تيك توك

في السنوات الأخيرة، تحوّل تطبيق “تيك توك” من كونه منصة ترفيهية تُستخدم بشكل أساسي لمشاركة مقاطع الفيديو القصيرة الراقصة والمسلية، إلى مصدر مهم وأساسي للمحتوى التعليمي والتوجيهي، لا سيما في المجالات المالية والاستثمارية. فقد أصبح هذا التطبيق وجهة مفضلة لفئة الشباب الباحثين عن فهم أفضل لعالم المال، بما في ذلك تعلم أساسيات الاستثمار وتلقي النصائح حول كيفية إدارة أموالهم واتخاذ قرارات مالية مدروسة.

وتشير الدراسات الحديثة إلى أن “تيك توك” لم يعد مجرد وسيلة للترفيه، بل تحول إلى أداة يستخدمها جيل الشباب، خصوصًا جيل “زد” (الذي يشمل المولودين بين منتصف التسعينيات وأوائل العقد الثاني من الألفية)، للحصول على معلومات مالية قد تؤثر مباشرة على قراراتهم الاستثمارية. فبحسب دراسة نُشرت عام 2023، وأجرتها هيئة تنظيم الصناعة المالية في الولايات المتحدة (FINRA) بالتعاون مع معهد المحللين الماليين المعتمدين (CFA Institute)، أفاد حوالي 37% من مستثمري الجيل زد أن مواقع التواصل الاجتماعي لعبت دورًا محوريًا في اتخاذهم قرار بدء الاستثمار.
وتبرز “تيك توك” كواحدة من أبرز هذه المنصات، حيث يقدم العديد من صُنّاع المحتوى المالي مقاطع قصيرة ومبسطة تشرح مفاهيم معقدة مثل الأسهم، العملات الرقمية، الصناديق الاستثمارية، والادخار، بل وحتى التخطيط للتقاعد. ويجد المستخدمون في هذه الفيديوهات وسيلة سريعة وسهلة الفهم للدخول في عالم الاستثمار دون الحاجة إلى متابعة البرامج الاقتصادية التقليدية أو قراءة كتب متخصصة.
مع ذلك، فإن الاعتماد الكبير على “تيك توك” كمصدر للمعلومات المالية يثير عددًا من المخاوف، لا سيما فيما يتعلق بدقة المعلومات والمصداقية. فطبيعة المنصة التي تعتمد على مقاطع قصيرة لا تتجاوز الدقيقة تجعل من الصعب أحيانًا تقديم شرح متكامل أو عرض المخاطر المرتبطة بكل نوع من أنواع الاستثمار. إضافة إلى ذلك، لا يحمل جميع صُنّاع المحتوى مؤهلات مالية أو تراخيص رسمية، مما قد يؤدي إلى نشر معلومات مضللة أو مبسطة بشكل مفرط.
ورغم هذه التحديات، يظل تيك توك أحد الأدوات القوية التي استطاعت أن تجذب شريحة كبيرة من الشباب نحو الوعي المالي، وهو أمر كان من الصعب تحقيقه عبر الوسائل التقليدية. فالتفاعل السريع، والتصميم المرئي الجذاب، والإمكانية المستمرة لاكتشاف محتوى جديد، كلها عوامل ساعدت في تحويل المنصة إلى ما يشبه “المدرسة الرقمية” للتمويل الشخصي والاستثمار.
وفي الختام، لا يمكن إنكار التأثير الكبير الذي أحدثه “تيك توك” في عالم الاستثمار الشخصي، خاصة بين فئة الشباب. لكن من الضروري أن يقترن هذا التأثير بقدر من الحذر والوعي، وأن يتم التحقق دائمًا من مصادر المعلومات، خصوصًا عند اتخاذ قرارات مالية مصيرية قد تؤثر على المستقبل الاقتصادي للأفراد.
دراسة تحذر من الاعتماد على تيك توك للحصول على نصائح مالية: 70% من المحتوى مضلل
كشفت دراسة جديدة أجراها موقع “DayTrader”، المتخصص في توفير الموارد والأدوات التعليمية للمستثمرين الأفراد، عن نتائج مثيرة للقلق بشأن موثوقية المحتوى المالي المنتشر على منصة “تيك توك”. ووفقًا لما أورده موقع “بيزنس إنسايدر”، واطلعت عليه “العربية Business”، فإن الدراسة تحث المستخدمين، خصوصًا المهتمين بالاستثمار والأسواق المالية، على توخي الحذر الشديد عند الاعتماد على تيك توك كمصدر للمعلومات والنصائح المالية.
وأشارت الدراسة إلى أن حوالي 70% من المحتوى المالي الذي تم تحليله على المنصة اتضح أنه مضلل، مما يثير تساؤلات حول مدى مصداقية المعلومات التي يتلقاها المستخدمون من هذه الفيديوهات القصيرة، والتي غالبًا ما تحظى بشعبية كبيرة وانتشار واسع، خصوصًا بين المستثمرين الجدد.
للوصول إلى هذه النتيجة، قام مؤلف الدراسة، بول هولمز، وهو محلل مالي متمرس يتمتع بخبرة تمتد لأكثر من 15 عامًا، بإجراء بحث موسع على تيك توك، مستخدمًا مجموعة من الوسوم الشائعة في المجال المالي مثل: #StockTok و#FinTok و#FinanceTok و#CryptoTok. وركز تحليل هولمز على مقاطع الفيديو التي تتضمن ثلاثة عناصر أساسية: عدد مشاهدات مرتفع، وادعاءات مالية واضحة، ومواضيع تتعلق بالتمويل والاستثمار.
وأشار جيمس بارا، الذي شارك في إعداد الدراسة، إلى أن الفريق كان يهدف إلى تكوين صورة واقعية عن نوعية المحتوى الذي يتعرض له المستثمرون الأفراد يوميًا على المنصة. ومن أجل ذلك، تم اختيار عشرة مقاطع فيديو من شهر سبتمبر تمثل هذا النوع من المحتوى، ومن ثم خضعت لتحليل نوعي مفصل.
وقد تم تقييم كل مقطع فيديو بناءً على عدة معايير، حيث حصل على درجة من A إلى F في كل فئة من فئات التقييم، قبل أن يتم احتساب التقييم الإجمالي. وأظهرت النتائج أن 70% من هذه المقاطع حصلت على تقييم C أو أقل، وهو ما دفع فريق الدراسة لتصنيفها على أنها مضللة. هذا التصنيف يعكس مدى انتشار المعلومات الخاطئة أو غير الدقيقة، التي قد تؤثر سلبًا على قرارات المستثمرين.
واستنتجت الدراسة أن العديد من صناع المحتوى المالي على تيك توك يهتمون في المقام الأول بجذب الانتباه وتحقيق التفاعل، من خلال النقرات والإعجابات والمشاهدات، والتي تعود عليهم بدخل مالي، دون أن يكون لديهم التزام حقيقي بتقديم محتوى دقيق أو مفيد للمستثمرين.
وأعرب هولمز عن تشككه في مدى التزام هؤلاء المؤثرين بالنصائح التي يقدمونها، مشيرًا إلى تناقض بعضهم في الطرح. وضرب مثالًا بمقطع فيديو ناقش فيه أحدهم أهمية الفائدة المركبة في تنمية الاستثمارات على المدى الطويل، ثم ما لبث أن نصح بفرص استثمارية قصيرة الأجل، وهو ما يُعد تناقضًا واضحًا في الرسالة المالية المقدمة.
وتسلط هذه الدراسة الضوء على الحاجة الملحة لتعزيز الثقافة المالية لدى الجمهور، وتشجيع المستثمرين الأفراد على التحقق من مصادر المعلومات وعدم الاعتماد فقط على المؤثرين الرقميين في اتخاذ قرارات استثمارية مهمة.