تقنية

ميتا

في خطوة تعكس طموحه اللامحدود في عالم التكنولوجيا، أطلق مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لشركة ميتا، أحدث رهاناته الكبرى من خلال تشكيل فريق من نخبة خبراء الذكاء الاصطناعي، تحت مسمى “مختبرات الذكاء الفائق” (AI Superlabs). يأتي هذا المشروع في إطار مساعي ميتا إلى دخول سباق تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة، وتحقيق إنجازات غير مسبوقة في هذا المجال الواعد والمتسارع.

ميتا
ميتا

يهدف الفريق الجديد إلى الوصول إلى ما يُعرف بـ”الذكاء العام الاصطناعي” (AGI)، وهو مصطلح يُستخدم للإشارة إلى نماذج من الذكاء الاصطناعي تمتلك قدرات معرفية شاملة تقارب، أو حتى تفوق، مستوى الذكاء البشري. على عكس الأنظمة الحالية التي تبرع في مهام محددة، يسعى الذكاء العام الاصطناعي إلى محاكاة التفكير البشري في شتى المجالات، بما في ذلك الفهم، التعلم، الإبداع، واتخاذ القرارات المعقدة.

زوكربيرغ لم يُخفِ طموحه في أن تحتل ميتا موقع الصدارة في هذه الموجة الجديدة من الذكاء الاصطناعي، حيث أكد أن استثمار الشركة في هذا المجال لا يهدف فقط إلى تحسين خدماتها وتطبيقاتها، بل أيضًا إلى بناء بنية تحتية تقنية قادرة على دعم أنظمة ذكاء اصطناعي متقدمة تقنيًا وأخلاقيًا. ويُعتقد أن الوصول إلى الذكاء العام الاصطناعي سيُحدث نقلة نوعية في الطريقة التي تتفاعل بها الأنظمة الذكية مع البشر، كما سيغير جذريًا مفاهيم العمل، التعليم، والإبداع.

ويتزامن هذا التوجه مع سباق محموم بين كبرى شركات التكنولوجيا العالمية، مثل غوغل، مايكروسوفت، وأوبن إيه آي، حيث تسعى كل منها إلى أن تكون السبّاقة في تطوير هذه التقنيات، لما تحمله من فرص اقتصادية ضخمة ومكانة استراتيجية في تشكيل المستقبل الرقمي. ولذا فإن إعلان زوكربيرغ عن إنشاء “مختبرات الذكاء الفائق” يُعد خطوة استراتيجية تهدف إلى جذب ألمع العقول في المجال، وخلق بيئة بحثية وابتكارية تُمهّد الطريق لتحقيق هذا الهدف الطموح.

من جهة أخرى، يُثير هذا النوع من المشاريع تساؤلات جدية حول الأطر الأخلاقية والضوابط التي يجب وضعها لضمان استخدام الذكاء العام الاصطناعي بشكل مسؤول وآمن. وقد أكد زوكربيرغ أن ميتا ملتزمة بالعمل مع المؤسسات الأكاديمية والمنظمات الدولية من أجل تطوير معايير واضحة تضمن أن تظل هذه التقنيات في خدمة الإنسانية، لا تهديدًا لها.

بالمجمل، يمثل هذا التوجه الجديد مرحلة مفصلية في مسيرة ميتا، ومحاولة حقيقية لوضع الشركة في قلب الثورة القادمة في الذكاء الاصطناعي. ومع أن الطريق نحو الذكاء العام الاصطناعي لا يزال طويلًا ومعقدًا، فإن التزام زوكربيرغ بتوجيه موارد ميتا الهائلة نحو هذا الهدف، يُظهر بوضوح أن الشركة عازمة على أن تكون لاعبًا رئيسيًا في تشكيل مستقبل الذكاء الاصطناعي العالمي.

تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي بقدرات معرفية تماثل العقل البشري يتطلب استثمارات مالية ضخمة، بالإضافة إلى استقطاب نخبة العقول والمواهب المتخصصة في هذا المجال المعقد. ولهذا الغرض، تستثمر شركة “ميتا” مئات الملايين من الدولارات في سبيل بناء فريق متخصص يُعرف باسم “فريق الذكاء الفائق”، الذي يهدف إلى تطوير تقنيات ذكاء اصطناعي متقدمة قد تصل إلى مستوى الذكاء العام.

في هذا السياق، ظهرت تسريبات مثيرة للاهتمام عبر منصة “إكس” (تويتر سابقاً)، كشف عنها أحد المستخدمين ونقلها موقع “Neowin” التقني، حيث تضمنت تفاصيل عن خلفيات موظفي هذا الفريق الذي يضم 44 شخصًا. ووفقًا لما نُشر، فإن التسريبات تستند إلى معلومات حصل عليها المُسرّب من موظف مجهول الهوية داخل “ميتا”.

تشير البيانات المُسرّبة إلى أن نصف أعضاء فريق الذكاء الفائق في “ميتا” هم من الصين أو من أصول صينية، ما يعكس الدور البارز الذي يؤديه الباحثون الصينيون في ريادة تقنيات الذكاء الاصطناعي عالميًا، وفي قلب مبادرات “ميتا” التكنولوجية. علاوة على ذلك، فإن 75% من أعضاء الفريق يحملون شهادات الدكتوراه، مما يدل على المستوى الأكاديمي العالي الذي تتمتع به هذه النخبة من المتخصصين، فيما يشغل 70% منهم مناصب بحثية رئيسية داخل الفريق.

الأكثر إثارة للانتباه هو أن 40% من أعضاء الفريق كانوا في السابق موظفين لدى “OpenAI”، الشركة المطوّرة لتقنية “شات جي بي تي”، والتي تُعتبر من أبرز منافسي “ميتا” في مجال الذكاء الاصطناعي. ويبدو أن مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لـ”ميتا”، قد نجح في استقطاب بعض من ألمع العقول من “OpenAI”، في خطوة تهدف لتعزيز تفوق شركته في سباق الذكاء الفائق.

كما تضم التشكيلة أيضًا 20% من الموظفين القادمين من “ديب مايند”، الذراع البحثي لشركة “غوغل”، إلى جانب 15% من شركة “Scale AI”، وهي شركة ناشئة استثمرت “ميتا” فيها مؤخرًا نحو 14.8 مليار دولار، مما يعكس مدى تنوع المصادر التي تستعين بها الشركة لبناء هذا الفريق الاستثنائي.

ومن بين التفاصيل اللافتة التي وردت في التسريب أن 75% من أعضاء الفريق هم من الجيل الأول للمهاجرين، ما يبرز الطبيعة العالمية والتعددية الثقافية للمواهب في مجال الذكاء الاصطناعي. أما من حيث الأجور، فقد زُعم أن رواتب أفراد هذا الفريق تتراوح بين 10 إلى 100 مليون دولار سنويًا، رغم أن “ميتا” لم تصدر أي بيانات رسمية تؤكد هذه الأرقام. غير أن تقارير سابقة أشارت إلى أن الشركة عرضت بالفعل حوافز مالية تصل إلى 100 مليون دولار لاستقطاب كبار الباحثين من منافسيها، وعلى رأسهم “OpenAI”.

في المجمل، تعكس هذه الخطوات مدى جدية “ميتا” في السباق نحو تطوير ذكاء اصطناعي يتجاوز القدرات البشرية، عبر توظيف أفضل الخبرات والاستثمار بكثافة في التقنيات المستقبلية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى