أبل

كشفت هيئة رقابية أميركية عن وجود تجاوزات في الإعلانات الدعائية التي أطلقتها شركة “أبل” بخصوص تقنيات الذكاء الاصطناعي، مؤكدة أن الشركة لم تكن شفافة بما يكفي بشأن توفر الميزات التي تم الترويج لها، وهو ما أثار انتقادات وتساؤلات حول مدى التزام “أبل” بالمعايير الإعلانية المعتمدة.
جاء هذا الكشف بعد أن أعلن قسم الإعلان الوطني (NAD)

التابع للبرامج الوطنية لمكتب الأعمال الأفضل (BBB)، عن فتح تحقيق رسمي حول إعلان تلفزيوني أطلقته أبل في سبتمبر الماضي تحت عنوان “سيري أكثر شخصية”، والذي استخدم للترويج لهاتف آيفون 16. وأوضح القسم أنه رصد مبالغات واضحة في محتوى الإعلان، خصوصاً فيما يتعلق بالإدعاءات حول مزايا الذكاء الاصطناعي المدمجة في المساعد الرقمي “سيري”.
ركز الإعلان محل الجدل على ما وصفته الشركة بأنه تحسينات كبيرة في أداء مساعد “سيري”، مدعومة بتقنيات ذكاء اصطناعي متطورة، تهدف إلى جعله أكثر قدرة على التفاعل الشخصي مع المستخدمين. لكن وفقاً لما نقلته شبكة CNBC، فقد تبين أن هذه التحسينات لم تكن متوفرة فعلياً وقت بث الإعلان، ما جعل المحتوى الدعائي مضللاً بدرجة معينة.
الهيئة الرقابية أكدت في بيانها أن المستهلكين من حقهم تلقي معلومات دقيقة وواضحة حول المنتجات التي يتم الترويج لها، وخاصة حين يتعلق الأمر بتقنيات حساسة ومتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي، والتي أصبحت محور اهتمام الكثير من المستخدمين والمؤسسات. وقد دعت NAD شركة أبل إلى مراجعة المواد الإعلانية وتوضيح مدى توفر هذه الميزات في الوقت الفعلي، مشيرة إلى أن المبالغة في الوعود التقنية قد تؤثر سلباً على ثقة المستهلكين.
وتأتي هذه الخطوة في وقت تتزايد فيه مخاوف الجهات التنظيمية من تسويق تقنيات الذكاء الاصطناعي بطريقة غير دقيقة، خاصة مع اعتماد العديد من الشركات على هذه التكنولوجيا كوسيلة لجذب انتباه الجمهور وزيادة المبيعات. كما تشير هذه الحادثة إلى أن المنافسة الشديدة بين عمالقة التكنولوجيا قد تدفع بعضهم إلى تضخيم إمكانيات منتجاتهم قبل أن تكون جاهزة فعلاً للاستخدام.
من جانبها، لم تصدر أبل تعليقاً فورياً على نتائج التحقيق، لكن مراقبين يتوقعون أن تقوم الشركة بإجراء تعديلات على حملاتها التسويقية المقبلة، لتفادي أي تبعات قانونية أو ضرر على سمعتها.
تبرز أهمية تعزيز المساءلة الإعلانية في عصر تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي
وضرورة أن تتحمل الشركات الكبرى مسؤولية ما تنشره من رسائل تسويقية، خصوصاً تلك التي قد تؤثر في قرارات الشراء لدى المستهلكين، أو توحي بميزات غير متاحة، ما قد يصنف قانونياً على أنه تضليل إعلاني.
في خطوة لاحتواء تداعيات حملة دعائية أثارت جدلاً، أعلنت هيئة رقابية أن شركة “أبل” وافقت على سحب إعلان ترويجي مثير للجدل بعد توصل التحقيقات إلى وجود مغالطات فيه تتعلق بميزات تقنية غير متوفرة عند موعد الإطلاق. وعلى الرغم من أن “أبل” أعربت عن عدم اتفاقها الكامل مع نتائج التحقيق، فإنها أكدت التزامها بتنفيذ التوصيات الصادرة عن الهيئة، وسارعت إلى إزالة الإعلان من موقع “يوتيوب” في مارس الماضي، بالإضافة إلى إجراء تغييرات كبيرة في حملتها الإعلانية لتجنب أية إيحاءات قد تفهم بشكل خاطئ.
الإعلان المتسبب في الأزمة كان يروّج لحزمة “Apple Intelligence”
وهي مجموعة تقنيات ذكاء اصطناعي كشفت عنها “أبل” خلال مؤتمرها السنوي في يونيو الماضي. وتضمنت هذه الحزمة مزايا مبتكرة مثل توليد الصور، الرموز التعبيرية المخصصة، إشعارات ذكية، ونسخة متطورة من المساعد الصوتي “سيري”. إلا أن الهيئة الرقابية أوضحت أن بعض هذه الميزات، وعلى رأسها دمج “تشات جي بي تي” وتوليد الصور، لم تكن متاحة فعلياً وقت إطلاق أجهزة آيفون 16، ما اعتبر استخداماً مضللاً لجذب المستهلكين.
“أبل” من جانبها أكدت أنها أجرت تعديلات لاحقة على موادها التسويقية لتوضيح وضع الميزات التي لم تكن متاحة عند الإطلاق، مشيرة إلى أن الغالبية العظمى من هذه الوظائف أصبحت مفعّلة الآن، على الأقل في الأجهزة الحديثة الموزعة داخل الولايات المتحدة. كما أعربت الشركة عن التزامها بالشفافية تجاه المستخدمين، في ظل تزايد الضغوط الإعلامية والرقابية المرتبطة بتسويق منتجات الذكاء الاصطناعي.
وتأتي هذه الحادثة في وقت تمر فيه “أبل” بمرحلة دقيقة من تسويق تقنياتها الذكية، وسط تصاعد التحديات المرتبطة بثقة المستخدمين. فقد واجهت الشركة أيضاً دعاوى قضائية جماعية تتهمها بتضليل المستخدمين بشأن بعض وظائف التلخيص الإخباري، بعد أن وُصفت إحدى هذه الميزات بأنها قدّمت معلومات خاطئة في حالات معينة، مما دفع الشركة إلى سحبها لاحقاً من أنظمتها.
ورغم هذه العقبات، أظهرت دراسة حديثة أجرتها مؤسسة “مورغان ستانلي” أن نحو 80% من مستخدمي آيفون المؤهلين في الولايات المتحدة قاموا بتجربة ميزات Apple Intelligence، مما يشير إلى حجم الاهتمام الكبير بهذه الابتكارات. كما أظهر أكثر من نصف المستطلعين استعدادهم لدفع اشتراك شهري للحصول على هذه المزايا، وهو ما يعكس استمرار ثقة المستخدمين في “أبل” كمزود رائد لتقنيات الذكاء الاصطناعي، رغم الانتقادات والتحديات التي تواجهها.
في نهاية المطاف، يبدو أن “أبل” تحاول موازنة طموحاتها في مجال الذكاء الاصطناعي مع التزاماتها القانونية والأخلاقية، وسط ساحة تنافسية شديدة ومراقبة مستمرة من الجهات التنظيمية والمستهلكين على حد سواء.