تقنية

شاومي

شهدت شركة شاومي خلال العام الحالي تحولاً لافتاً في نهجها التصنيعي والتسويقي، حيث اتخذت قراراً استراتيجياً بتقليص عدد الطرازات الجديدة التي تعلن عنها سنوياً. ويعد هذا التغيير بمثابة انتقال واضح من سياستها السابقة التي اعتمدت على طرح مجموعة واسعة من الهواتف المتنوعة تحت علامات تجارية فرعية متعددة، كانت تستهدف شرائح مختلفة من المستخدمين حول العالم. هذا التوجه الجديد يعكس رغبة الشركة في إعادة تنظيم طريقة عملها، بحيث تصبح أكثر تركيزاً وفاعلية، وتبتعد عن حالة التشعب الكبير التي اتسمت بها منتجاتها خلال السنوات الماضية.

شاومي
شاومي

ويبدو أن شاومي باتت تسعى اليوم إلى ترشيد هيكلها الإنتاجي من خلال اعتماد استراتيجية تقوم على تقليل عدد الإصدارات والتركيز على تحسين جودة كل جهاز على حدة، إلى جانب إطالة فترة الدعم البرمجي التي يحصل عليها المستخدم. وقد أصبح عمر التحديثات من العوامل الأساسية التي ينظر إليها المستهلك عند اختيار هاتفه الذكي، الأمر الذي دفع شاومي إلى تطوير خططها بحيث تلائم توقعات المستخدمين وتنافس ما تقدمه الشركات الكبرى في هذا المجال. كما تعمل الشركة على توحيد تجربة الاستخدام عالمياً بهدف تقديم مستوى ثابت من الأداء والخصائص عبر مختلف الأسواق، بحيث لا تبقى بعض المميزات محصورة في مناطق محددة كما كان يحدث في السابق.

إضافة إلى ذلك، تسعى شاومي إلى تعزيز التكامل داخل المنظومة الذكية التي تطورها منذ سنوات، حيث تعتمد على مجموعة واسعة من الأجهزة المتصلة التي تشمل الساعات الذكية والأجهزة المنزلية ومنتجات الذكاء الاصطناعي. وقد أدركت الشركة أن قوة العلامة لا تكمن فقط في الهاتف الذكي، بل في قدرتها على تقديم بيئة رقمية متكاملة تجعل المستخدم يميل إلى اقتناء أكثر من جهاز داخل النظام نفسه. ومن خلال تقليل عدد الهواتف والتركيز على الجودة، يمكن لشاومي تحسين مستوى التوافق بين منتجاتها المختلفة وتحقيق تجربة أكثر سلاسة للمستخدم.

ورغم أن سوق الهواتف الذكية العالمي بدأ يشهد بوادر تعاف تدريجي بعد فترة طويلة من التراجع، فإن نتائج شاومي للربع الثاني من عام ألفين وخمسة وعشرين أظهرت تراجعاً في إيرادات قطاع الهواتف بنسبة طفيفة بلغت اثنين في المئة مقارنة بالعام الماضي. ويأتي هذا الانخفاض في وقت سجلت فيه العديد من الشركات المنافسة نمواً متبايناً، ما يجعل وضع شاومي مختلفاً عن الاتجاه العام للسوق. ومع ذلك، يرى بعض المحللين أن هذا التراجع قد يكون جزءاً من عملية إعادة الهيكلة التي تمر بها الشركة، وأن التركيز على تحسين الجودة وبناء هوية مستقرة للعلامة قد يسهم على المدى البعيد في تعزيز موقعها التنافسي.

ومن المرجح أن تواصل شاومي خلال الفترة المقبلة العمل على تعزيز حضورها في الفئات المتوسطة والعليا، إذ تسعى إلى تقديم أجهزة تعتمد على تقنيات أكثر تطوراً وابتكاراً، في وقت تزداد فيه المنافسة من شركات عدة تعمل على تحسين أداء منتجاتها ورفع مستوى قيمتها. وفي ظل هذه التحولات، يبدو أن شاومي تحاول الانتقال من مرحلة الكم إلى مرحلة النوع، وهو ما قد يشكل نقطة تحول في مسارها ويمنحها فرصة أكبر لبناء ثقة أوسع لدى المستخدمين حول العالم.

في المقابل حقق قطاع الأجهزة الذكية نموا لافتا تجاوز أربعة وأربعين في المئة مسجلا إيرادات قاربت تسعة وثلاثين مليار يوان بما يعادل أكثر من خمسة مليارات دولار بينما واصل قطاع السيارات الكهربائية صعوده بإيرادات تخطت العشرين مليار يوان مستفيدا من الطلب القوي على طرازي اس يو سبعة و يو يو سبعة. ويكشف هذا التفاوت الواضح أن الهواتف لم تعد المحرك الأساسي لنمو شركة شاومي كما كانت في السنوات السابقة إذ بدأت قطاعات جديدة تحجز موقعها في صدارة أرباح الشركة.

أوضح الرئيس التنفيذي لي جون أن استراتيجية الإنسان السيارة المنزل أصبحت تمثل الركيزة المركزية لرؤية الشركة خلال العقد المقبل حيث لم يعد الهاتف سوى عقدة تربط بين السيارة الكهربائية والمنزل الذكي وبقية المنظومات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي. ومع هذا التحول لم تعد المنافسة تدور حول قوة المواصفات أو انخفاض السعر بل بات التركيز منصبا على جودة التجربة البرمجية وتناسق الأداء بين عناصر المنظومة الكاملة.

ولتنفيذ هذه الاستراتيجية اتجهت شاومي إلى توسيع فترة دعم التحديثات. فقد أعلنت أن سلسلة شاومي خمسة عشر و ريدمي نوت اربعة عشر ستحصل على أربع ترقيات رئيسية للنظام وست سنوات من التحديثات الأمنية وهو مستوى يضعها في منافسة مباشرة مع شركات كبرى مثل سامسونغ و ابل. ورغم أهمية هذه الخطوة إلا أنها جاءت مع تحديات كبيرة خصوصا بعد سنوات من تشعب فئات ريدمي و بوكو و شاومي وتعدد الإصدارات لكل منطقة مما جعل إدارة التحديثات أكثر تعقيدا.

ومع الانتقال من مي يو اي إلى هايبر او اس أصبح تقليل التشعب وتوحيد المنصات عالميا هدفا ملحا. فقد كشفت تراجع شحنات شاومي في الهند بنسبة تجاوزت اثنين وأربعين في المئة مطلع عام الفين وخمسة وعشرين وتراجعها من المركز الأول إلى السادس حجم تأثير الفوضى التي سببتها تداخل الطرازات وتعدد نسخ البرامج واختلافها بين المناطق مما أدى إلى تباطؤ وصول التحديثات وإرباك المستخدمين.

واستجابة لهذه التحديات أعادت شاومي هيكلة أدوار علاماتها الفرعية بوضوح. أصبح ريدمي موجها للفئة الاقتصادية بينما تركز علامة شاومي على الفئات المتوسطة والعليا وتتجه بوكو نحو الأداء أما سلسلة سيفي فصارت خيار عشاق التصميم. ومع اعتماد هايبر او اس منصة موحدة عالميا تقلصت الفروقات الإقليمية وأصبحت إدارة التحديثات أكثر سهولة.

وفي خطوة أخرى على طريق ترشيد المنتجات أكدت شاومي أنها لن تطلق مكس فولد خمسة هذا العام بينما سيبقى هاتف سيفي خمسة برو حصريا للسوق الصيني. وجاء هذا القرار نتيجة حسابات دقيقة إذ ما تزال الهواتف القابلة للطي تحتل حصة محدودة في السوق رغم ارتفاع تكاليف تطويرها في حين ترى الشركة أن الأفضل توجيه الجهود نحو تكامل الهاتف مع السيارة الذكية وتطوير أنظمة القيادة المتقدمة.

وترتكز رؤية شاومي الجديدة على أربعة محاور أساسية هي دورات دعم برمجي أطول ومنصة موحدة عالميا وتركيز على أجهزة تتمتع بمتانة وعمر أطول وتكامل أعمق بين الهاتف والمنظومة الذكية. وبهذه المقاربة الجديدة تتجه الشركة لإطلاق عدد أقل من الهواتف مع تحسين جودة كل إصدار وتقديم تجربة برمجية أكثر استقرارا وتحديثات مستمرة مما قد يشكل منعطفا مهما يعيد رسم مستقبل العلامة خلال السنوات المقبلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى