تقنية

أبل

حكم قضائي ألماني يُجبر “أبل” على التراجع عن مزاعمها بشأن حيادية الكربون في ساعتها الذكية

قبل نحو عامين، أعلنت شركة “أبل” عن إطلاق ساعتها الذكية Apple Watch Series 9 باعتبارها أول منتج من منتجاتها “محايدًا كربونيًا”، وهو ما عنى – وفقًا لما روجت له الشركة حينها – أن عملية تصنيع الساعة واستخدامها وحتى التخلص منها في نهاية دورة حياتها، لا تسهم في ظاهرة الاحتباس الحراري ولا تترك بصمة كربونية تذكر.

أبل
أبل

وقد جاء هذا الإعلان في إطار التزام “أبل” المعلن بمكافحة التغير المناخي، وسعيها للوصول إلى الحياد الكربوني الكامل عبر سلسلة توريدها ومنتجاتها بحلول عام 2030. ولأجل دعم هذا التصور، اعتمدت الشركة على استخدام مواد معاد تدويرها بنسبة أكبر، ومصادر طاقة متجددة في عمليات التصنيع، وتقليل الانبعاثات الناتجة عن الشحن والنقل.

إلا أن هذا الادعاء تعرض مؤخرًا لضربة قانونية في ألمانيا، حيث أصدرت محكمة ألمانية حكمًا يُجبر شركة “أبل” على التراجع عن التصريح الذي قدمته بشأن حيادية الكربون في ساعة Series 9. وأفاد تقرير نشره موقع TechCrunch أن المحكمة الألمانية نظرت في شكوى مقدمة ضد الشركة تتعلق بعدم دقة أو صحة مزاعمها التسويقية المتعلقة بالأثر البيئي للمنتج.

ويشير الحكم القضائي إلى أن “أبل” لم تكن شفافة بشكل كافٍ فيما يتعلق بكيفية حسابها للبصمة الكربونية، خصوصًا فيما يتعلق باستخدامها لآليات “تعويض الكربون”، أي تلك التي تعتمد على تمويل مشاريع خضراء أو بيئية مقابل استمرار بعض الانبعاثات. وبحسب المحكمة، فإن هذه الممارسات قد توحي للمستهلكين بأن المنتج لا يؤثر فعليًا على المناخ، بينما الحقيقة أكثر تعقيدًا وتتطلب توضيحًا دقيقًا.

ويُعتبر هذا الحكم سابقة قانونية مهمة في سياق المساءلة البيئية للشركات الكبرى، خصوصًا في ظل تزايد الانتقادات لما يُعرف بـ”الغسل الأخضر” أو (Greenwashing) ، أي عندما تستخدم الشركات شعارات بيئية مضللة في حملاتها التسويقية دون التزام حقيقي أو تأثير فعلي.

رد “أبل” على هذا الحكم لم يكن تفصيليًا بعد، لكنها أكدت في بيانات سابقة التزامها بالشفافية البيئية واستمرارها في تقليل البصمة الكربونية لجميع منتجاتها. ومع ذلك، سيكون على الشركة تعديل أو سحب بعض العبارات التسويقية في السوق الألمانية لتتوافق مع الحكم القضائي.

ويعيد هذا القرار تسليط الضوء على التحديات التي تواجه الشركات التقنية عند محاولة التوفيق بين الابتكار البيئي والتسويق، خاصة في الأسواق الأوروبية التي تتميز بتشريعات صارمة في حماية المستهلك ومكافحة التضليل الإعلاني.

في المجمل، يُعد هذا التطور إشارة واضحة إلى أن المستهلكين والهيئات الرقابية في ازدياد وعيهم البيئي، ولن يترددوا في ملاحقة أي محاولة لاستغلال القضايا المناخية لأغراض تجارية بحتة دون مصداقية حقيقية.

أعادت شركة “أبل” التأكيد على التزامها بالحياد الكربوني من خلال طرازين من ساعاتها الذكية، Apple Watch Series 9 وSeries 10 المصنوعتين من الألومنيوم، اللتين تم الإعلان عنهما كمنتجين “خاليين من الكربون”. وفقًا للشركة، ينتج كل من هذين الطرازين ما يزيد قليلاً عن 8 كيلوجرامات من انبعاثات الكربون أثناء دورة حياته، وتُعوِّض أبل هذه الانبعاثات عبر شراء أرصدة كربونية تهدف إلى موازنة هذا الأثر البيئي. إلا أن هذا الادعاء واجه طعنًا قانونيًا في ألمانيا، حيث رفعت منظمة البيئة الألمانية (DUH) دعوى قضائية ضد الشركة، تتهمها فيها بالتضليل بشأن صحة ادعاءاتها المتعلقة بالحياد الكربوني.

المتحدث باسم شركة أبل صرّح بأن المحكمة الألمانية أيدت بشكل عام نهج الشركة “الصارم” تجاه تحقيق الحياد الكربوني. وأكد أن “أبل” تواصل التقدم في هذا المجال من خلال خفض الانبعاثات تدريجيًا، بالاعتماد على الابتكار في تقنيات الطاقة النظيفة، وتصميم منتجات منخفضة الكربون، إلى جانب مبادرات بيئية أخرى. وأضاف أن هذه الجهود وضعت الشركة على المسار الصحيح للوصول إلى الحياد الكربوني الكامل عبر سلسلة التوريد الخاصة بها بحلول عام 2030.

ومع ذلك، سلّط القضاة الألمان الضوء على قضية مركزية تتعلق بطبيعة أرصدة الكربون التي تعتمد عليها أبل في تعويض انبعاثاتها، وتحديدًا تلك المرتبطة بمشروع لزراعة أشجار الأوكالبتوس في باراغواي. وتبيّن أن حوالي 75% من أراضي هذا المشروع تقع على أراضٍ مستأجرة تنتهي عقود إيجارها في عام 2029، أي بعد أربع سنوات فقط من تاريخ الجلسة، وهو ما أثار تساؤلات حول مدى استدامة هذا النوع من التعويض البيئي.

رأت المحكمة أن هذه الفترة الزمنية المحدودة تُقوِّض مصداقية الادعاء بأن المنتج “محايد كربونيًا”، معتبرة أن المستهلك العادي يمكنه أن يتوقع بشكل منطقي أن تبقى الغابات المُستخدمة في مشاريع تعويض الكربون قائمة حتى عام 2050 على الأقل. يعود هذا التوقع إلى أهداف اتفاقية باريس للمناخ، التي تدعو إلى خفض الانبعاثات العالمية بشكل جذري خلال النصف الثاني من القرن الحالي.

في هذا السياق، أوضحت رئيسة المحكمة أن غياب عقود إيجار طويلة الأجل للمزارع المستخدمة في التعويض يُشكِّل خللاً جوهريًا، قد يؤدي إلى إزالة هذه الغابات قبل أن تُحقق التأثير البيئي المطلوب. وهذا يضعف من قيمة أرصدة الكربون المزعومة، ويجعل تصنيف المنتج بأنه “محايد كربونيًا” مضللًا للمستهلكين، ما يُعد مخالفة لقوانين المنافسة الألمانية.

في النهاية، تطرح هذه القضية تساؤلات مهمة حول مدى مصداقية برامج تعويض الكربون في القطاع التكنولوجي، ومدى شفافيتها في التواصل مع المستهلك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى