مستقبل يعتمد على الطاقة المستدامة والنقل النظيف.

تقوم فكرة المشروع على استخدام تقنية الشحن الحثي اللاسلكي كوسيلة مبتكرة لشحن المركبات الكهربائية أثناء سيرها على الطريق دون الحاجة إلى التوقف. يعتمد النظام على دمج ملفات كهربائية متخصصة داخل طبقات الطريق على امتداد مسافة تبلغ نحو كيلومتر ونصف. وعند مرور المركبات المجهزة بمستقبلات مخصصة فوق هذه الملفات، تنتقل الطاقة بشكل لاسلكي عبر مجال مغناطيسي يولد بين الطريق والمركبة، مما يسمح بشحن البطارية أثناء القيادة بصورة سلسة ومستمرة.

تجري التجارب الميدانية لهذه التقنية على مجموعة متنوعة من المركبات تشمل الشاحنات الثقيلة والسيارات الخدمية وحافلات النقل العام وسيارات الركاب، وذلك في بيئة مرور حقيقية لاختبار أدائها في ظروف التشغيل اليومية. وقد أظهرت النتائج الأولية لهذه الاختبارات أداءً لافتاً، حيث سجل النظام قدرة قصوى تجاوزت ثلاثمئة كيلوواط، ومتوسط قدرة تشغيلية يزيد على مئتي كيلوواط في ظروف ثابتة ومستقرة. تمت هذه الاختبارات في مختبرات جامعة غوستاف إيفل التي تشتهر باستقلاليتها ودقتها في تقييم التقنيات الحديثة.

أوضح نيكولا نوتوبير، الرئيس التنفيذي لشركة فينسي أوتوروت، أن تطبيق هذه التقنية على شبكة الطرق السريعة في فرنسا سيكون خطوة حاسمة في تسريع عملية التحول نحو النقل الكهربائي، خصوصاً في قطاع الشاحنات الثقيلة. وأضاف أن هذا التطور سيسهم في تقليل الانبعاثات الكربونية التي يشكل قطاع النقل أكثر من ستة عشر في المئة منها ضمن إجمالي الانبعاثات الوطنية. واعتبر أن هذه المبادرة تمثل ركيزة أساسية في استراتيجية بلاده لتحقيق الحياد الكربوني خلال العقود المقبلة.

من جانبه، أكد أورن إيزر، المدير التنفيذي لشركة إلكترون المطورة للنظام، أن هذا المشروع يمثل نقطة تحول عالمية في مسار تطوير الطرق الذكية. وأشار إلى أن التقنية التي طورتها شركته هي الوحيدة حالياً القادرة على توفير شحن ديناميكي للمركبات بهذه الكفاءة والموثوقية العالية، موضحاً أن النظام مصمم ليتكامل بسهولة مع البنية التحتية الحالية للطرق دون الحاجة إلى تغييرات جذرية أو تكاليف إنشائية مرتفعة.

تعتمد آلية عمل النظام على مبدأ الشحن الحثي، حيث تُزرع ملفات كهربائية محفزة أسفل طبقات الرصف. وعندما تمر المركبة المجهزة بمستقبلات خاصة فوق هذه المنطقة، يتولد مجال مغناطيسي نشط يتم التقاطه وتحويله داخل المركبة إلى طاقة كهربائية تُستخدم لشحن البطارية أو لتشغيل المحرك مباشرة. تتيح هذه التقنية استمرار الشحن دون توقف، ما يلغي الحاجة إلى محطات شحن تقليدية ويقلل فترات التوقف، كما يسهم في تقليص حجم البطاريات المطلوبة وبالتالي خفض الوزن والتكلفة وتقليل الاعتماد على المعادن النادرة المستخدمة في تصنيعها.

إلى جانب الجانب التقني، ركز المشروع أيضاً على اختبارات المتانة والاعتمادية. فقد خضع النظام لتجارب محاكاة مكثفة تعادل مرور الشاحنات الثقيلة لمدة تصل إلى خمسة وعشرين عاماً، وذلك بهدف التأكد من قدرة الطريق على تحمل الاستخدام الطويل واستقرار الطبقات الداخلية تحت تأثير الحرارة والضغط. أثبتت النتائج أن البنية التحتية للطريق ظلت مستقرة وآمنة، مما يعزز إمكانية تطبيق هذه التقنية على نطاق واسع في المستقبل القريب.

بهذه الخطوة، يفتح المشروع آفاقاً جديدة أمام تطوير النقل المستدام، ويضع أساساً عملياً لإنشاء طرق كهربائية ذكية قادرة على تلبية احتياجات المستقبل، وتحقيق توازن بين الكفاءة البيئية والتطور التكنولوجي، في سبيل بناء منظومة نقل صديقة للبيئة وأكثر استدامة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى