الذكاء الاصطناعي
في عام 2017، شاهدت الصين بدهشة كيف تمكن برنامج الذكاء الاصطناعي “ألفاجو”، المدعوم من شركة “غوغل”، من هزيمة لاعب صيني بارع في لعبة “جو” المعقدة. كانت هذه الهزيمة أمام برنامج كمبيوتر أجنبي لحظة محورية وصادمة بالنسبة للصين.
وفي نفس العام، وضع المسؤولون الصينيون خطة طموحة لقيادة العالم في مجال الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030، مع تعهدهم بتخصيص مليارات الدولارات لدعم الشركات والباحثين العاملين في هذا المجال، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز”.
تأسست شركة “ديب سيك” (DeepSeek)، الشركة الصينية الناشئة، في ظل هذا الزخم الكبير. في وقت قياسي، استطاعت “ديب سيك” أن تحدث تحولاً جذرياً في المشهد التكنولوجي، حيث طوّرت نموذجاً قوياً للذكاء الاصطناعي بتكلفة أقل بكثير مما كان يعتقد الخبراء أنه ممكن.
تعتبر “ديب سيك” شركة خاصة، ولم تتلقَ دعماً حكومياً مباشراً، إلا أن نجاحها يعد تجسيداً لطموحات الرئيس الصيني شي جين بينج، الذي دعا إلى أن تتصدر الصين المشهد التكنولوجي على الصعيد العالمي.
نمو بقيادة التكنولوجيا
يريد البعض أن يتم تشغيل الاقتصاد الصيني بطرق جديدة، بعيدًا عن المحركات التقليدية مثل العقارات المدفوعة بالديون والصادرات الرخيصة. بدلاً من ذلك، يُتوقع أن يكون الدفع نحو التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي، والحوسبة الفائقة، والطاقة الخضراء هو المحرك الجديد للنمو.
وقد أظهرت شركة “ديب سيك” أنه قد يصبح بإمكان الصين جعل الذكاء الاصطناعي أكثر تكلفة وفاعلية ويسرًا في الوصول للجميع.
تفاوتت شدة التنظيم الصيني للذكاء الاصطناعي على مر السنين، بناءً على تقييم الدولة لنقاط قوتها وضعفها. ففي عام 2022، عندما كانت الحكومة الصينية قلقة من تأخرها عن الولايات المتحدة بعد إطلاق “تشات جي بي تي” من “OpenAI”، اتخذت نهجًا أكثر مرونة، مما سمح لمشاريع مثل “ديب سيك” بالازدهار.
في 20 يناير/كانون الثاني، حضر مؤسس شركة “ديب سيك”، ليانغ وينفينغ، مناقشة مع رئيس مجلس الدولة لي تشيانغ، في نفس اليوم الذي أطلقت فيه الشركة أحدث نموذج للذكاء الاصطناعي، المعروف باسم R1. كان حضور ليانغ لافتًا، خصوصًا أن “ديب سيك” لم تُعتبر من الشركات الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي في الصين، وهو التميز الذي كان محجوزًا لشركات مثل “Zhipu AI”، التي حصلت على استثمار حكومي كبير.
في البداية، كانت شركة “ديب سيك” قد طورت نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بها للتداول في سوق الأسهم الصينية. ولكن بعد تدخل الجهات التنظيمية، تحولت الشركة في عام 2023 نحو الذكاء الاصطناعي المتقدم، مما ساعدها على التكيف مع السياسات الصناعية للصين. كما نجحت في منافسة نظيراتها الأمريكية رغم استخدام موارد أقل، وهو إنجاز تكنولوجي غير مسبوق.
حتى المزاعم الأخيرة من “OpenAI” بشأن جمع “ديب سيك” للبيانات بشكل غير قانوني لم تؤثر على شعبيتها في الصين، حيث يتهمها البعض بنشر شائعات. وقال صن تشنغهاو، خبير العلاقات الخارجية بجامعة تسينغهوا، “إن العقوبات الأمريكية على الصين فرضت عليها ضرورة التطور”.
وفي النهاية، قد يتوقف تقدم الذكاء الاصطناعي في الصين على مدى قدرة الحكومة على إدارة مخاطره، كما يقول باراث هاريثاس، خبير في سياسة الذكاء الاصطناعي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن. وأشار هاريثاس إلى أن “الإفراط في التنظيم والالتزام بالقيم الاشتراكية الأساسية قد يشكلان تهديدًا لإمكانات الذكاء الاصطناعي”.