الذكاء الاصطناعي
أثارت شركة الذكاء الاصطناعي الصينية الناشئة “ديب سيك” (DeepSeek) اهتمام العالم بإطلاقها النموذج الجديد R1، الذي يُظهر أداءً قريبًا من مستوى النماذج الرائدة التي تقدمها شركات مثل “غوغل” و”OpenAI”.
ما أثار الدهشة بشكل خاص هو الكفاءة العالية التي تتمتع بها “ديب سيك”، مما دفع الخبراء والمستثمرين إلى التساؤل عما إذا كانت تكاليف البنية التحتية الضخمة للأجهزة، التي كان يُعتقد أنها ضرورية لتطوير الذكاء الاصطناعي، مبالغًا فيها. هذا التطور قد يؤثر بشكل كبير على الطلب المستقبلي لمراكز البيانات والطاقة اللازمة لتشغيلها.
وفقًا للشركة، تم تدريب نموذج سابق باستخدام 2048 وحدة معالجة رسومية من نوع “إنفيديا H800” على مدى شهرين فقط، وهي كمية تعتبر ضئيلة مقارنة بالحوسبة الهائلة التي يُقال إن “OpenAI” تستخدمها. هذا الإنجاز يسلط الضوء على إمكانية تحقيق نتائج متقدمة بتكلفة أقل، مما قد يعيد تشكيل معايير صناعة الذكاء الاصطناعي.
تُعد شركة إنفيديا واحدة من أبرز الشركات المعرضة للخطر، حيث شهد سعر سهمها انخفاضًا حادًا بنسبة 16%، وفقًا لتقرير نشرته “تك كرانش” واطلعت عليه “العربية Business”.
ويبدو أن الشركات الناشئة وشركات إنتاج الطاقة التي تعتمد بشكل كبير على الطاقة النووية والغاز الطبيعي تواجه مخاطر أكبر.
فعلى الرغم من أن الطاقة النووية كانت على وشك تحقيق نهضة كبيرة خلال السنوات الماضية، مدعومة بتطورات في تصميمات الوقود والمفاعلات التي وعدت بجعل الجيل الجديد من محطات الطاقة أكثر أمانًا وفعالية من حيث التكلفة، إلا أنها لا تزال تُعتبر باهظة الثمن مقارنة بمصادر الطاقة الأخرى مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية والغاز الطبيعي.
كما أن الجيل الجديد من التقنيات النووية لم يخضع بعد للتجارب على نطاق تجاري واسع، مما يزيد من عدم اليقين حول مستقبلها.
عمالقة التكنولوجية يستثمرون في الطاقة النووية
زاد الطلب على الطاقة بشكل كبير نتيجة لتطور الذكاء الاصطناعي، مما أدى إلى تغييرات كبيرة في المعادلة. من المتوقع أن تستهلك مراكز البيانات ما يصل إلى 12% من إجمالي الكهرباء في الولايات المتحدة، وهو أكثر من ثلاثة أضعاف حصتها في عام 2023.
ومع التوقعات بنقص في مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2027، تتسارع شركات التكنولوجيا لضمان إمدادات طاقة جديدة، حيث تنفق مليارات الدولارات لمعالجة هذه المشكلة.
أعلنت “غوغل” عن شراء 500 ميغاواط من الطاقة من شركة Kairos النووية الناشئة، بينما قادت “أمازون” استثمارًا بقيمة 500 مليون دولار في شركة ناشئة أخرى للطاقة النووية هي X-Energy، كما تعمل “مايكروسوفت” مع Constellation Energy على تجديد مفاعل بقيمة 1.6 مليار دولار في جزيرة ثري مايل.
ورغم أنه لا توجد قاعدة ثابتة تشير إلى أن الطريقة الوحيدة لتحسين أداء الذكاء الاصطناعي هي استخدام المزيد من الحوسبة، إلا أن هذا التكتيك كان ناجحًا لفترة طويلة. ومع ذلك، في الآونة الأخيرة، لم تؤدِ زيادة الحوسبة إلى نفس النتائج المتوقعة.
كان الباحثون في مجال الذكاء الاصطناعي يبحثون عن حلول، ومن المحتمل أن تكون شركة DeepSeek قد اكتشفت حلاً مبتكرًا لنموذج R1 الخاص بها.
وأوضح المحلل عاطف مالك من “سيتي جروب”: “في حين أن إنجاز DeepSeek قد يكون رائدًا، إلا أننا نشك في أن هذا قد تم دون استخدام وحدات معالجة رسومية متقدمة”. وأضاف “ولكن التاريخ يثبت أنه حتى لو كانت DeepSeek تخفي شيئًا ما، فإن شخصًا آخر من المحتمل أن يجد طريقة لجعل الذكاء الاصطناعي أكثر كفاءة وأقل تكلفة. في النهاية، سيكون من الأسهل والأسرع تكليف بعض حاملي الدكتوراه بتطوير نماذج أفضل من بناء محطات طاقة جديدة”.
لن تكون المفاعلات الجديدة قيد التشغيل قبل عام 2030، كما أن محطات الطاقة الجديدة التي تعمل بالغاز الطبيعي لن تكون جاهزة قبل نهاية العقد في أفضل الأحوال.
في هذا السياق، تبدو استثمارات شركات التكنولوجيا في الطاقة بمثابة تحوطات في حال فشل رهاناتها على البرمجيات. وإذا حدث ذلك، فمن المحتمل أن تقلص الشركات طموحاتها في هذا المجال.
وعندما أتيحت الشركات الفرصة لاختيار بين استثمار مليارات الدولارات في الأصول المادية أو البرمجيات، اختارت دائمًا البرمجيات.
أما بالنسبة للشركات الناشئة في مجال الطاقة النووية، فإن الأمر يعتمد على الظروف. فبعض هذه الشركات قد تتمكن من إنتاج الطاقة بتكلفة منخفضة بما يكفي بحيث لا يؤثر تراجع احتياجات الذكاء الاصطناعي للطاقة.
العالم يحتاج إلى مزيد من الكهرباء، وحتى قبل أن يتضخم تأثير الذكاء الاصطناعي، كان من المتوقع أن ينمو الطلب على الكهرباء. ولكن في غياب الطلب المرتبط بالذكاء الاصطناعي، من المرجح أن تزداد الضغوط على التكلفة. فالطاقة المتجددة، مثل الرياح والشمس، إلى جانب البطاريات، أصبحت أرخص وتزداد تكلفةً بمرور الوقت، كما أنها وحدات قابلة للتطوير وتنتج بكميات كبيرة.
يمكن للمطورين بناء محطات طاقة متجددة على مراحل، مما يوفر الكهرباء (والإيرادات) قبل اكتمال المشروع بالكامل مع توفير بعض التحكم في مواجهة الطلب غير المؤكد.
وهذا ما تدركه شركات التكنولوجيا، ولهذا السبب كانت تستثمر بهدوء في مصادر الطاقة المتجددة لتشغيل مراكز البيانات الخاصة بها.
قليلون فقط هم من توقعوا الطفرة الحالية في الذكاء الاصطناعي، ومن غير المحتمل أن يعرف أحد كيف ستتطور الأمور في السنوات الخمس المقبلة. نتيجة لذلك، من المرجح أن تتوجه الاستثمارات الأكثر أمانًا في مجال الطاقة إلى التقنيات المثبتة التي يمكن نشرها بسرعة وتوسيع نطاقها وفقًا للسوق المتسارعة التغيرات.