تسلا

في تحول غير مسبوق في تصريحاته، قلّل إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركة تسلا، من أهمية دور الشركة في صناعة السيارات الكهربائية، التي كانت حجر الأساس لنموها على مدار السنوات الماضية، موجهًا الأنظار نحو مشروع طموح جديد يتمثل في تطوير روبوتات بشرية تُعرف باسم “أوبتيموس”. وأشار ماسك إلى أن مستقبل تسلا، من وجهة نظره، لن يعتمد بالدرجة الأولى على السيارات، بل على هذه الروبوتات، التي لا تزال في مراحل مبكرة من التطوير، ولم تبدأ بعد في تحقيق أي عائدات مالية.

وخلال حديثه يوم الاثنين، صرّح ماسك بأن نحو 80% من القيمة المستقبلية لشركة تسلا ستكون مستمدة من روبوتات أوبتيموس، بحسب ما نقلته وكالة “بلومبرغ”. هذا التصريح يمثل تغييرًا جذريًا في الخطاب التقليدي الذي دأب ماسك على تقديمه، والذي كان يركز على ريادة تسلا في سوق السيارات الكهربائية، والابتكار في مجالات مثل القيادة الذاتية والطاقة المتجددة.
روبوت “أوبتيموس”، الذي كشفت تسلا عن أول نموذج أولي له في عام 2021، صُمم ليشبه الإنسان من حيث الشكل والوظيفة، حيث يمكنه أداء المهام المتكررة أو الخطيرة، سواء في المنازل أو المصانع. ورغم استعراض الشركة لتطورات النموذج خلال السنوات الأخيرة، لا يزال المشروع في مرحلة البحث والتطوير، ولم يتم طرحه تجاريًا حتى الآن. ومع ذلك، فإن ماسك يرى فيه المستقبل الحقيقي لتسلا.
هذا التحول في الرؤية يثير تساؤلات حول أولويات تسلا واستراتيجيتها على المدى الطويل، خاصة في ظل المنافسة الشديدة التي تشهدها صناعة السيارات الكهربائية من شركات أخرى مثل BYD الصينية وفورد وجنرال موتورز في الولايات المتحدة. فبينما تعاني تسلا من تباطؤ في نمو المبيعات ببعض الأسواق، يبدو أن ماسك يراهن على قفزة تقنية كبرى قد تُعيد تشكيل مستقبل الشركة.
من ناحية أخرى، يرى بعض المحللين أن تصريحات ماسك قد تكون محاولة لجذب الانتباه وإعادة تسليط الضوء على تسلا كمصدر للابتكار الثوري، وليس فقط كشركة سيارات. فبينما تُعتبر السيارات الكهربائية منتجًا مألوفًا نسبيًا لدى المستهلكين، فإن الروبوتات الشبيهة بالبشر ما زالت تثير خيال الكثيرين، وتُعطي انطباعًا بأن تسلا تسعى للعب دور ريادي في مستقبل الذكاء الاصطناعي والتشغيل الآلي.
رغم ذلك، يبقى نجاح مشروع أوبتيموس رهينًا بتجاوز تحديات تقنية هائلة، تتعلق بالاستقلالية الحركية، والقدرة على التفاعل مع البشر، والأمان، فضلًا عن التكلفة وجدوى الإنتاج على نطاق واسع. وما لم تتحقق هذه الأمور، قد تظل الروبوتات حلمًا بعيد المنال، لا يعكس فعليًا القيمة التي يربطها ماسك بمستقبل تسلا.
في المحصلة، يُظهر هذا التحول في توجهات ماسك طموحه المستمر في استكشاف آفاق جديدة، لكنه في ذات الوقت يفتح الباب أمام نقاش واسع حول واقعية هذه الرهانات، وما إذا كانت تسلا قادرة فعلًا على الانتقال من كونها شركة سيارات إلى صانعة للروبوتات الذكية.
في خطوة جديدة تعكس طموحات إيلون ماسك المستقبلية، عادت مبادرة “أوبتيموس” لتتصدّر المشهد، وهي مشروع الروبوتات الشبيهة بالبشر التي كشف عنها لأول مرة قبل أربع سنوات. وجاء هذا التذكير بعد صدور نسخة محدثة من “الخطة الرئيسية” لشركة “تسلا”، وهي وثيقة استراتيجية تصدرها الشركة بشكل دوري، وتستعرض فيها رؤيتها للمستقبل وخططها التكنولوجية القادمة. وللمرة الأولى، أُدرج مشروع “أوبتيموس” ضمن هذه الخطة، مما أثار اهتمام المتابعين حول مدى تقدم العمل في هذا المجال.
بحسب ما جاء في الوثيقة، فإن روبوت “أوبتيموس” يُقدَّم على أنه آلة مستقلة تشبه البشر، وتهدف إلى إحداث تحول جوهري في الطريقة التي نفهم بها العمل والإنتاج. وقد ورد في نص “الخطة الرئيسية” أن “أوبتيموس لا يغير فقط من تصورنا لوظائف معينة، بل يعيد أيضًا تعريف توفر العمل وكفاءته، إذ يمكن من خلاله إنجاز مهام مملة أو خطيرة بوسائل آمنة وأكثر كفاءة، الأمر الذي يمنح البشر وقتًا أكبر للتركيز على ما يحبونه ويبدعون فيه”.
ورغم أن هذا الطرح يبدو طموحًا ومثيرًا للاهتمام، إلا أن الواقع لا يزال بعيدًا عن هذه الصورة المثالية. فحتى اليوم، لم تطرح “تسلا” الروبوت فعليًا للاستخدام العام، ولا يزال في مراحل الاختبار والتطوير. كما أن هناك تساؤلات جدية حول مدى الاستقلالية التي يتمتع بها، إذ أفادت تقارير صحفية، من بينها ما نشره موقع “Mashable”، أن الروبوتات التي ظهرت في الفعاليات التي نظمتها “تسلا” لم تكن تعمل بشكل مستقل بالكامل، بل كان يتم التحكم بها جزئيًا من قبل البشر.
هذا الأمر يلقي بظلال من الشك على مدى التقدم الفعلي في المشروع، ويثير تساؤلات حول الفجوة بين التصريحات الطموحة والواقع العملي. كما أن “تسلا” لم تقدم حتى الآن تفاصيل واضحة بشأن كفاءة الروبوت، أو الوظائف التي يمكن أن يؤديها فعليًا في البيئات الحقيقية، ناهيك عن غياب أي معلومات رسمية تتعلق بتكلفة الإنتاج أو التسويق المحتمل.
ومع ذلك، فإن إدراج “أوبتيموس” في وثيقة “الخطة الرئيسية” يلمّح إلى نية “تسلا” الجادة في الاستثمار طويل الأمد في هذا المجال، وربما تسعى الشركة إلى خلق سوق جديدة تمامًا تعتمد على الروبوتات البشرية في الأعمال اليومية. لكن تبقى الأسئلة قائمة: متى سيكون “أوبتيموس” متاحًا فعليًا؟ وهل سيلبي التوقعات العالية التي زرعها ماسك في أذهان المستثمرين والمستهلكين على حد سواء؟ هذه الأسئلة قد تحتاج لسنوات للإجابة عنها، ريثما تتضح ملامح ما إذا كان هذا الروبوت سيكون ثورة تكنولوجية حقيقية أم مجرد تجربة أخرى في سجل طموحات “تسلا”.