تيك توك

تسعى شركة “بايت دانس” الصينية، المالكة لتطبيق “تيك توك“، إلى تطوير نسخة جديدة ومعدّلة من تطبيق “تيك توك” مخصصة خصيصًا للسوق الأمريكية، وذلك كجزء من جهودها لتفادي الحظر الذي قد يطاله في الولايات المتحدة. وتأتي هذه الخطوة بعد تصاعد الضغوط السياسية والتشريعية على الشركة، حيث تواجه مهلة نهائية حددتها السلطات الأمريكية لإعادة هيكلة ملكية التطبيق أو التخلي عنه بالكامل في السوق الأمريكية.

وكانت المهلة قد تم تحديدها في ضوء قانون تم اعتماده العام الماضي، يمنح الحكومة الأمريكية الحق في حظر تطبيقات تعتبرها مملوكة لجهات أجنبية “معادية” أو تمثل تهديدًا محتملاً للأمن القومي، ما لم تتم عملية بيع أو فصل لتلك الشركات عن مالكيها الأجانب. وبموجب هذا القانون، تواجه “بايت دانس” احتمال حظر تطبيق “تيك توك” في الولايات المتحدة بحلول سبتمبر المقبل، ما لم يتم بيع العمليات الأميركية للتطبيق إلى جهة أمريكية مستقلة أو اتخاذ تدابير أخرى مقبولة من قبل الحكومة.
ويبدو أن “بايت دانس” قررت اللجوء إلى خطة بديلة تهدف إلى إبقاء التطبيق في السوق الأمريكية دون الحاجة إلى التخلي الكامل عن ملكيته، وذلك من خلال إطلاق نسخة جديدة معدلة تختلف في بعض وظائفها وربما بنيتها البرمجية عن النسخة العالمية من “تيك توك”. ويرى مراقبون أن هذه الخطوة تهدف إلى معالجة المخاوف المتعلقة بالخصوصية والأمن الرقمي التي أثارتها الحكومة الأمريكية، خاصة فيما يتعلق بإمكانية وصول الحكومة الصينية إلى بيانات المستخدمين الأمريكيين.
النسخة الجديدة التي تعمل عليها “بايت دانس” قد تُبنى على خوادم أمريكية، مع إشراف تقني محلي، وربما إدارة منفصلة، وهو ما يمكن أن يمنحها غطاءً قانونيًا يسمح لها بالاستمرار في السوق الأمريكية دون التعارض مع القوانين الجديدة. وتُجري الشركة محادثات مع عدة جهات تنظيمية في الولايات المتحدة في محاولة للوصول إلى حل يرضي الطرفين.
وتجدر الإشارة إلى أن “تيك توك” يتمتع بشعبية هائلة في الولايات المتحدة، خاصة بين فئة الشباب، حيث تجاوز عدد مستخدميه النشطين 150 مليون مستخدم شهريًا في البلاد، وهو ما يجعل من قرار حظره خطوة ذات تبعات اقتصادية وسياسية كبيرة، ليس فقط على الشركة، بل أيضًا على مستخدمي التطبيق والمحتوى الرقمي بشكل عام.
في ظل هذا الوضع المعقد، يتابع المجتمع التقني والرقمي باهتمام بالغ الخطوات القادمة التي ستتخذها “بايت دانس”، وما إذا كانت النسخة الجديدة من “تيك توك” ستنجح في إقناع الجهات الأمريكية بأن التطبيق لم يعد يشكل تهديدًا، مما يسمح له بالاستمرار في العمل ضمن سوق يُعد من الأضخم عالميًا.
من المتوقع أن تطلق شركة “تيك توك” نسخة جديدة من تطبيقها في الولايات المتحدة تحمل الاسم الرمزي “M2″، وذلك في الخامس من سبتمبر، وفقًا لما أورده موقع “CNET” نقلًا عن مصادر من “ذا إنفورميشن”. يأتي هذا التغيير ضمن إطار خطة لإطلاق إصدار مخصص للسوق الأميركية، ما يعني أن المستخدمين في الولايات المتحدة سيضطرون إلى الانتقال من النسخة الحالية إلى النسخة الجديدة بمجرد توفرها.
يُعزى هذا التحول جزئيًا إلى السياسات التقنية لشركة “أبل” وقيود متجر التطبيقات “App Store”، حيث لا يُسمح بوجود أكثر من إصدار لتطبيق واحد على نفس صفحة المتجر إذا كانت تلك الإصدارات مخصصة لمناطق جغرافية مختلفة. وهذا ما يدفع تيك توك إلى توفير تطبيق منفصل كليًا للولايات المتحدة، بدلًا من تحديث النسخة الحالية فقط.
بالتوازي مع ذلك، لا تزال الجوانب السياسية تلقي بظلالها على مستقبل “تيك توك” في أميركا. فقد منح الرئيس الأميركي دونالد ترامب الشركة الأم، “بايت دانس”، تمديدًا حتى 17 سبتمبر لاستكمال بيع أصول التطبيق داخل البلاد. وهذه هي المرة الثالثة التي يتم فيها تمديد المهلة منذ أن تولى ترامب منصبه في يناير، ما يشير إلى تعقيدات المفاوضات المستمرة بين الجهات التنظيمية والشركة المالكة.
وفي حال صحة هذه المعلومات، فإن إطلاق “M2” لا يُعد مجرد تحديث، بل هو تغيير جذري قد يؤثر في طريقة استخدام التطبيق داخل الولايات المتحدة. ورغم ذلك، يبدو أن التطبيق الحالي لن يُلغى على الفور، حيث من المرجح أن تمتد فترة الانتقال حتى مارس 2026، مما يمنح المستخدمين فترة سماح تصل إلى ستة أشهر قبل إيقاف التطبيق الحالي نهائيًا.
لكن هذا الانتقال قد لا يكون سلسًا للجميع. فالمستخدمون العاديون قد لا يواجهون مشاكل كبيرة في الانتقال، لكن الأمر قد يكون مزعجًا للشركات والمؤثرين الذين يعتمدون على تيك توك كمنصة رئيسية لبناء حضورهم الرقمي أو تسويق منتجاتهم وخدماتهم. إضافة إلى ذلك، لا تزال تفاصيل التطبيق الجديد غير واضحة، فلا يُعرف بعد ما إذا كان “M2” سيقدّم ميزات أو تحسينات نوعية مقارنة بالإصدار الحالي، أو ما إذا كان سيفرض قيودًا جديدة على المحتوى القادم من خارج الولايات المتحدة.
وقد تُطرح تساؤلات حول سياسة المحتوى، وخصوصًا ما إذا كان سيتم تقييد عرض المواد القادمة من دول أخرى أو إخضاعها لمراجعات إضافية، وهو ما قد يؤثر على تجربة المستخدمين الأميركيين. كما قد يؤثر على الطبيعة العالمية للمحتوى الذي اعتاد عليه جمهور تيك توك، ويثير مخاوف حول مدى بقاء المنصة فضاءً حرًا ومتعدد الثقافات.
في النهاية، تبقى الأمور مرهونة بكيفية تنفيذ هذا الانتقال ومدى تجاوب المستخدمين معه. إذ إن نجاح “M2” سيعتمد إلى حد كبير على مدى سلاسة تجربة المستخدم، وحجم التحسينات التقنية، ومدى استقرار الأوضاع التنظيمية والسياسية بين الولايات المتحدة والشركات الصينية المعنية.